وسعى المؤسسات والمحلات التجارية إلى إرضائه بشتى الطرق، بل أذكر أن فترة إرجاع السلع المباعة كانت تمتد أحيانا لشهور، وقد تداعى إلى ذاكرتى هذا الأمر وأنا أقف أمام أحد المحلات التجارية بوسط القاهرة، فلقد شاهدت لافتة تقول: (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل)، وهو الأمر الذى يعنى بشكل ضمنى عدم حصول المستهلك على حقه إذا كانت البضاعة المباعة بها عيب أو خلل، ولا أنسى ما رواه لى أحد الأصدقاء عن معاناته فى شراء سلع رديئة وصعوبة إرجاعها إلى التاجر، والأخطر من ذلك الإعلانات المضللة التى أعتقد أنها أحد أشكال النصب المقنن، والتى تستدعى تدخلا فوريا من الأجهزة الرقابية للحد من الإعلانات المضللة أو الضارة بصحة المستهلك.. وفى سياق حماية المستهلك ينبغى أن نضع فى اعتبارنا ما يلي:
أولا: لابد أن نعترف أن المستهلك أصبح فى مواجهة مباشرة مع التجار الجشعين الذين يرفعون الأسعار باستمرار دون رقابة، كما أن فكرة الأسعار الاسترشادية التى بدأت وزارة التموين فى تطبيقها أثبتت عدم فعاليتها فى كبح جماح الأسعار، أو وضع استراتيجية لاحتواء الموقف.
ثانيا: هناك العديد من الأجهزة الحكومية لرقابة الأسعار، وترسانة القوانين المختصة بضبط الأسواق، ومن يتأمل حال السوق المصرية يتبين عدم وجود دور فعال لها، وبمجرد ما أن تلوح الحكومة بزيادة فى المرتبات، أو تطبيق كادر معين، يبادر التجار إلى إيجاد الحجج الواهية لزيادة الأسعار، واللافت للانتباه أن قرار الحكومة بالنسبة للحدين الأقصى والأدنى قد لا يطبق كاملة لكن التجار يرفضون التراجع فى الأسعار.
ثالثا: إن الحديث عن حماية المستهلك لم يعد ترفا، بل أصبح واقعا مهما، بل إن من أهم حقوق الإنسان المعاصر حقه فى حماية السلع التى يستهلكها، خاصة وأن السوق تزداد فيه معدلات الغش نتيجة ضعف ثقافة المستهلك بحقوقه بوجه عام، ومن أهم الأشياء التى ينبغى على الأجهزة الرقابية بالدولة أن تضعها فى اعتبارها قضية الإدارة، فالإدارة السيئة تسهم عادة فى زيادة التكاليف، بعكس الإدارة الجيدة والناجحة التى تساهم فى تخفيض تكاليف الإنتاج.
رابعا: إنشاء كيان مؤسسى مشترك يجمع جمعيات حماية المستهلك فى كل المحافظات لحماية المواطن، خاصة مع ضعف نظم الجودة والقياسات النموذجية، كما ينبغى مراجعة التشريعات الخاصة بالاستثمار لحماية المواطن من السلع الرديئة والمغشوشة والمقلدة.
خامسا: لماذا لا يكون لدينا جهاز شرطة متخصص لحماية المستهلك بديلا لمباحث التموين مثل شرطة البيئة والمواصلات والسياحة؟، وقد طبقت دول مجاورة هذه التجربة، خاصة أن لها مزايا كثيرة أهمها سرعة البت فى قضايا حماية المستهلك، وفهم طبيعتها.
سادسا: سرعة إنشاء مرصد إعلانى للإعلانات المضللة، خاصة مع انفتاح الأسواق، وتحرير التجارة العالمية، وظهور أنماط جديدة من التجارة مع ثورة تكنولوجيا المعلومات كالتجارة الالكترونية، فضلا عن ارتفاع معدلات الجهل وزيادة نسبة الإعلانات المضللة.
إن الاستهلاك هو العامل المحرك للإنتاج، ولذا فإن حماية المستهلك من أهم الحقوق الاقتصادية للإنسان، خاصة أن الدستور المصرى أكد التزام النظام الاقتصادى بمعايير «الحوكمة» والشفافية، وضبط آليات السوق وحماية المستهلك الذى هو هدف أساسى لتحقيق العدالة الاجتماعية، والحق الأصيل للمستهلكين.
د. أحمد عبدالتواب شرف الدين
كلية الآداب ـ جامعة المنوفية