والذي يورطه دائما في المشاكل بحسن نية وهو علي قناعة بأنه حلال المشاكل أو علي حد تعبيره لايمكن احط مناخيري في موضوع إلا وانهيه كما ينبغي ـ وهو المشعوذ الألدغ في مسرحية «حواء الساعة 12»، صاحب النداء الشهير بكلويز يابكلويز، ياراعي الغنم والمعيز.. وهو بالطبع الأستاذ عبد المعطي ناظر مدرسة المشاغبين عالي الصوت ضعيف الشخصية الذي يتظاهر بالحسم والقدرة علي السيطرة وهو في واقع الأمر يخاف من مشاغبة تلاميذه.
ورغم ان حسن مصطفي في الحقيقة كان مدرسا بوزارة التربية والتعليم ومشرفا علي المسرح المدرسي فيها في زمن تألقه إلا أن هذا الدور جاءه بالمصادفة بعد اعتذار الفنان عبد المنعم مدبولي عن استكمال دور الناظر فتم تصعيد حسن مصطفي من دور وكيل المدرسة إلي دور الناظر وتصعيد عبد الله فرغلي من دور الفراش إلي دور الملواني وكيل المدرسة فتألق كل منهما ووضع بصمته الخاصة علي الشخصية حتي عاشت في وجدان الناس كل هذه السنوات.
ولعل من أهم أدوار نجمنا الراحل علي خشبة المسرح دور رمضان السكري الوالد « في العيال كبرت»، الذي يشكو من أزمة منتصف العمر وإهمال زوجته له وضياع الأولاد كل في عالمه الخاص، ويكتشف أولاده نزوته العاطفية فيقررون التدخل لإنقاذ البيت دون إحراج والدهم.. ورغم أن شخصية رمضان السكري تتصف بالأنانية وحب الذات إلا أن الفنان الراحل قد استطاع ان يجد من خلالها مناطق لاشعال الضحك من خلال خوفه علي ابنه المخطوف وحيرته بين واجبه نحو أولاده وبين لهفته علي المرأة التي تنتظره ليهرب معها.
وقدم حسن مصطفي علي خشبة المسرح مايزيد علي الأربعين مسرحية وأسهم من خلالها في مساندة عدة أجيال من نجوم الكوميديا . كما لاننسي ادواره المميزة علي شاشة السينما ومنها الموظف البيروقراطي الفاسد عويجة أفندي في رائعة يوسف السباعي «أرض النفاق»، والذي كلف الحكومة عدة آلاف من الجنيهات ومئات ساعات العمل في مقابل الحفاظ علي شنكل حائط قيمته 11 مليما بأسعار تلك الأيام ـ ودور فانتوماس في فيلم « مطار الحب» حيث يؤدي شخصية عجيبة للغاية لرجل فاسد ينظم المواعيد الغرامية لبطل الفيلم الفنان فؤاد المهندس ويعتبر محاولة البطل في التوبة أو تفكيره في الزواج إهانة لعمله وكرامته..
وقد منح لهذه الشخصية المكروهة طابعا كوميديا ساحرا جعلنا نحب فانتوماس دون أن نتعاطف معه.. ولاننسي بالطبع أداء شخصية العاشق الولهان في فيلم « نصف ساعة جواز» مع النجمين رشدي أباظة وشادية حيث حفظ الناس وللآن لازمته الشهيرة«أوحي يا أوحي»، وأعمال كثيرة أخري شارك فيها جميع نجوم مصر تقريا من خلال الأدوار المساعدة والمهمة دراميا داخل العمل والتي جعلته بعد نهاية رحلته الفنية أكثر غني واعظم اثرا من كثيرين من نجوم الشباك الذين كرروا انفسهم ولم يتركوا أدوارا بهذه القيمة والتنوع..
والحقيقة أنه كان قاصدا لعدم تكرار نفسه في أي عمل ولعل من الأشياء اللافتة للنظر أنه قدم برنامجا شديد النجاح بعنوان « من غير كلام» كان يؤدي فيه الفنانون لعبة الأفلام أو التمثيل الصامت بالإشارة وهو حكم اللعبة ـ وبعد أن حاز البرنامج نسبة مشاهدة وإعلانات غير مسبوقة بالنسبة لهذا الوقت رفض حسن مصطفي أن يقدم موسما تاليا ولا ان يقدم برامج مشابهة في المسابقات حتي لايكرر نفسه وهذه بالطبع تضحية مادية كبيرة تؤكد أن الفن يمثل له قيمة معنوية وأدبية أهم بكثير من المال ـ وعلي المستوي الإنساني كان صاحب هذه السطور شاهدا علي واقعتين تشيران إلي بعض الجوانب الخاصة في شخصية الفنان الراحل ـ الواقعة الأولي عندما كتب والدي الأستاذ أحمد بهجت مسلسل مذكرات زوج وكان حسن مصطفي يلعب دور لواء متقاعد مقبل علي الحياة ويعيش قصة حب مع فتاة أصغر من ابنته. كانت حبيبته في العمل الفنانة سيمون وابنته الفنانة فرودس عبد الحميد وطلب مني المخرج الراحل حسن بشير ان اكتب أغنية عاطفية دويتو بين حسن مصطفي وسيمون ـ ولكن النجم رأي دراميا أن الفتاة هي التي تحب الرجل المسن أكثر ومتعلقة به وتدفعه إلي حبها فاقترح ان تكون الأغنية للفتاة وحدها..
وقال المخرج لي بعدها أن رأي حسن مصطفي هو الاصح دراميا ـ أنا كنت أريد أن اعوضه عن صغر دوره بالغناء لكنه فنان كبير اثر الاختيار الذي يضيف للدراما وليس لنفسه ـ أما الموقف الثاني فكان بعد رحيل والدي الكاتب أحمد بهجت حيث لم يستطع الحضور إلي صوان العزاء فأصر علي المجيء للمنزل في اليوم التالي والبقاء مع أخي ومعي لاستقبال المعزين رغم ظروفه الصحية ومشاغله.. ولكنه الوفاء والاحترام للقيمة الأدبية والمشاعر الإنسانية الجميلة التي ستجعله باقيا في قلوب كل من عرفوه مثلما ستبقيه أعماله الفنية خالدا في قلوب الملايين.