كان يوما محفوفا بالشجن، وحلق طائر الاحزان علي منزل المزارع البسيط، واتشح كل شئ من حوله بالسواد حيث استيقظ كعادته صباحا للذهاب إلي المزرعة التي يمتلكها لمباشرة أعماله إلا انه فوجيء بصغيراته الثلاثة يستيقظن من نومهن مبكرا علي غير عادتهن وطلبن منه الذهاب معه الي الحقل ليلهون بجواره وهو يروي الأرض الزراعية إلا أنه رفض خشية عليهن من حرارة الشمس وأمام الدموع التي تساقطت علي وجنات الصغيرات ولم يدر بخلده أنهن يزرفن الدموع علي سنوات عمرهن. التي سترحل بعد دقائق معدودة وافق علي طلبهن.
أصطحب الأب بناته بعد أن طبعن القبلات علي وجنات ست الحبايب وطلبن منها، ان تلحق بهن إلي المزرعة عندما تعد لهن طعام الإفطار وتعلقت أنظار الأم بالصغيرات الثلاثه وكلما اقتربن من باب المنزل هرولت إليهن وأخذتهن بين ضلوعها وشئ من الخوف تسرب إلي أعماق نفسها عليهن، وتوسلت إليهن ألا يذهبن مع أبيهن ووعدتهن بالذهاب إلي جدتهن لتناول الإفطار معها، ثم الذهاب معهن إلي مزرعة أبيهن عند الظهيره إلا أن الصغيرات تمسكن بالذهاب إلي الموت .
تشابكت أياد الصغيرات الثلاث وخرجن من المنزل الصغير، وتحذيرات بطعم الخوف تخرج من فم الأم بعدم الجلوس في الشمس، وعدم الابتعاد عن أبيهن خشية عليهن من الكلاب الضاله ولم يدر بخلدها ان القدر يخفي لها مالم تتوقعه أبد الدهر، وأن الموت سوف يحصد أرواح الصغيرات الثلاث دفعة واحدة.
تعلقت الصغيرات الثلاث في جلباب الأب وأصوات الضحكات تخرج من أفواههن ورحن يمزحن، وهن يسرن علي الدروب بينما تلفع الأب بالصمت الرهيب وحزن دفين سكن قلبه فجأة، وصوت مجهول يرن في أذنيه بأن الفرحة سوف تذهب عنه أبد الدهر، وأنها دقائق معدودة وسوف يصبح مثل عود اخضر في وسط ارض جدباء لتقتلعه الوحده من جذوره، وراحت الدموع تتساقط من عينيه دون ارادته وشعر أنه يقترب من النهاية وربما يحوم ملك الموت حوله وان ذلك الحزن الذي سكنه فجأة هو حزن الرحيل والخوف علي بناته ووالدتهن من المصير المجهول فهو لم ينجب الولد الذي يحمي شقيقاته وأمه بعد رحيله، وراح الاب يصول ويجول بخاطره وترأي له مشهد زوجته وهي تمسك ببناتها الثلاث وتسير خلف نعشه وتولول علي رحيله المفاجيء وصور البنات وهن ينادين عليه، وهو محمول علي الاكتاف والنسوة من حولهن يمصمصن الشفاه بعد أن حملن لقب يتيمات وهن أطفال وبكي الاب علي موته ولم يدر بخلده ان القدر يخفي له ماهو اشد قسوة من موته
وصل الاب الي المزرعه ومسح دموعه واحتضن صغيراته وطلب منهن اللعب بجواره وانشغل عنهن في ري أرضه الزراعية وراحت الصغيرات تلعبن بجوار بئر للمياه حفره الاب منذ سنوات لاستخدام مياهه في الري وقت جفاف الترعة التي تغذي حقول القرية الصغيرة بمحافظة المنيا، وفجأه انزلقت قدم الصغيره سهام ٣سنوات في البئر وسقطت بداخله، وصرخت شقيقتها وسام ٤ سنوات عليها وحاولت انقاذها وهداها تفكيرها الطفولي الي الاقتراب من البئر لمشاهدة شقيقتها إلا انها سقطت هي الأخري، وعندما حاولت كبيرتهن إسراء ٧ سنوات انقاذ أختيها لحقت بهما أيضا ووقعت الكارثة والأب في نهايه الحقل يطمئن علي وصول المياه إلي جميع أرضه الزراعية.
عاد الاب ونادي علي صغيراته ولم يجبن وهرول كالمجنون بين الزراعات يفتش عنهن بين زراعات القمح والذرة، ولكن دون جدوي واعتقد انهن تضايقن من الجلوس بمفردهن وعدن إلي المنزل، واتصل بزوجته علي هاتفها المحمول وأخبرته انهن لم يعدن اليها وكادت تفقد عقلها، واسرعت لزوجها لتبحث معه عن بناتها الثلاث واعتقدت ان مجهولا اختطفهن لطلب فديه لان زوجها من عائلة ثرية تمتلك الاراضي والعقارات، ولم تتوقع ان الموت هو من اختطفهن وبعد ساعات من البحث توجه أهالي القرية إلي مزرعة الأب، وتعلقت انظارهم ببئر المياه داخل المزرعة، وكانت الطامة الكبري هي العثور علي جثث الصغيرات الثلاث داخل البئر.
تم اخطار اللواء محمد صادق الهلباوي مدير امن المنيا بالواقعه وأمر المقدم هاني الراعي رئيس مباحث مركز العدوة بالاستعانه بفرق الانقاذ التي تمكنت من انتشال جثث طيور الجنة، من البئر الذي يبلغ عمقه تسعة أمتار وكان المشهد أقسي من أن يوصف حيث حمل الأهل والجيران بقرية العدوة بمركز المنيا، نعوش الشقيقات الثلاث لتتواري أجسادهن البريئه خلف الثري لتنقطع جذور الأبوين المكلومين وترتوي أرضهما الزراعية بدموعهما أبد الدهر.