يرى أستاذ الإدارة وعضو بمجلس صفوة الخبراء للتنمية أن العالم شهد تطور إداري هائل في العشرين عاماً الأخيرة في إدارة الدول حيث ظهرت منظومة بطاقات الأداء المتوازنة للإدارة الاستراتيجية وقد تطورت الطريقة بعد تنفيذها على يد نائب الرئيس الأمريكي آل جور في عهد بيل كلينتون بأمريكا في الولايات والمدن المختلفة وقد تم تسمية المنظومة بالمتوازنة لأنها توازن بين المؤشرات العاجلة والآنية والمؤشرات الداخلية والخارجية والمؤشرات المالية وغير المالية. والكثير من الدول بدأت اتباع هذه النظم خارج مصر مثل الإمارات والسعودية والأردن في الشرق الأوسط والكثير من الدول خارجها مثل البرازيل وتركيا والهند وماليزيا وغيرهم، وقد لوحظ تحسن هائل من ٤٠٪ إلى١٠٠٪ من حيث الدخل عند تطبيق النظم على مدى ٣ سنوات. وإذا كان الناتج القومي لمصر ٢٧٥ مليار دولار حسب تقدير مجلة "ذا إيكونيميست" البريطانية العام الحالي، فيمثل ٤٠ ٪ الحد الأدنى زيادة مقدارها ١١٠ مليار دولار!
و لهذا السبب أنشأت الإمارات مجلسا تنفيذيا بكل إمارة لتولى هذه المسئولية حيث يتولى المجلس التنفيذي التنسيق بين جميع وزارات الدولة وهيئاتها وشركاتها ووضع الخطط الاستراتيجية وبطاقات الأعمال ومتابعتها على المستوى الأعلى وهذا يلزم استخدام النظام في كل المصالح والوزارات والهيئات حتى في بلدية أبو ظبي.
ففى دبى على سبيل المثال هناك نظام متوازن للثواب والعقاب فبجانب المكافأت في حالة تحقيق تحسن بالأداء هناك الردع إذا حصلت إحدى إدارات الدولة أو الشركات على أحمر فيكون كإنذار وإذا تكرر بالعام التالي يتم تغيير الإدارة فوراً حتى لو كان أميراً حسب تعليمات الشيخ محمد بن راشد
ورغم أن المؤشرات المالية هي الأهم إلا أنها تقاس في نهاية الفترة الزمنية كمؤشر متأخر و لا يمكن تغييرها ،ولذلك اقترح د.كابلان ود.نورتون وضع مؤشرات أداء في ٤ مناظير وهي المالية ثم العملاء (الشعب في حالة الدولة) ثم العمليات الداخلية (الخدمات/المنتجات) وأخيراً التعلم والابتكار والنمو. ونختار مؤشرات متقدمة مثل التدريب ونظم المعلومات. وبتطور الطريقة على يد دكتور روبرت كابلان ودكتور دافيد نورتون اللذين أكدا أهمية الاصطفاف وتوحيدها قبل العمل.
ونظراً للتأثير الهائل لهذه الطريقة قامت عدة جامعات عالمية بتقديم شهادات معتمدة في هذه المنظومة ويقومكلا من الدكتور نورتون وكابلان بتقديم محاضرات سنوية بصورة دورية بدبي ولندن وهونج كونج وسنغافورة وعدة مدن بالولايات المتحدة ولدينا محاضراتهم الكاملة لعام ٢٠٠٩ و٢٠١٠. كما قاما بتأسيس شركة استشارية لتنفيذ هذا النظام بالمنافسة مع شركات الإدارة العالمية.
التجربة الأمريكية
تشير دراسة أعدها باحث سورى يدعى عبد الرحمن تيشورى إلى أن تجربة الإصلاح الإدارى الناجحة فى الولايات المتحدة بدأت مع وضع خطة استراتيجية للإصلاح الإدارى المستديم وتنظيم وبناء الجهاز الحكومى الأمريكى ومراجعة ومتابعة أدائها حيث تتكون التجربة من شقين، الأول يتعلق بتنظيم الجهاز التنفيذي للحكومة الفيدرإلية، بتشكيل" لجنة هوفر الأولى" (١٩٤٧- ١٩٤٩) لدراسة طرق وأساليب الأداء في الأجهزة التنفيذية للوصول إلى تحسين أدائها وترشيد أوجه مصروفاتها.وتبني مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية والتركيز على التوازن بين الصلاحيات والمسئوليات وأدوات الإدارة مثل: المالية، الوظائف والموظفين، و الخدمات العامة، نظام حفظ الوثائق والتقارير العامة، والتداخل والازدواجية في الأجهزة العامة، وتحقيق اللامركزية في التنفيذ تحت مظلة إشراف مركزي وإعادة تنظيم الأجهزة التنفيذية، معتمدين على فرق العمل المتخصصة والمتنوعة من جهات متفرقة ذات علاقة وقيام هذه الفرق المتخصصة بتقديم تقاريرها للجنة الرئيسية التي تقود هذه الفرق.
وقد تم التوصل إلى العديد من النتائج والتوصيات أهمها أن هناك عدم توازن بين مسئوليات الرؤساء في الأجهزة وبين الصلاحيات المعطاة لهم، بما يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة، لذلك تمت التوصية بمنح صلاحيات كافية للمسئولين في الأجهزة التنفيذية في مجالات إعادة التنظيم، وفي التعامل مع الموظفين، والنواحي المالية، ووجود قصور في أسلوب إعداد الميزانية، والرقابة المحاسبية وكانت التوصية بتبني ميزانية الأداء وتبسيط إجراءات مناقشة الاعتمادات المالية ووضع نظام متكامل وفاعل لإعداد ميزانيات الأجهزة التنفيذية، بما يسهم في تخفيض تكاليف الرقابة على التنفيذ، كما أن هناك مركزية مخلة في التوظيف، ونقص في حصول الأجهزة العامة على الكفاءات العالية اللازمة لها وهناك نقص في تصنيف الوظائف وفي معايير التوظيف وتمت التوصية بتيسير إجراءات التوظيف، وجعل سلم الرواتب يخدم الحصول على الكفاءات في الأجهزة العامة، وتعزيز مبدأ الجدارة في اختيار الموظفين، واتباع مبدأ اللامركزية في التوظيف وتصنيف الوظائف، بالاضافة إلى تداخل وازدواج في الأنشطة، فالأنشطة في الأجهزة لا رابط ولا تنسيق بينها، مع عدم وضوح في أهدافها وتمت التوصية بإعادة التنظيم على مبدأ جمع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج، وتقليص عدد الأجهزة التنفيذية بما يزيل تضخم تلك الأجهزة، مع التركيز على تفعيل أدائها والتنسيق في نشاطاتها والخدمات التي تقدمها.
والشق الثاني يتعلق بمراجعة ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية في الحكومة الأمريكية لتقديم خدمات عامة متميزة بتكلفة أقل، متبنيه الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية والتركيز على أساليب الأداء والعمليات الإدارية والمعوقات التي تصاحبها.كما ركزت الدراسة على إعادة تشكيل ثقافة المنظمات التنفيذية بما يخدم المستفيدين في المقام الأول.
كما اتبعت الدراسة منهجية قامت على مرحلتين، الأولى تم تشكيل فريق عمل لمشروع الإصلاح مكون من (٢٥٠) عضواً من ذوي الخبرة والتأهيل من الأجهزة العامة، وتفرعت عن الفريق الرئيسي مجموعة فرق للدراسة، وأسند لمجموعة من الفرق دراسة الأنظمة والإجراءات والقضايا العامة التي تسير العمل في جميع الأجهزة التنفيذية مثل: أنظمة الميزانية، المشتريات، الموظفين، وإجراءات خدمات المستفيدين من تلك الأجهزة.كما أسندت لمجموعة أخرى من الفرق دراسة أجهزة معينة كجهاز التعليم وجهاز القوى العاملة، ومطالبة كل رئيس جهاز بتشكيل فرق داخلية مستمرة للعمل علىر تحقيق ما هو مطلوب من التغيير والتطوير داخل الجهاز، وإنشاء مراكز متخصصة في كل جهاز للبحث عن الأفكار الجديدة وتجريبها لتحسين الأداء فيه.
بالإضافة إلى تشكيل فريق من عدد كبير من الموظفين، مهمته تشجيع الأجهزة التنفيذية على تطبيق التوصيات التي أسفرت عنها الدراسات ومتابعة التنفيذ في الميادين.
وللتخلص من الروتين في مضمار تسهيل الإجراءات في إعداد الميزانية وصرف النفقات وترحيل المتوفرات إلى أعوام لاحقة، تبنت الإدارة الأمريكية اللامركزية في سياسة التوظيف والتقييم وتحفيز العاملين، كما تبنت اللامركزية في أعمال الشراء وتمكين الأجهزة العامة من تأمين المشتريات التي تلزمها وإعادة تحديد دور الأجهزة الرقابية المركزية في الرقابة المالية وتطويرها والتأكد من صلاحيات فروعها لتحقيق أهدافها وتمكين الموظفين من الأداء المتميز عن طريق محاسبتهم على النتائج وإشراكهم في صنع القرارات وإكسابهم المهارات وتوفير بيئة العمل الملائمة لهم.
وفي المرحلة الثانية من مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية ركزت الدراسة على التعرف على ما قامت به الأجهزة من جهود لتطبيق التوصيات بالمرحلة الأولى وذلك عن طريق وضع التوصيات التنفيذية، ومن ثم عرضها على لجنة مراجعة أداء الأجهزة العامة الفيدرالية وجهاز الإدارة والميزانية لمراجعتها قبل رفعها للأعلى لاعتمادها.وقد اتصف مشروع مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية بالتركيز على تحسين الأداء، وإدخال الأساليب الإدارية الحديثة المطبقة في أجهزة القطاع الخاص إلى أجهزة الدولة.وكذلك تيسير الإجراءات، وتقديم خدمات متميزة للمستفيدين.وقد وفر المشروع أكثر من ٣٧ مليار دولار خلال ٧ سنوات منذ عام ١٩٩٣ ويعزى السبب إلى التقليص في الإنفاق وعدد الموظفين.
التجربة اليابانية
من أبرز عوامل النهضة اليابانية بعد انهيار الاقتصاد الياباني تطبيق مبادئ إدارية حديثة من بينها إدارة الجودة الكاملة، والعمل ضمن فريق متعاون وإتقان العمل الإداري وتحويله إلى قيمة اجتماعية مرتبطة بالثقافة اليابانية، والابتكار والتطوير، الفعال وإذا ما علمنا أن اليابان لا تمتلك أي موارد طبيعية، وتقع في موقع جغرافي ناءٍ، أدركنا أن استثمار العنصر البشرى هو عماد وركيزة التنمية والنهضة اليابانية، ويعود ذلك إلى: التنشئة والتربية الاجتماعية، ومناهج التعليم، وأنظمة وبيئة العمل، وغير ذلك، فالعمل ضمن فريق عمل محدد له تنظيم إداري كفيل بأن يتيح لفريق العمل إنجاز المهام المنوطة به، لتحديد مهمه بشكل واضح، وحجم فريق العمل، وتعيين رئيس للفريق وتحديد واجبات وصلاحيات كل عضو في الفريق، وتحديد الوقت اللازم لإنجاز المهمة.
كما أن محاسبة القانون صارمة للمخالفين في اليابان ،فلا يرحم القانون الغني أو الفقير، الوزير أو الغفير، فحينما تكتشف المخالفات، تدرس أسباب حدوثها، ويحاسب مرتكبوها، وتمنع تكررها، بالإضافة إلى أن القيم المجتمعية إليابانية تفرض على الشخص الاعتذار والاعتراف بأخطائهم ولقد حاولت الثقافة الأمريكية تعزيز الشخصية الفردية والقيم الفردية في الإنسان اليابانى إلا أن إليابانيين عام ١٩٨٩ نجحوا في مراجعة البرامج التعليمية وتطهيرها من القيم الفردية المستوردة، وتم إضافة برامج السلوك والأخلاقيات بصيغة متكاملة على أن تراجع كليا كل عشر سنوات.كما تم إدخال مادة السلوك والأخلاقيات بتناغم في جميع المواد المدرسية ونشاطاتها بالإضافة لبرنامج متخصص في الأخلاقيات يقدم ساعة كل أسبوع على مدار السنة وفي جميع السنوات الدراسية، وكذلك الاهتمام بالمعلم الياباني ومدى تقديرهم له، فالمعلمون يحظون باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة.