أو تقع في أيدينا أوراق قديمة مهلهلة ربما كانت محفوظة في أقبية المخازن والدواوين الحكومية داخل صناديق خشبية فتفوح منها رائحة الماضي وسحر التاريخ ، ومن هذه الأوراق نكتشف الكثير عن مصر التي كانت في وقت من الأوقات سيدة العالم القديم والمتربعة علي عرش الحداثة والتطوير والرقي والثقافة ..
ومن هذه الأوراق النادرة ، الورقة التي أعرضها هذا الأسبوع وهي من ملفات ديوان الأوقاف السلطانية الخصوصية وبالتحديد إدارة قلم المستخدمين ( الموظفين ) وهي عبارة عن بيان تنقلات حضرات نظار ومدرسي مدارس الديوان بتاريخ ٢٦ أغسطس ١٩١٨ ( أي فترة حكم السلطان فؤاد الأول ومن المعروف أن فؤاد الأول حكم مصر بلقبين الأول كسلطان من ١٩١٧ وحتي ١٩٢٢ خلفاً للسلطان حسين كامل ثم كملك من ١٩٢٢ وحتي وفاته في ١٩٣٦ )
وهذه الوثيقة هي ورقة من أحد الدفاتر الحكومية ومقسمة الي ثلاثة أجزاء طولية، الأولي تضم أسماء المدرسين والنظار والثانية للوظيفة والمدرسة المنقول منها والثالثة للوظيفة أو المدرسة المنقول اليها والملاحظ أن كلهم من الرجال وعشرة منهم يحملون لقب شيخ ولا يوجد بينهم امرأة واحدة مما يشير الي أن تلك الفترة لم يكن بها الا عدد قليل من النساء يعملن في مهنة التدريس، فقد كانت المرأة مازالت تتحسس طريقها وسط مجتمع ذكوري منغلق علي أفكارة رغم الحداثة في العمران والبناء والتشييد علي الرغم من وجود مدارس للبنات داخل الجدول مثل مدرسة الشيخ صالح للبنات ، ولكن الغريب في الوثيقة أن بعض الأشخاص تم نقلهم الي درجات وظيفية أقل مثل حضرة حامد أفندي محمد الذي كان ناظر المدرسة الحسينية وتم نقله الي وظيفة وكيل المدرسة الثانوية ولم يُعرف السبب، فهل هذه ترقية باعتبار أن المدرسة الأخيرة أعلي مستوي من الأولي أم أن هذا حدث لتقصيره في عمله؟ ، كما أن هناك بعض الأشخاص يعملون كضباط لحفظ الأمن داخل المدارس وبعضهم تم نقله الي وظيفة أعلي مثل محمد أفندي رشدي عرفة وكيل مدرسة الشيخ صالح بنين الذي نُقل ليصبح ناظر مدرسة خليل أغا وبعضهم تم نقله الي قسم الحفاظ ( الأرشيف) .
ويقول القرار الصادر في الوثيقة “ بعد الإطلاع علي القرار الصادر في ٢٥ أغسطس ١٩١٨ الخاص بإجراء تعديلات بكافة مدارس الديوان وحدوث تغييرات بين نظار ومدرسي ومستخدمي تلك المدارس مما اضطرت حالة العمل اليها، وبناء علي قرارات اللجنة التي شكلت خصيصاً لهذا الغرض تحت رئاسة حضرة عبد العزيز بك فريد تقرر نقل الموظفين المذكورين أعلاه الي المدارس المبينة أمامهم ابتداء من أول سبتمبر ١٩١٨ ، وعلي قلم المستخدمين تنفيذ قرارنا هذا ، وجاءت الوثيقة بتوقيع محمد فهمي مدير الأوقاف السلطانية الخصوصية .
ومن هذه الوثيقة نتبين أن المدارس في تلك الفترة كان بعضها يتبع ديوان الأوقاف السلطانية الخصوصية ومنها مدرسة الحسينية والمدرسة الثانوية ومدرسة خليل أغا ومدرسة الشيخ صالح للبنين وأخري بنفس الاسم للبنات ( فمن هو الشيخ صالح الذي سميت باسمه مدرستين للجنسين .. لابد أنه كان متحمساً للتعليم ) مما يعطي إشارة الي أن هذه المدارس كان الإنفاق عليها يتم من خلال الأوقاف السلطانية وكانت هذه المدارس وموظفوها تخضع لمراقبة صارمة تليها سياسة الثواب والعقاب وأنه كانت هناك حركة تنقلات دائمة للمدرسين والنظار لضمان جودة تعليمية أعلي ولضمان عدم حدوث تكتلات في داخل المدارس قد تؤثر سلباً علي سير العملية التعليمية ، كما لوحظ وجود اهتمام بكل العاملين بالمدارس بخلاف المدرسين والنظار مثل ضباط الأمن والعاملين بالأرشيف مما يستدعي تغيير مواقعهم بين الحين والآخر وليس كما يحدث الآن أن يتم تعيين مدرس أو ناظر أو موظف في مدرسة فيبقي فيها حتي خروجه الي المعاش وبالتالي يفقد بعد فترة القدرة علي الإبداع والعمل والعطاء ويصبح عمله مملاً وروتينياً وليس فيه أي تجديد ويركن الي الكسل طالما هو مطمئن في مكانه ولا توجد أي رقابة..
والله علي مصر ومدارسها ونظامها التعليمي زمان .
[email protected] .eg