وقد قيل فى مكافحة العدوان أن 15% مما بنى قد هدم، فيا ترى ماقيمة مايتم هدمه إذا كان التعدى سائرا فى طريقه غير مبال، مسجلا كل ساعة 20 حالة، أى خمسمائة كل يوم، بل اكثر من ذلك فى بعض الإحصائيات. ومما يزيد الطين بلة أن هذا الهدم الذى يحدث غير كامل، بل هو ذر للرماد وحسب، فهو ليس إلا «خربشة» فى جدران المبني، أما باقى الجدران وخرساناتها فباقية بقاء أبى الهول تنعى ماتحتها من زرع أزيل. وكأن المسئولين الذين يزيلون هذه البنايات يربتون على أكتاف المعتدين، ويوحون إليهم بإمكانية الرجوع الى سابق عهدهم فى البناء، وهذا ماحققته مع غيرى فى أحد الأيام ونحن متوجهون من الجيزة الى بلدة اسمها «كفر قاسم» إحدى قرى مركز «العياط» بالجيزة، حين تراءت لنا البنايات التى قيل إنها أزيلت، تربض بجوارها أكوام الحجارة البيضاء بأعدادها الكثيفة، تنتظر لحظة الغفلة لتنقض مرة أخرى وتعاود جريمتها.
ومما يثير العجب أنه بينما نحن نكافح الاعتداء، نرى البعض يروج له من تحت لتحت، فهذا أستاذ فى كلية الزراعة يسترضى عشيرته، ويطلب باستحياء مكتوم التغاضى واللين، ثم يظهر أنه يزمع الترشح لمجلس النواب. ونرى آخر يطمع فى البناء هو وأهله، فيلقى بالبذرة لكى تنمو، ويتبرع بأرض لبناء مدرسة أو أى خدمة عامة، فتقف البناية شامخة وباعثة على الاعتداء يمينها وشمالها، وهو ماتنبهت له واستحققت عليه التقدير والإعزاز بعض مديريات الزراعة فى الغربية والدقهلية التى وقفت بقوة أمام هذا الدجل .. أيضا رأينا قضايا تتوالى لاغتصاب الأراضى المزروعة يروج لها بعض المحامين، مطلقين العنان للمستأجرين بأن يضعوا أيديهم عما ليس ملكهم، باعثين الأمل فى الاعتداء على الارض وتبويرها يوما من الأيام. أو محققين الحلم بالكسب الحرام واستنزاف الاموال من الأغراب الراغبين والتواقين للبناء.
كل هذا يحدث ناسين أن مساحة الأرض التى يعيش عليها أهل القري، لم تعد تحتمل المزيد لا للسكنى ولا للخدمات، وأن الباب المفتوح للانتقال الى الصحراء يجب أن يتسع لاستقبال القادم من الأجيال. وسيناء أمامنا تنادى مليونين من البشر، بل هناك من قال عشرين مليونا، ليمكثوا فيها. حيث يستطيعون البناء والتشييد ماشاء لهم التشييد، كما يزرعون ويقتاتون من خيرات الزرع ما يشبعهم ويشبع أولادهم وأولاد أولادهم.
من أجل ذلك يجب أن تقف الزراعة ومعها الشرطة والقضاء وقفة حقيقية لا استعراضية ولا تمثيلية. وللمساعدة يتم عمل برنامج خاص تسلط عليه الأضواء الكثيفة، ويشرف عليه المخلصون من رجال الإعلام، يستقبل فيه ـ لا البلاغات الفردية عن التافه من الأمور ـ ولكن عن أى أعتداء يقع على حقوق الشعب فى أى موقع من مواقع مصر المحروسة، وليكن ذلك كل يوم حتى تضبط الجريمة فى توها، على أن يذاع بعد ذلك على الملأ العقاب الذى ينزل، وعدد من عوقب لأننا حتى اليوم لم نسمع عن محاسبة وقعت وإذا كانت قد وقعت فلا علم لنا بأعدادها، وكأنها سر دفين يخفى وراءه مايخفي.
د. عادل أبوطالب ـ أستاذ بطب بنها