أى منذ نحو 20 عاما، من موقف ميكروباصات عشوائى لم يتم تقويمه فى حينه بكل ما يحمله من تلوث سمعى وبصرى وبيئى على مدى الساعة، وبعد قراءتى التحقيق الذى اتصف بالمصداقية، وجدت نفسى مدفوعا لأن أضع الحقائق أمام بنى وطنى دون تهويل أو تهوين، وصولا لاستخلاص دروس مستفادة تعيننا على عدم الوقوع فى المأزق نفسه فيما بعد، ولأننى صديق «بريد الأهرام» منذ عام 1995 وحتى الآن فى نشره لكل تطورات هذه المشكلة الضاغطة أعرضها على النحو الآتي:
أولا: يكمن السبب الرئيسى للمشكلة فى أن سلطة الدولة لم توفر على مدى زمن طويل وسائل المواصلات المختلفة التى تتناسب طرديا مع الزيادة المستمرة فى تعداد السكان، وبلغت نسبة المتاح فى عام 1995 نحو 35% فنشأت فجوة نسبتها 65% غطتها الميكروباصات التى انتشرت بصورة خطيرة فى كل أنحاء مصر.
ثانيا: إحساس أصحاب الميكروباصات أنهم حلوا مشكلة عويصة للدولة فاخترعوا نظام تشغيل يتوافق مع مصالحهم، دون التقيد بالقوانين المنظمة لحركة المرور، التى كان على رأسها اختيار مواقف عشوائية مخالفة مروريا ودستوريا فى شوارع رئيسية تتميز بالكثافة السكانية، وأمام عمارات سكنية حرمت قاطنيها من صف سياراتهم الخاصة موازية للرصيف أمام عماراتهم كما ينص القانون.
ثالثا: كان القرار الأمثل للسيطرة على هذا الوضع هو مواجهتها بكل قوة، ومنع انتظارها بإجراءات صارمة كانت تتطلب قوات بفرض القانون بالقوة تكون تحت إمرة أقسام المرور بالأحياء، ونتيجة غياب هذه القوات ظهر على السطح تعبير «تكثيف الحملات» التى ما إن يراها السائقون حتى ينتشروا داخل الشوارع الجانبية، ويظلوا كذلك حتى تنتهى الحملة فيعودوا إلى الموقف العشوائى مرة أخري، ومازالت هذه العبارة السحرية سائدة حتى الآن.
رابعا: اقترحت تغيير خط سير الميكروباصات وتم إقراره بالمجلس الشعبى المحلى لمحافظة القاهرة بتاريخ 2 يوليو 2002، ونفذ بالفعل يوم 16 أغسطس، بيد أن إدارة السرفيس عدلت عن موقفها بعد 72 ساعة بعد تظاهر السائقين أمام مكتب المدير.
خامسا: وفقنى الله بعد ثورة 25 يناير 2011 فى الحصول على موافقة لجنة تطوير النقل والمرور بمحافظة القاهرة فى اجتماعها برئاسة المحافظ عبدالقوى خليفة يوم الاثنين 26 سبتمبر 2011 بنقل الموقف العشوائى لمكان بديل.
سادسا: تم النقل بالفعل يوم الخميس 29 مارس 2012 تحت إشراف مأمور قسم مصر الجديدة فأرضى جميع الأطراف، بيد أن السائقين تظاهروا بعد ستة أيام يوم الثلاثاء 3 أبريل 2012 وعادوا للموقف العشوائي.
سابعا: بحلول العاشر من مارس 2015 وجه رئيس حى مصر الجديدة كتابا لى وأرفق به «كروكي» يوضح مكان ساحة انتظار تم تخصيصها لنقل الموقف العشوائى إليها، ومن ثم تكون المشكلة قد تم حلها ولم يبق سوى التنفيذ.
ثامنا: بدأ الدكتور جلال سعيد محافظ القاهرة معركة المواجهة للقضاء على المواقف العشوائية بإحباط إقامة موقف عشوائى أمام مصلحة السجون يوم أول مايو 2015، ومن ميدان رمسيس يوم 7 مايو، تمهيدا لإلغائها تماما من العاصمة، وقد علق المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء على ذلك بعبارة بليغة بقوله يوم 9 مايو 2015: «إن الدولة قد استعادت هيبتها».
تاسعا: إن الخطة الاستراتيجية لإعادة تنظيم المواقف العشوائية يجب أن تتضمن تكتيكيا الخطوات التالية:
ـ حصر المواقف العشوائية فى كل محافظات مصر.
ـ تحديد ساحات بديلة لهذه المواقف يتوافر فيها بعدها عن الشوارع الرئيسية التى تعوق انسياب المرور، وعدم الانتظار أمام وحدات سكنية.
ـ إعداد قانون بتجريم انتظار وسائل النقل الجماعى فى مواقف عشوائية، وتوقيع عقوبات مشددة على المخالفين من ضمنها حجز المركبة فى أماكن محددة داخل كل منطقة على اتساع المحافظة.
ـ تعيين خدمات ثابتة لمنع إقامة مواقف عشوائية بالقرب من المنشآت الحيوية، أو التى تمت إزالتها، مع تثبيت لوحات إرشادية تمنع الانتظار فيها مرة أخري.
وأخيرا.. أتمنى أن يحظى موقفنا العشوائى بأسبقية خاصة، بحكم الأقدمية العشوائية .
ودعونا نتعاون معا من أجل مصر التى تخوض سباقا مع الزمن لتعويض ما فاتها.
اللواء د. إبراهيم شكيب