-
نظام الخلافة و استشراء العنف ..
-
4 خصـائص مشتركـــة بين المتطرفين ومن يتصدون لهم
نستكمل اليوم ندوة «الأهرام» حول تجديد الخطاب الدينى ، والتى سبق وأن أشرنا إلى أنها تمس موضوعا رأينا أنه لا ينبغى أن يتم النظر إليه من منظور تقليدى ضيق لا يخرج عن أروقة المؤسسة الدينية ، وإنما يمتد إلى أبعاد ترمى بظلال على ثقافة المجتمع وأوضاعه السياسية والاقتصادية .إلى جانب قناعاته الدينية والفكرية بل وجميع المؤثرات التى استجلبها من التاريخ وكذا المؤثرات التى وفدت إليه عبر رحلته فى دروب الزمن وتنقله من مرحلة إلى أخرى بما لها وما عليها .
البداية هذه المرة جاءت على لسان الدكتور قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى بجامعة عين شمس:
حين تلقيت الدعوة الكريمة تصورت ماذا لو لجأت الدولة أو جماعة معينة لتكليف مجموعة من المتخصصين النفسيين لاعداد برنامج لتدريب أو إعداد الإرهابيين ماذا يفعلون، وحين عدت إلى تراث علم النفس السياسى وجدت أن ما يلزمنا غرسه لكى يصبح هذا الشخص ارهابيا، اربعة خصائص أدربه عليها منذ الطفولة أو فى أى سن:
►الخاصية الأولى، هى أن العنف أو القوة هى السبيل لكى تكون محترما ؛فالتفاوض والإقناع والأخذ والرد هذه أمور مائعة ينبغى أن تكون حاسما وقويا ترد على العنف بالعنف وترد على شبه العنف بالعنف وأن تبدو للآخرين قادرا على سحقهم بحيث لا تحتاج حتى إلى استخدام القوة ويمكن التدريب على ذلك وغرس هذه الخاصية .
►أما الخاصية الثانية ، فهى أن أدربه وأعده فكريا على أنه لا وجود للون الرمادي؛ فالدنيا أبيض وأسود، والحديث عن تعدد الألوان واللكننة وأن كل شيء له جانب سيىء وجانب طيب هذا حديث لا قيمة له ــ عليك أن ترى العالم بمنظار واضح هذا سيىء وهذا حسن ولا شيىء بينهم.
►الخاصية الثالثة، هى أن أدربه على أن الثقة فى الرجال تسبق الثقة بالأفعال والأقوال؛ فإذا كنت تثق فيه حقا وصدقا ، فعليك ألا تصدق نفسك حتى إذا ما رأيتنى أرتكب خطأ !! فالثقة هى الأساس .
►أما الخاصية الرابعة ، فهى أن أدعم لديه شعورا بأننا نحن الأفضل والأصوب فى كل شيء لا جدال فى ذلك.
أربع خصائص لو نجحنا فى غرسها - والنجاح فى غرس هذه الخصائص ليس بالأمر الصعب- تتحول الجماعة المستهدفة إلى جماعة إرهابية بصرف النظر عن توجهها الفكرى أو الأيديولوجى أو ظروفها الاجتماعية أو أى شيء؛ بمعنى أننى حين أرى مظاهرات لشباب من الإخوان المسلمين حتى الآن، كنت للوهلة الأولى كمواطن يفزعنى الإرهاب وأكره هذه الجماعة ، ثم حين استعيد رؤيتى العلمية أرى أنه لا مبرر للفزع لأن هؤلاء نشأوا فى أحضاننا نحن، ونحن دربناهم على هذه الخصائص الأربع، البعض يقول لا الذين دربوهم هم جماعة الإخوان المسلمين ،وأنا أود أن أسال وأتساءل :لو نظر كل منا بداخله هل يجد رفضا حقيقيا داخله هو لهذه الخصائص الأربعة؟ هذه الخصائص الأربعة تشكل أساسا للإرهابيين والأخطر من ذلك أنها تشكل أساسا لبعض الفصائل المقاومة للإرهاب! وهذا أمر يجب وضعه فى الاعتبار ،
وبالتالى فإن مسألة متى نشأ هذا المناخ هذه ليست قضيتى رغم أن لى وجهة نظر، لكن ليست لدى المهارة والحنكة الثقافية والتاريخية لكى أقول إنها نشأت فى هذا التاريخ، أما بالتقريب فإن هذا المناخ لا يظهر فجأة وإنما ينشأ بالتدريج ؛فالكتلة المصرية المسلمة السنية كتلة تختلف عن الكتل السنية فى العالم، لى صديق شيعى من البحرين كان يأتى لزيارة مصر كان يفزع ويندهش حين يرى موالد الحسين والسيدة زينب، فيقول: الشيعة هل هم كثيرون فى مصر، و أقول :لا، هؤلاء سنة، فيسأل كيف سنة؟ يتبركون بالحسين ويقولون سيدنا معاوية رضى الله عنه قتل سيدنا الحسين رضى الله عنه؟ نعم، هذه كتلة سنية متميزة ،لكن هذه الكتلة السنية المتميزة التى تتهم بعدم الوضوح المذهبى

ولذلك يقولون إن المصريين لديهم ميوعة مذهبية لا يقفون كثيرا عند ما هو الحنفى وما هو الحنبلي، أنا اعتدت فى محاضراتى أن أبدأ كمدرس للدراسات العليا لسنوات طويلة فعدد الطلاب قليل، فمن باب كسر الثلج بالمحاضرة الأولى أتحدث فى قضايا عامة فأسألهم ما مذهبك؟ فيرتبك قليلا ثم يجيبني: مسلم والحمد لله. فأقول أنا أعلم أنك مسلم ولكنى أسأل ما مذهبك ؟فإذا ما ضغط عليه فيرد بأنه من السنة، ما المذهب السنى الذى تتبعه من المذاهب الأربعة؟ فيرتبك، لكن تأسس فى مصر منذ سنوات طويلة لحسن الحظ أننا لم نصل إلى حد التمييز المذهبى داخل مذاهب السنة، فما حدث فى 52 ثورة غيرت المجتمع ولكن الذى حدث هو أن عبدالناصر إنحاز للفقراء وهذا صحيح ،وأراد لمصر أن تتقدم وأن تصبح دولة صناعية قوية متقدمة، ولكن فيما يبدو لأنه نشأ بين الناس ونشأ فى ظل هذه الثقافة ـ مقتنع كان أو غير مقتنع ـ كان لابد حين يتناقض مع الإخوان المسلمين أن يقول إننى مسلم أفضل منكم ، وليس أنا أنادى بتجديد يختلف مع ما تقولون به!

عبدالناصر لم يجد بأسا فى أن من يريد أن يعلم ابنته فى معزل عن الذكور أن يفعل ليس فى جامعة الأزهر فحسب و إنما فى كلية البنات، ولم يجد بأسا فى أن يتحدث عن الشعوب الإسلامية ودائرة الاهتمام الإسلامي.. والخ ،فهذا يحسب عليه لسنا فى مجال المحاكمة، ولكن هناك قوى استثمرت ذلك وضغطت فى اتجاه التمييز الديني، وبالتالى أنا أريد أن أعود إلى حيث بدأت كمتخصص، فأنا أرى أننا مازالنا حتى الآن ،الإخوان ومن يهاجمونهم فى قطاعات كبيرة، نتمسك بهذه الخصائص الأربعة . أنا أجريت اختبارا موضوعيا بسؤال أطرحه: هل تعتقد بوجود شيء إيجابى واحد فى جماعة الإخوان المسلمين ؟ فتأتى الاجابة لا لايوجد! وإذا سألت أحدا متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين وهم ناس عاديون: هل تعتقد بوجود شيء إيجابى واحد فى النظام القائم؟ فيردون بأنه نظام استبدادى ولا يوجد به أى ايجابيات، نفس الفكرة ، فكرة الأبيض والأسود فكرة أن الأقوال تعرف بالرجال، الرجال تعرف بالأقوال وليس العكس لأن فلان هو الذى قال، فلان هذا ممكن يكون زعيم الإخوان وممكن يكون زعيم حزب الله .
ويقاطعه الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى متسائلا: إذا سمحت لى يا دكتور، حضرتك سميتها خصائص وكأنها طبيعة فى مصر وأنا ظنى أنها ليست خصائص وإنما مناخ وهذا المناخ هو الذى - كما ذكرت حضرتك - أنه البيئة الحاضنة وهى أساسا تعود إلى الدولة لأن الدولة هى التى تضع برامج التعليم وهى التى تراقب الأمن وهى التى تنظم السياسة وهى التى تمنع وهى التى تبيح إلى غير ذلك وهى التى تصادر الصحف.. إلخ ،هذا كله ألا يصنع هذه الخصائص الأربعة التى ذكرتها سيادتكم وفى هذه الحالة لا تكون المسألة معممة وكأن مصر بطبيعتها تضم هذه الخصائص منذ أن خلقت وإنما هذا نتيجة ما حدث بداية من52 ،صحيح ان له سوابق ومقدمات لكنه بدأ فعله بعد52 هذا ما أردت أن اقول.
يعود الدكتور قدرى حفنى مجيبا: لا اعتقد ان هناك خصائص مزروعة هكذا فى المصريين ابدا ابدا ،واذا كنا نتحدث عن الدولة ومسئوليتها انا أوافقك تماما ولكن دعنى أزيدك من الشعر بيتا: فى وزارة التعليم هناك مقرر اسمه الاحياء للصف الثالث الاعدادى يحتوى على درس التكاثر بين الكائنات الحية ..التكاثر فى النبات والتكاثر فى الحيوان وأعضاء التكاثر الخ ،ومنذ كانت وزارة التعليم حتى الآن حدث اتفاق صامت بين المدرسين والتلاميذ والوزارة وإدارة الامتحانات ان هذا الفصل لايدرس ولايأتى فى الامتحان ولا ذكر له فى الكتب، ولكنه هو موجود موجود ،ولكن الاساتذة والمدرسين يقولون إن هذا الفصل لن يأتى فى الامتحانات فأى تلميذ احمق سوف يدرسه ،ثم يضيفون ان المادة طويلة و هذا الفصل عليكم مذاكرته خارج المدرسة، وبالتالى هذا الفصل لا يأتى ذكره فى الامتحانات اطلاقا بتاتا فى المدارس الحكومية وانا هنا لا اتكلم عن الأزهر، فالمسألة اعمق من ذلك، ولذا أتساءل: ماذا سيحدث لو أن الدولة غيرت كل كتب التعليم؟ لا شيء سيحدث ! فكتب التعليم المدرسية ليست هى المرجع عند الطلاب و إنما الكتاب الخاص هو المرجع .
الأستاذ رجائى عطية المحامى والمفكر الإسلامي:
دعونا نقول ان الأزمة التى نعانى منها من الإرهاب عامة والعنف هى التى تدعونا الى كل المحاور دى علشان نشوف ونشخص ونعالج وبالتالى ينبغى ان يكون هذا حاضرا فى خطابنا فما نعانى منه اليوم ليس قاصرا على مصر لاسيما و أنه قد استشرى فى منطقتنا بأسرها ثم اطلق العنوان حكما ومقيدة منذ عام 52 من قال هذا لماذا تقيدنى الا ابحث فى تغيرات مجتمعه الا اذا كانت منذ 1952، و انا أختلف على أن التغيرات المجتمعية التى أدت غلى هذا مرتبطة بعام ،1952 لا فسوف اثبت انها منذ القرن الاول للهجرة هذه التغيرات وتراكمات بدأت حقيقية منذ القرن الأول للهجرة،ومن ثم فعلينا ان نبحث هل التطرف بمعنى الغلو فى الدين أم أنه بمعنى العنف والإرهاب؟ ذلك لأنه قد يقتصر التطرف على المغالاة فى الدين فقط، بمعنى التعصب و الجمود ، و لكن الحقيقة هى أن ما يشغلنا ليس التطرف فى الدين و إنما ما يشغلنا هو العنف بمعنى أن يتحول التطرف إلى عنف وإلى إرهاب،فهل ترى التطرف سببا أم نتيجة ولذا اذا اردنا تشخيص ما نحن فيه لابد إذن ان نخرج خارج جميع القيود ونعود الى أعماق التاريخ .
وفى هذا فسوف نجد أن البيئات التى أدت إلى ما نعانى منه عبارة عن تراكمات، أول تراكم البيت الهاشمى والبيت الأموى حقيقة التنافس بين البيت الهاشمى والبيت الأموى هو انعكاس على قضية الخلافة والصراع بعد أن قبض النبى عليه الصلاة والسلام وهذا متغير مهم جدا كان له ما بعده حتى وصلنا إلى الفتنة الكبرى التى اندلعت فى عهد عثمان ثم وصلنا إلى قصة الجمل وصفين وما إلى ذلك. كذلك هناك ظاهرة الشيعة وظاهرة الخوارج وظاهرة المشبهة ، و المرجئة والمعتزلة وظاهرة الشعوبية بعد أن أنتشرت الدولة الإسلامية .. ثم ظاهرة الخلافة.. وهذا داء كبير جدا لا يلفت اليه أحد، نحن الآن وسط الخطاب الدعوى التطرفى العنفى الإرهابى المطروح المطلوب هو الرجوع إلى الخلافة إلى الزمن الجميل فى حين أن النكبة الحقيقية التى حاقت بالمسلمين وبالإسلام وبالدولة وبالمنطقة كانت من الخلافة ومن أراد أن يقرأ فليقرأ كم خليفة مش بس عثمان قتل وقبل منه عمر قتل وبعد منه على قتل لا بل فى الدولة العباسية معظم الخلفاء تم قتلهم ومعظمهم قتل صبرا فالأب قتل ابنه والأخ قتل أخاه و،الابن قتل أباه كل ذلك كان تحت عنوان الخلافة، وفى وسط هذا المعترك ظهرت ظاهرة مهمة جدا وهى ظاهرة الشعوبية بمعنى ظاهرة استغلال الدين فى السياسة أو للمآرب والأغراض فصار الدين هو المستهدف فكان الهدف المسيطر لكل هؤلاء الفرقاء على مر العصور هو كيف أركب وكيف اطيح بمن ينافسنى؛ فظاهرة وضع الحديث منشأها هذا ؛ فكل فريق من الفرقاء فى كل ما لخصته فى بعض الفرق أو بعض الشعوبيات كان مأربهم وانتصار الذات ؛ وظاهرة وضع الحديث نحن لا نزال نعانى منها حتى الآن وهى تمثل متغيراً مهماًِ جدا على الساحة بدليل أنه حتى الكلام المثار أخيرا كمثل كلام اسلام البحيرى وغيره ، كله يدور حول قراءة السنة وما حدود قراءتها ، هذا الكلام حقل واسع جدا ليس فقط للتطرف وإنما لنمو العنف والإرهاب لأنه يتم الركوب على عقول وأفكار ناس بهذا، وما دمنا نبحث عن أسباب ظهور الإرهاب والعنف إلى هذا الحد ، وفى ذلك أذكر عندما كنا أطفالا ويأتى وقت ذبح الأضحية كنا نشيح بوجوهنا من هول المنظر ، أما الآن فنحن أمام بشر يقوم بذبح بشر ، فما الذى أوصلنا إلى هذا المنعطف الخطير ؟
دون الدخول فى تفاصيل، لدينا منذ زمن ما يمكن أن نسميه الانتهازية الحزبية، هذه الانتهازية كانت موجودة قبل عبدالناصر وهى من أهم أسباب حركة عبدالناصر، هذه الانتهازية عبارة عن استثمار جو خصب لتنمية التطرف القائم على غير قاعدة فأنا لو بقيت فى حدود قاعدة لست متطرفا حتى لو كنت مغاليا وأنما يأتى التطرف حينما تسيطر على فكرة تخرجنى عن الموضوعية فاتطرف ثم استخدام ما قاله الدكتور حفنى وهو اللجوء إلى العنف لفرض إرادتى هذه الانتهازية بتقلباتها المختلفة عبر العصور من الان الانتهازية السياسية، الأمر الثاني، هو تراجع العقل دون أن أتحدث عن الأنظمة أنا أستطيع أن المح فى تسلسل التغيرات المجتمعية عندنا أنه قد حدث إجمالا تراجع للعقل، الأمر الثالث أنه أصبحت عندنا القوة الغضبية والحنجرية هى السائدة فى الوقت الذى عندما نجد فيه واحدا من الأقباط يقول موعظة نجده يتحدث بصوت الهاديء الواثق ، بينما أرى شيوخنا بصوت جهورى والعروق تنبض والشحنة عالية فأنت طالما زعقت فأنت لا تعمل بكفاءة ، فالقوة الغضبية ركبت هى الاخرى مع تراجع العقل هذا يتم استغلاله لتنمية التطرف ثم العنف والارهاب ,وعندنا برغم الشعارات نحن عانينا ولازالنا نعانى وسوف نعانى لفترة لا يعلم مداها الا الله لأنها متوقفة على أرادة حقيقية لنا نعانى من ظاهرة التمييز ، فنحن نطرح المساواة وثورة 52 طرحت المساواة ولكنها لم تتخلى اطلاقا عن التمييز، التمييز بين العسكرى والمدنى كان ولا يزال ، التمييز بين الغنى والفقير كان ولا يزال ،وخير دليل ما قاله وزير العدل أخيرا عن ابن عامل النظافة الذى لا يصلح أن يكون قاضيا. فى الوقت الذى كان فيه الدكتور عبد الرازق السنهورى أعظم فقيه ليس فى مصر فقط بل فى الشرق الاوسط كله وأعظم قاض وأول رئيس لمجلس الدولة المصرى فى اربعينيات القرن الماضى كان موظفا بالكفاءة فى مكتبة حقوق القاهرة أبان كان اسمها مدرسة الحقوق السلطانية ثم مدرسة الحقوق الملكية؛ وكان زميله فى الكلية عم حافظ اللى احنا أتربينا على يده وكان سليمان مرقص معه فى الكلية ولم يمنع هذا السنهورى أن يكون أعظم فقيه فى دفعته سنة 1917 ولا يزال وأعظم قاض دون أن يسأل أحد عن عمل أبيه، فنحن الآن نقول أن ابن عامل النظافة لا ينفع أن يكون قاضيا أى أننا حتى الآن لم نخرج بتاتا من رقة التمييز هذا التمييز مرض كبير جدا لأن أنت لما تميز أحدا على فإنك بتربى بداخلى عناقيد الغضب ومعنى عناقيد الغضب وما دمت أنت منحازاً لنفسك فأنا أيضا سأنحاز لنفسى .وأنا توقفت عند ظاهرة خريج الحقوق الذى نفذ عملية انتحارية فى سيناء وكان متخرجا بتقدير جيد جدا وكان من الأوائل ، هذا الولد أبوه عامل زراعى بالأجرة فاراد ان يلتحق للعمل بالنيابة ولم يتم قبوله فاراد أن يعمل فى أى وظيفة أخرى فلم يجد وهذا معناه أنك أعطيته الأمل ثم تسحب الفرصة وهذه كارثة وهذا ما تغير المجتمعى .
فثورة 1952 أعطت الشعب المصرى الأمل والمساواة أى أنه لا وجود أى حواجز أى أن ابن الخفير مثل ابن الرئيس وهذا لم يتحقق ، فيجد أمثال هؤلاء من يلتقطهم من الإرهابيين بحجة مقاومة الظلم ويعشموه بالفردوس وحور العين .
هذا هو مايحدث هذه هى التغيرات المجتمعية الحقيقية االتى تحدث ولها أمثلة عديدة جدا، وحينما نتطرق إلى مسالة التراث ، فنجد شاعرنا أحمد عبد المعطى حجازى يهاجم التراث، وأنا أتفق معه على ضرورة عدم التجمد امام التراث، ولكننى اقتربت من الناس وكتبت عن قيم التراث وقلت للناس اتركوا الصور وأدخلوا على المغزى وانظروا إلى الصور البراقة فى التراث وأن العبرة بالقيمة المغزى وليس بالصورة ..ليس بالذقن الطويلة والجلباب القصير، ففى أربعينيات القرن الماضى نجد بحثا عظيما للشيخ عبد الوهاب خلاف عن السنة وأنه ليست كل السنة إلزامية وأن ليست كل السنة عامة وهذا الكلام من مائة سنة وهناك مايسمى بالسنة الظرفية المكانية او الوقتية.
ونحن لكى نصل للعلاج السليم فلابد من التشخيص بطريقة صحيحة وندرس المتغيرات المجتمعية ثم ننتقل بعد التشخيص الى سبل العلاج ومنها العامل الاقتصادى والعامل الثقافى لأن الثقافة ركن مهم جدا فالثقافة منحور منها فى مصر والمثقفون استدرجوا إلى حظيرة وزارة الثقافة وبدأ العراك على الكعكة واللقمة علما بان كل أضلاع التنوير لم يخرجوا من عبء وزارة الثقافة
الثقافة غائبة والتعليم كارثة هو الآخر فالهبوط بالتعليم من المتغيرات المجتمعية الخطيرة وكذا التراجع والنحر الثقافى والفراغ السياسى دون أن نتكلم عن نظام بعينه فقبل 1952 أنا كنت تلميذا فى مدرسة ثانوى وكان عندنا فى المدرسة حزب الوفد والاخوان والسعديون والدستوريون والحزب الوطنى القديم وكنا نجلس ونتقابل وأنا لازالت أذكر أنه فى عام 53 أو 54 فى فناء المدرسة فى شبين الكوم هناك طالب وفدى أسمه عنبر قتل زميل لنا أسمه صادق مرعى فى فناء المدرسة بخنجر والقاتل وفدى والقتيل إخوانى وهذه حادثة مشهورة.
كان الشارع مليئا وبالتالى لم يكن هناك الاخوان وبغض النظر أنا أرى أنهم ركبوا على هذا بطرق الانتهازية السياسية والتفرق بين الأحزاب فقاموا باستخدام الدين كوسيلة للتخاطب والتقرب من البسطاء، وفى ذلك لم أجد من بين المتحدثين من تكلم عن الدعوة الوهابية وآثارها فى مصر، أو السنوسية فى المغرب العربي، أو المهدية فى السودان، فجميعها متغيرات وآثارها متفاعلة . إذن، فالفراغ السياسى كان موجودا قبل 52 واستغله الاخوان من سنة 1928 ثم استخدموا أو استغلوا الفراغ السياسى بشكل مختلف بعد 52 لأنه تم حل الأحزاب ولم يعد هناك حزب سياسى ثم كل التنظيمات التى حولها عبد الناصر مع كامل محبتى وتقديرى الكامل له سواء هيئة تحرير أو اتحاد قومى أو الاتحاد الاشتراكى ثم المنابر وحزب الوسط وحزب اليمين وحزب اليسار ثم حزب مصر كل هذه التنظيمات هى تنظيمات السلطة وعلشان كدة لم تملأ فراغا، والاخوان بيتقدموا وهم يعلمون ما يريدونه مستغلين الدين لأغراض السياسة والميكافيللية السياسية.
الدكتورة سوسن فايد مستشار علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية:
المناخ الثقافى الذى نعيشه فى المجتمع المصرى ميال للاعتداء وما نحن فيه حاليا هو حالة استثنائية نتيجة تقصير للسياسات الاجتماعية راح يتراكم على طول السنوات؛ فالسياق الثقافى الذى تأتى مؤسسات الأسرة والمدرسة و المنظومة الإعلامية فى مقدمة المسئولين عنه غير قادرين على التعامل مع النشء بالشكل المطلوب والمتزن؛ فالطفل المصرى مظلوم فهناك تعنيف له من قبل الأسرة والمدرسة وكذلك محصور فى مشاهدة العنف فى الإعلام بشكل مستمر فإذا هو سياق ثقافى يعيشه الطفل المصرى والعنف دائما يأتى بعنف، فضلاعن القنوات الفضائية و التى تفتح لغير المختصين فى الفكر والدين ، وخلاصة تجاربنا التطبيقية أجمعت على أن الجهل والأمية الثقافية كان لهما دور كبير جدا فيما وصلنا إليه ؛ وأن الجماعة الدينية تحل محل الدولة فى مسئوليتها الاجتماعية وأثبات هوية أعضائها وذواتهم .
الدكتور عمرو صالح الخبير الاقتصادى وأستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس:
قبل أن نخوض فى تحليل الحالة المصرية و تأثير المتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية كبيئة حاضنة للتطرف، علينا أن نتفق على أربع نقاط ارتكاز لكى تقودنا إلى أرضية مشتركة فى فهم و تحليل وأيضا اقتراح فرص التحسين للحالة المصرية و ما بها من عوار فكرى يمثل تربة خصبة للتطرف:-
أولا-:الاعتماد فى النقد والتحليل على انه لا يوجد لأى مشكلة تواجه دولة من الدول محور أوحد أو وحيد يمكن أن يعتبر الحل و أصل المشكلة، بل علينا أن نتفهم ونتفق على انه لا يمكن أن يكون هناك سبب واحد أو حل أوحد للتطرف. فمدرسة التنمية الاقتصادية علمتنا أن التنمية الاقتصادية لا تعنى النمو الاقتصادي، وأنه يجب أن تكتمل التنمية الاقتصادية بالتنمية البشرية وتنمية البنية الاجتماعية و أخيراً تطوير مجتمع قائم على اقتصاد معرفى وإبداعي.
ثانيا-: إن العلاج والنتائج فى تاريخ الأمم، لا تكون سريعة. ونقتبس من مدرسة التنمية الاقتصادية، فكرة أنه كما أن التنمية لا تتحقق فى عام أو عامين، فإنه لن يكون هناك حل قصير الأجل لمشكلة التطرف، إن لم يكن متوسط الأجل. ولذلك، علينا – وكما فى فكرة التنمية الاقتصادية - أن نتجه بالعمل الأفقى فى كل القطاعات مع العمل الرأسى وبعمق، ومن خلال برنامج أو رؤية وطنية خالصة وواعية. فالإخلاص وحده لا يكفي، والموهبة فى الأداء والقدرة على العمل وحدها لا تشفع.
ثالثا-: إن الدولة المصرية فاقدة ومنذ فترة طويلة لفكرة "المشروع" . وعلينا أن نتفق أن أى نهضة هى مبنية على مشروع، قد يكون "مشروع هوية" أو . يقصد هنا بالمشروع، المشروع الوطني. فالحلم الأمريكى كان ومازال مشروع الولايات المتحدة، وفرنسا تبنت أيضا شعار "حرية مساواه وإخاء" وهو المشروع الذى حملته الثورة الفرنسية، فكانت مشروع ثورة، وثورة مشروع، ولم تكن ربيعا لم تشرق له شمس.
وتفسر كتابات "ماكس فيبر" المشروع الثقافى الأيديولوجى فى نجاح التجربة الاقتصادية للولايات المتحدة، وكتابات شومبيتر عن "هوية المغامر" و الرغبة فى الريادة كمشروع فكرى ثقافى لريادة الأعمال هى أحد المفاتيح الحاكمة فى تفسير نجاح الاقتصاد الأمريكي. وفى تجربة ألمانيا الاقتصادية و ما قيل عن "تفوق العرق السامي" كما فى اليابان والرجوع إلى "المبادئ الكونفوشية" كل ذلك يؤكد أن كل فكر تنموى لهو مبنى على "مشروع" ثقافى أو اجتماعي، وهو ما تحتاجه مصر. فحتى على مستوى الشركات والمؤسسات العملاقة، يبنى نجاحها على بناء مشروع مؤسسى له طابع وهوية، مثل فى شركة فورد وتجربة اليونانى "أوناسيس" والذى جاء من الفقر المدقع لينشئ مملكة البحار و أيضا تجربة سطوع السيدة "شانيل" المبنية على مشروع ثقافى فرنسى لريادة الموضة لتصبح من أقوى الشركات العالمية العاملة فى مجال الأزياء. أما تجربة شركة سامسونج الفريدة والتى امتزجت بمكونات الثقافة الكورية، فقد زرعت التجربة فى جبال "بوثان" حيث تعود البدايات الأولى للعملاق الكورى فى الأصل إلى زراعات الأرز البسيطة كمشروع زراعى ليتوسع الاستثمار والعمل لتصل إلى العالمية فتصبح من أقوى الشركات على مستوى العالم. هذا النموذج الاقتصادى بنى على مشروع وتجربة لرجل (مؤسس شركة سامسونج) أشبع فى عامليه (عكس الاغتراب الذى يصيب الفرد و يؤدى به إلى التطرف) الرغبة فى أن تصبح مجموعة سامسونج الأقوى فى العالم. هذا النموذج للعمل مبنى على فكرة أن تتحدى كوريا اليابان اقتصادياً بعد أن تحررت كوريا من الغزو اليابانى الذى مثل علامة سوداء فى الذاكرة اليابانية، فكانت سامسونج "مشروع" دولة. فلكل فكرة اقتصاديه أو لكل نموذج اقتصادى مضى علينا أو حتى آتي، لهو مبنى على مشروع، وأى تجربة نمو اقتصادى تكون مبنية على فكرة "المشروع" أو "الناقل" الثقافى أو الاجتماعي. فدائماً ما تكون التجربة الاقتصادية لها محرك ثقافى واجتماعى على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، ونكرر أن هذا ما ينقص الدولة المصرية.
رابعاً-: التهميش والاغتراب مدخلان رئيسيان لفهم ظاهرة التطرف. ومن المتعارف عليه أن التطرف قد يكون تعبيرا عن الرفض، أى رد فعل و ليس بالضرورة فعلا. وقد ينتج عن تهميش الأفراد أو إحساسهم بالاغتراب (كما شرح كارل ماركس فى أن ظاهرة اغتراب العمال عن العمل فى المصنع تؤدى إلى ضعف الإنتاجية، و لكنها قد تكون مدمرة للإنتاج حين يشعر العامل بأنه غريب فى مكان عمله). والتطرف كرد فعل على الاغتراب، قد يكون راجعاً لتهميش سياسي، اقتصادي، اجتماعي، أو ثقافي، قد يؤدى بدوره إلى العنف. أى أن التهميش و الاغتراب قد يؤديان إلى حالة رفض (رفض الواقع) تؤدى إلى حالة من التطرف قد تتطور إلى استخدام العنف بأنواعه.
وبالتالي، عمل عدد من الدول الأوروبية، والتى عانت من عنف بعض الجماعات الشبابية و المجموعات التنظيمية، و منها المانيا وفرنسا، و هما دولتان نموذجان فى تطبيق هذه السياسة بنجاح – حيث عملا فى التسعينات على عملية إدماج واندماج الطبقات والمجموعات ذات الأصول العرقية المختلفة والتى لديها شعور بالاغتراب داخل المجتمع الأوروبي، و دون أن يفقد خصائصه المرجعية، وفى إطار مجتمع تعددي.
وعليه، من المهم الاتفاق على المرجعيات صحة الفرضيات الأربع، والتى يمكن أن توفر فرص تحسين للحالة المصرية، ومدخلا لفهم المشكلة و طرح الحلول.
و هنا، و حتى يسهل فهم التطور التاريخى للمشكلة المصرية، سنقوم بتقسيم الفترة من العام 1952 و حتى العام 2011 إلى ثلاث مراحل رئيسية:
فى الفترة الأولى- فترة حكم الرئيس عبد الناصر: المدخل لفهم بدايات الاغتراب هو فى هذه الفترة هو المدخل السياسي. فقد تميزت تلك الفترة باحتكار للسلطة، و ما ترتب عليه من تهميش للمجموعات السياسية فى المجتمع المصري، و من هنا بدأت أولى فترات العنف السياسي، كرد فعل على الاستئثار بالسلطة و عدم وجود التعددية السياسية و الثقافية. حتى على النطاق الاقتصادي، فقد لجأت الدولة إلى التأميم، وهو ما يعنى إغلاق الباب على المبادرة الفردية الاقتصادية و ريادة الأعمال و الانفتاح فى النشاط الاقتصادي، و الذى هو غريزة إنسانية. و حتى لا يكون التحليل فى إطار جلد الذات، لابد أن نعترف بأن الدولة المصرية كانت فى مرمى نيران متواصل من دول معادية، و أنها كانت فى حالة حرب عسكرية مع إسرائيل ومعركة سياسية مع الولايات المتحدة و الغرب، وهو ما أملى ضرورة المركزية واتباع مبدأ السيطرة التحكم. و لكن الدولة الكورية فى الستينيات، والتى خرجت من الحرب، لجأت إلى الانفتاح الصناعى والإنتاجي، عن طريق القطاع الخاص و الاستثمارات المتنوعة، فى الوقت الذى كانت فيه الدولة المصرية تقوم بالتأميم، مما يعنى انكماش و تحييد المبادرة الفردية الاقتصادية، و رغبة الأفراد فى تحقيق الذات اقتصادياً، و ما يتبعه ذلك من كبت اقتصادي، الذى هو مدخل للتطرف و فى بعض الأحيان للعنف، كرد فعل رفضى لما هو موجود فى المجتمع.
فى الفترة الثانية – فترة حكم الرئيس السادات: المدخل لهذه الفترة اقتصادي، ففى فترة عرفت بالانفتاح الاقتصادي، تحقق انفتاح اقتصادى دون وجود مشروع واضح. لم يكن هناك مشروع اقتصادى للدولة ليكمل رؤية متكاملة، لربما لم يمهل القدر الرئيس السادات، ولكن أن تفتح الدولة أسواقها من الشرق إلى الغرب، ودون وجود رؤية. وقد استغل عدد من التنظيمات المتطرفة هذه الفترة لتوسع من نفوذها من خلال عدم وجود مظلة للدولة تراقب التوازن بين الجانب الاقتصادى و الاجتماعى أوإنشاء قوانين لمكافحة الفساد، و منع الاحتكار، و فتح الأسواق أمام صغار المستثمرين و مدعم الشباب و تشجيع التصدير. و بالتالي، الفساد الاقتصادى كان احد محاور نمو مزيد من الاعتراض من بعض الفئات المجتمعية، و ما تبعها من لجوء بعضهم إلى "رفض الواقع" (كما فى الحالة الفرنسية و فى الولايات المتحدة مع جماعات الافروامريكان). والدرس الذى نستوعبه أن غلق الأسواق وعدم تشجيع و دعم الأفراد إلى الدخول للسوق للاستثمار و العمل الحر - نتيجة الفساد، أو عدم تكافؤ الفرص – أو عدم توافر المعلومة أو نتيجة المحسوبية - كلها عوامل أدت فى معظمها إلى تحويل الفرد من عنصر منتج إلى عنصر رافض و منه ينبثق العنصر المتطرف.
فى الفترة الثالثة – فترة حكم الرئيس مبارك: تتميز تلك الفترة باختفاء المشروع الثقافى والهوية الوطنية المصرية، و هى أحد أهم مسببات الفشل الاقتصادى والاجتماعى و بالتبعية ما ترتب عليها من ضعف الاستدامة فى التنمية و ما أدى إلى مزيد الجهل والفقر و ترهل الآله الثقافية للدولة وقصور الخطاب الدينى و ضعف الإنتاج الثقافى وتدنى مستوى السينما والمسرح و تخبط الإعلام وعدم وجود مهنية فى أدائه، وتلك كانت أدوات عظيمة تمثل القوى الناعمة للدولة المصرية فى الخمسينيات والستينيات.
ونستكمل الندوة غدا بإذن الله