رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكايات من أوراق قديمة
وثيقة تدعو لتأجير القناطر الخيرية لمدة سنتين عام ١٨٩١

تقدمها : أمـــل الجيـــار
«ح نروح المكان اللي بيتفرع فيه النيل إلي فرعين .. ح نروح القناطر ..» ثم إستكمل الفنان محمود ياسين غناءه وهو يقول «وآدي القناطر يا حبايبي وآدي نهر النيل ولولاه ما كان زرع ح يطلع ولا كانت محاصيل» كانت هذه أغنيته الشهيرة عن القناطر في مسلسل غدا تتفتح الزهور

..والقناطر الخيرية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من بناء مصر الحديثة هي موضوع وثيقة هذا الأسبوع ، فالقناطر ليست مجرد بناء أو سد يحجز المياه ويتحكم في مرورها ويشيع الحياة والنماء والبهجة في كل قري مصر فقط ولكنه قصة نجاح عظيمة لا تقل أهمية عن بناء الأهرامات .ووثيقة هذا الأسبوع مكتوبة بالحبر الأسود وبطريقة منمقة وبلغة رسمية وباستخدام الأسلوب التركي في تفخيم وتعظيم الألقاب رغم أنها موجهة من رئيس مجلس النظار ( الوزراء ) مصطفي فهمي باشا الي ناظر الأشغال العمومية في حكومته بتاريخ ٢٩ يونية ١٨٩١ وتقول “ أشغال عمومية ناظري ( ناظر) سعادتلو (سعادة) أفندم حضرتلري (حضرتك) بالجلسة المنعقدة تحت رياسة الحضرة الفخيمة الخديوية في يوم الأربعاء ٢٤ يونية ١٨٩١ تليت المذكرة المقدمة للمجلس من من نظارة الأشغال العمومية بتاريخ أول يونية المرقوم بما رأته من موافقة إعطاء تحصيل عوايد المرور علي القناطر الخيرية بالالتزام لمن يقدم عن ذلك أرجح عطا ( عطاء ) وذلك نظراً للأسباب التي تبينتها ، ووضع تعريفة عن العوايد التي يصرح للملتزم بتحصيلها ، وما تطلبه النظارة المشار اليها من التصريح لها بطرح هذا الالتزام بالمزاد ، وقد صار الاطلاع علي المكاتبة الواردة الي رياسة مجلس النظار في هذا الخصوص ثم صارت المداولة في ذلك وتقرر أن يُعطي التزام عوايد المرور المذكورة لمدة سنتين فقط علي سبيل التجربة وأن يراعي في قونتراتو (العقد) الالتزام الذي يعمل عن ذلك ما يلزم مراعاته من الأحكام المدونة في قونتراتو التزام المعادي المرفقة نسخة منه بهذا مع الاشتراط علي الملتزم بتحصيل أجر النقدية حسب التعريفة الحالية وأخذ التحوطات ( الاحتياطات) من حيث نشر التعريفة وملاحظة تنفيذها حتي لا يجري تحصيل أجر زيادة عن الأجر المقرر، وبناء عليه قد كتب لنظارة المالية بما لزم عن ذلك وإقتضي تحريره لسعادتكم “ .

 

ومن هذه الوثيقة نتبين أن نظارة الأشغال العمومية في عهد الخديو توفيق أرسلت تطلب موافقة مجلس الوزراء برئاسة مصطفي فهمي باشا أبو صفية زغلول علي إعطاء تحصيل أجرة المرور علي القناطر الخيرية لشخص أو مجموعة تحت مسمي الالتزام ، أي أن يكون ملتزماً أمام الحكومة ويقوم هو بتحصيل العوايد من المرور علي القناطر الخيرية سواء من أشخاص أو سفن أو بضائع ( أي خصخصة ) القناطر ووضع مرورها تحت رعاية شركة خاصة ( الملتزم ) ، فاجتمعت الحكومة ووافقت علي الطلب علي أن يتم من خلال إجراء مزاد علني تُراعي فيه الشفافية التامة ويتم فيه الموافقة علي أعلي عطاء وأن يكون مدة التأجير لسنتين فقط علي سبيل التجربة، ويكون علي الملتزم نشر أجرة المرور وفئاتها بطريقة واضحة ومعلنة وأن يتعهد بتحصيل المبالغ المتفق عليها مع الحكومة بلا زيادة وفي نفس الوقت تقوم الحكومة بمراقبة تنفيذ هذا الاتفاق علي غرار المعمول به في قونتراتو التزام المعادي ( نفس الالتزام ولمن في مكان آخر ) .

 

وقصة بناء القناطر الخيرية ترويها الأستاذة الصحفية بهية حلاوة فتقول أن هذا المشروع الضخم هو أحد المشروعات التي أمر بتنفيذها محمد على باشا عام 1833، الا أن التنفيذ الفعلي بدأ بعدها بعشر سنوات فى 12 مايو 1843، وعهد بالعمل في المشروع الى مجموعة من المهندسين الفرنسيين والانجليز والمصريين كان علي رأسهم المهندس الفرنسى «لينان دى بلفون بك » الذي استدعاه الباشا من فرنسا لتنفيذ هذا العمل الضخم، وكان المرتب الذى يتقاضاه لينان بك فى بداية عمله فى مصر كما ذكرت الوثائق على النحو التالى (من الجناب العالى إلى (باقى بك ) بتاريخ 26 ذى الحجة 1249 هـ - 1833 م – دفتر 49 معية تركى – وثيقة 635 بضم مبلغ خمسة «كيس» نقديا الى مرتب الخواجة لينان المهندس وابلاغه الى عشرة «كيس» نقديا وقيده فى دفاتر الخزينة على هذا الوجه)، وقد قام الباشا بوضع حجر الأساس عام 1847 بعد 43 عاما من حكمه وتقرر أن يكون اسمها القناطر المجيدية … واحتفاء بهذه المناسبة تمت صناعة ميدالية ذهبية مكتوبة باللغة التركية . وقد مر انشاء القناطر الخيرية بعدة مراحل وكان الغرض منها رفع مستوى النيل وراءها . وقد بدأ لينان بك بتجهيز 1200 عامل ومهد لهم سبل الاعاشة من عمال مصريين وأجانب ، وأنشأ خط سكة حديد لنقل محاجر طرة حتى نهر النيل وقام برسم الخرائط لتكملة هذا العمل الذى بلغت تكاليفه 1.880.000 جنيه ولكن جزءاً تصدع وانهار وظهر خلل فى بعض عيون القناطر بسبب ضغط المياه. فرأى محمد على أن القناطر أوشكت على أن تتخرب بعدما أنفق عليها أموالا طائلة ، وحدثته نفسه يوما «لتشهيل» بنائها بهدم الأهرام واستخدام حجارتها الضخمة لتكملة البناء ، بل وأصدر أمرا بذلك الى المهندس لينان بك وصمم عليه إلا أن لينان أقنعه بالأرقام بأن ثمن المتر المكعب من الحجر الذى يستخرج من هدم تلك الآثار الفرعونية يكلف عشرة قروش ونصفا ، بينما لا يكلف المتر المكعب المستخرج من المحاجر أكثر من ثمانية قروش و«خمسة وسبعين» فضة (وهى جزء من القرش) ، فى هذه المرحلة الحرجة توفى محمد على باشا فى عام 1848 قبل أن يكتمل المشروع وعندما آل الحكم إلى عباس حلمى الأول ( 1848-1853 ) أخذ المهندس الفرنسى موجيل بك يلح عليه بإنجاز هذا المشروع الضخم لكيلا تضيع ثمرة الأموال الطائلة التى انفقت عليه ، ولكن الخديو عباس ايضا كان يقول وهو يشير الى الأهرام ( انى لا أدرى ما الفائدة من وجود تلك الجبال من الصخور المرصوصة فوق بعضها ، فاذهب واهدمها واستخدم حجارتها فى إتمام عمل القناطر ) . فخشى المهندس موجيل بك من تنفيذ هذا الأمر حتى لا ينعت على مر العصور بأنه ( هادم الأهرام ) . واضطر «عباس» الى اعادة المهندس لينان بك للعمل وعرض تقرير تفصيلى بالنفقات اللازمة لإتمام المشروع الذى يكفل الاستغناء عن 25.000 ساقية وشادوف ورى أربعة ملايين من الأفدنة . وبالفعل تمت الموافقة واستكمل الإنجاز المبهر حتى عام 1878 . وفى عهد الخديو إسماعيل تمت تقوية القناطر الخيرية عام 1888 وظلت التجديدات تتوالى عليها حتى أصبحت القناطر القديمة وقلعتها معلما هاما من المعالم الأثرية الباقية . وظلت القناطر الخيرية تعمل حتى نهاية عام 1939 ، وبلغت تكاليف إنشائها وقتئذ 3.500 مليون جنيه حتى تم انشاء قناطر محمد على ( قناطر الدلتا الجديدة ) خلف القناطر القديمة التى اصبح استخدامها مقصورا على أغراض المرور باعتبارها من أعظم الآثار الهندسية لمصر الحديثة والتى كانت محط الاعجاب وموضع الفخار الأبدى. ومن هنا يتأكد لنا أن الحكومة في مصر «زمان» كانت توافق علي خصخصة بعض المشروعات لفترات محددة وكذا كانت تعمل علي إدماج القطاع الخاص في المشروعات الكبيرة علي أن تقوم بمراقبته بينما تتفرغ هي لمزيد من العمل والبناء و«الله علي مصر زمان» .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق