رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

البحث عن «بن جوريون» جديد

أكـرم ألـفي
بن جوريون
67 عاماً مرت على وقوف زعيم عصابة "الهاجاناه" ديفيد بن جوريون فى 14 مايو 1948 أمام الميكرفون لإعلان ميلاد دولة إسرائيل..

 وقتها شكك الكثيرون فى قدرة الدولة الصهيونية الوليدة على البقاء وسط عواصف المنطقة العربية ولكن من سخريات التاريخ أن إسرائيل تحتفل اليوم بذكرى تشريد وقتل الفلسطينيين وهى من ضمن الدول أكثر استقراراً فى المنطقة فيما يعيش الجيران العرب فى أزمات وحروب لا نهاية لها.

"نحن نؤمن بقوتنا.. قوتنا فقط قادرة على فرض الأمر الواقع"، هكذا تحدث بن جوريون خلال حرب فلسطين حيث كانت العصابات الصهيونية هى الأكثر تسليحاً والأكثر عدداً وعتاداً من الجيوش العربية مجتمعة. فقد أدرك بن جوريون مبكراً أن منطق القوة هو الوحيد القادر على فرض الأمر الواقع على العرب ونجح عبر استخدام آلة ابتزاز "الهولوكوست" الرهيبة فى حشد الدعم الدولى للدولة الوليدة.

فى 1948 كانت العصابات الصهيونية لا تسيطر سوى على أقل من نصف أراضى فلسطين التاريخية والعالم مازال يستيقظ من كابوس الحرب العالمية الثانية والدول العربية تبحث عن قيادة جديدة وتسعى للاستقلال عن الاستعمار الإنجليزى والفرنسي. ومع نشوب حرب فلسطين وهزيمة الجيوش العربية الضعيفة عدداً وعتاداً (بعيداً عن أوهام الأسلحة الفاسدة)، صنعت إسرائيل واقعاً جديداً هو واقع القوة والذى واصلت فرضه فى 1956 و1967 قبل أن تكبح حرب 1973 جماح الحروب الكبرى للدولة الصهيونية. فقد قامت كافة الحروب الإسرائيلية على منطق بن جوريون: "الحرب تعطينا الأرض.. فمفهوم أرضنا وأرضهم هى مفاهيم السلام فقط والتى تسقط فى وقت الحرب".

ولدت إسرائيل على يد "عصابات" بن جوريون ومناحم بيجن متسلحة بمنطق الأخذ بالقوة وبعد 67 عاماً أصبحت الدولة العبرية تسيطر على أكثر من 90% من أرض فلسطين التاريخية والجولان السورية. ويبدو أن "مهزلة" التاريخ مستمرة، حيث إن الدولة الصهيونية تعيش اليوم "شهر عسل" تاريخى بوصول صراعاتها المسلحة إلى النقطة "صفر". وهو ما يدفع كتاب إسرائيليين للتحذير من خطورة التراخى والارتكان على الهدوء الراهن، فجميع "الأعداء" و"الجيران" مشغولون بأزماتهم، فـ"حزب الله" يحارب فى سوريا مع جيش الأسد ضد الميليشيات. وسوريا تستيقظ يومياً لتحصى قتلاها. و"حماس" تبحث عن حل لأزماتها المتكررة وتوقف "شريان" الأنفاق فى سيناء. وكما يقول البعض فى أمريكا وسط دوامات العنف فى الشرق الأوسط فإن إسرائيل تظهر على الخريطة كواحة هدوء.

هذا الوضع الذى صنعه العرب بأيديهم تستغله إسرائيل اليوم فى البحث عن تعزيز قواتها العسكرية وكسب "حرب الزمن" فى معركة السلام مع الفلسطينيين ولكن فى المقابل تصدمها أزماتها الداخلية من انفجار غضب اليهود الإثيوبيين من العنصرية ضدهم وفقدان الإسرائيليين الثقة فى النظام السياسى ومعضلات تشكيل الحكومة الجديدة التى تهدد بانتخابات مبكرة جديدة.

فى هذه اللحظة التاريخية، يرى البعض فى الدولة العبرية أن إسرائيل فى حاجة إلى بن جوريون جديد، فبن جوريون كان يعرف جيداً انتهاز الفرص واليوم هو وقت حصاد الفرص فى منطقة تعيش دولها لحظات ضعف تاريخية غير مسبوقة منذ تأسيس الدولة الصهيونية. منطق بن جوريون الجديد ليس فقط استخدم القوة بل منطق المبادرة وانتهاز الفرص أيضاً كما فعل لحظة انتهاء الانتداب البريطانى بإعلان الدولة.

فإسرائيل اليوم لا تواجه تهديداً مباشراً وبالتالى فعليها - بحسب الباحثين الإسرائيليين- أن تستعيد "روح" بن جوريون وتستغل اللحظة لتعزيز نفوذها فى المنطقة وفى العالم وانتهاز الفرص التى يقذفها العرب يومياً على طريقها وتؤسس لعلاقات على أسس جديدة مع دول المنطقة والعواصم المؤثرة فى الخريطة العالمية قبل أن تنتهى عاجلاً أو آجلاً أزمات العرب وبدء جولة "حروب" جديدة.

ربما لن ينجح الإسرائيليون فى استعادة "شبح" بن جوريون وربما تعمق حكومة نيتانياهو "المغرور" الأزمات الداخلية.. ولكن فى المقابل فإن معطيات الواقع تقول -للأسف - إن الفشل الإسرائيلى سيكون ثمنه أقل بكثير من ثمن الفشل العربى الذى يدفع بدول وشعوب المنطقة من صراع إلى آخر بلا نهاية قريبة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق