لن ننسى أمس، ولا الغد، والغد يبدأ الآن، من الإصرار على مواصلة السير على هذا الطريق.. طريق الحرية، طريق المقاومة حتى التقاء التوءمين الخالدين: الحرية والسلام...هكذا يعبر الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش عن حال وطنه الذي عاش طوال تاريخه محاربا الاستعمار من الصليبي إلى الانجليزي وأخيرا الصهيوني ومع ذلك لم يفقد الأمل لحظة فى أنه سينجح فى استرداد أرضه والعيش بكرامة داخل وطنه مهما طال الزمن. وكما نجح صلاح الدين الأيوبي قبل ذلك في حماية هذا الوطن بقوة الإيمان سيحقق هذا الشعب النصر يوما ما.
في السطور التالية نسترجع ذكرى النكبة التي تحل اليوم
عن بداية الحركة الصهيونية وفكرة الوطن الموعود وأرض الآباء والأجداد نشأتها ودوافعها وعوامل نجاحها الداخلية والخارجية على المستويين الإقليمى والدولى يشير د. جمال شقرة أستاذ التاريخ ومدير مركز البحوث بجامعة عين شمس إلى أنه من المعروف أن الصهيونية حركة سياسية يهودية ظهرت فى وسط شرق أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر وهى كلمة كنعانية الأصل أطلقت على الجبل الشرقى بمدينة القدس. وقام رموز هذه الحركة بتزوير التاريخ حيث ادعوا بأن فلسطين أرض الآباء والأجداد والوطن الموعود. وكانت الحركة قد دعت إلى عدم اندماج اليهود فى المجتمعات الأوروبية. وارتبطت الحركة باليهودى من أصل نمساوى (هيرتزل).
أول من استخدم مصطلح الصهيونية الفيلسوف اليهودى النمساوى (ناسان بيرمباون)، وكان اليهود يفكرون فى إقامة الدولة فى أى مكان رغم أسطورة الآباء والأجداد، ولذلك وجدنا بعضهم يدعو إلى تأسيس الوطن القومى لليهود فى الأرجنتين كما طرح هرتزل بعد فشله فى الحصول على مساعدة السلطان عبد الحميد، وفشله فى شراء أرض فلسطين من الدولة العثمانية وأن يقام هذا الوطن فى كينيا. لكن سرعان ما تم التركيز على فلسطين حيث التقت أهداف ومصالح الحركة الاستعمارية خاصة الاستعمار البريطانى مع الحركة الصهيونية وحيكت المؤامرة على فلسطين العربية. فتم تدفق الهجرات اليهودية إلى فلسطين بأعداد صغيرة فى البداية ثم بعد ذلك بدأت تتزايد تحت سمع وبصر دولة الانتداب البريطاني.
وتم تأسيس الصندوق القومى اليهودى وسرعان ما انهمرت المساعدات على اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين ونجحوا فى شراء بعض الاراضى الفلسطينية من الفلسطينيين. وبدأت عمليات الإزاحة والضغط على سكان الأرض الحقيقيين.
ولابد من الإشارة إلى الدول العربية لم تكن تدرك أو تقدر خطورة الحركة الصهيونية على فلسطين، وذلك لان الدول العربية كانت تقع فى هذا الوقت فى قبضة الاحتلال البريطانى أو الفرنسى فحالت بينها وبين تفهم ما يدور على أرض فلسطين.
ولقد جانب الصواب النخب العربية بما فيها النخبة المصرية المثقفة فى الحكم على الأهداف الحقيقية للمؤامرة الصهيونية على فلسطين. ورغم اندلاع الانتفاضات والتظاهرات واشتعال الوضع داخل فلسطين وتبلور الحركة الوطنية الفلسطينية ضد اليهود، إلا أن الدول العربية كانت مهمومة بمشاكلها، إلى أن جاء اليوم الحزين وتم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل الأمر الذى أدى إلى انفجار حرب 48حيث دخلت الدول العربية هذه الحرب رغم تباين أهدافها وانتهى الأمر بما عرف تاريخيا بالنكبة.
تقرير قائد القوات المصرية
ومنذ أن وقعت هزيمة 48 والجدل لا يزال مستمرا حول أسباب نكبة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية وحول الأخطاء التى ارتكبها الملوك والحكام والساسة العرب من ناحية، وقادة الجيوش العربية من ناحية أخري. واللافت للنظر أن التقرير العام لقائد القوات المصرية بفلسطين والذى سجل فيه قبيل انتهاء العمليات العسكرية آراء رؤساء أركان حرب الجيوش العربية حول أسباب تدهور الموقف فى فلسطين لم يبتعد كثيرا عن حقيقة ما جرى بعد إعلان قيام الدولة اليهودية يوم15 من شهر مايو عام 1948 ودخول القوات العربية لإنقاذ فلسطين من براثن اليهود.
ولعل أهم ما ورد فى التقرير ما جاء تحت عنوان "ما يجب على الحكومات العربية ان تقوم به" فبعد وصف الموقف العسكرى بأنه على جانب كبير من الخطورة، أشار التقرير إلى أن معالجة الآمر وتجنب الهزيمة يتطلب أن تقوم الدول العربية باتخاذ الإجراءات التالية:-
أولا: توفير ما تحتاجه الجيوش العربية من أسلحة وذخائر ومهمات وطائرات وقوات بحرية، والتغلب على جميع الصعوبات والعراقيل التى تحول دون ذلك.
ثانيا: تسخير كل ما فى البلاد العربية من موارد، واستخدام جميع الإمكانيات لأغراض الحرب ولو أدى ذلك إلى إعلان التعبئة العامة.
ثالثا: ترك حرية العمل للعسكريين وجعل الاعتبارات العسكرية فوق جميع الاعتبارات، وحصر كل جهود الحكومات العربية ومساعيها فى تأمين احتياجات جيوشها وتلبية مطالبها.
رابعا: يجب على السياسيين قبل اتخاذ أى قرار عسكرى إحاطة العسكريين فى جميع الأوقات بالوقف السياسي.
اسباب فشل الجيوش العربية
وتم إعلان هذه الإجراءات فى مؤتمر رؤساء أركان حرب القوات العربية قبل انتهاء الحرب، وتضمنت توصيات المؤتمر أسباب تدهور الجيوش العربية وتراجعها أمام العصابات الصهيونية إلى ما يلي:
• فشل العرب فى الاتفاق على قيادة موحدة لجيوشهم، مع عدم تحقيق أى نوع من التعاون المتبادل بين الجيوش العربية الشقيقة.
• ضعف استعداد الجيوش العربية لخوض غمار حرب نظامية
• انخفاض مستوى تدريب الجيوش العربية
• عدم وفرة الأسلحة والذخائر
• إهمال حشد القدر الكافى من الطاقات والموارد العربية مما يتناسب مع ما حشده العدو
• إهدار فرصة الهدنة والتى فرضت على المتحاربين لعلاج الموقف فى مسرح العمليات وتصحيح الأخطاء على نحو ما فعله العدو.
وقبيل انقشاع دخان وغيوم المعارك وشيوع أخبار ما جرى للجيوش العربية على أرض فلسطين، بدأ شهود العيان والمراقبون العرب والأجانب يتحدثون عن الهزيمة التى حلت بالعرب. ويكاد يتفق الجميع على أن استهانة العرب بعدوهم وعدم إدراك أهدافه الحقيقية ونقص المعلومات عنه من ناحية، وعدم وضوح أهداف الجيوش العربية من دخول الحرب وبالتالى اضطراب الخطط والافتقار إلى التنسيق والتعاون فيما بينهم، وعدم الإعداد الجيد للجيوش كان وراء انهيار الجيوش العربية.
يضاف إلى ذلك الصراع والتنافس السياسى بين الحكام العرب وسيطرة الشك وعدم الثقة على تصرفاتهم وبالتالى تدخل القرارات السياسية بهدف توجيه الحرب دون معرفة بما يدور على الأرض من معارك. هذا بالإضافة إلى أخطاء بعض القيادات العسكرية قبل الهدنة وبعدها مع تأييد الغرب للعصابات الصهيونية.
الاستهانة بالخطر اليهودي
والمتتبع لتصريحات الملوك والحكام ورجال السياسة العرب قبل اندلاع حرب 48 يدرك على الفور كيف استهانوا بالخطر الصهيونى الذى كان يجتاح فلسطين ويهدر هويتها العربية. حيث كان الأمير عبد الله ملك الأردن يردد بأن الجيش الأردنى سيحتل القدس خلال 48ساعة من اندلاع الحرب ثم ينطلق ليحرر رأس الأفعى تل أبيب. وبنفس روح الاستهانة وعدم تقدير قوة وخطر وخطط العصابات الصهيونية وحقيقة أهدافها صرح مندوب العراق فى مؤتمر عاليا عام1947 بأن الجيش العراقى سيحتل جبال الكرمل فور اندلاع القتال وأنه سيخلص فلسطين من اليهود. وفى نفس المؤتمر صرح محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر بان الحرب فى فلسطين ستكون مجرد حرب سياسية وتظاهرة عسكرية. وحسب ما ذكره أيضا فإن مصر، وأن كانت قد وافقت على الاشتراك فى هذه المظاهرة العسكرية، فإنها غير مستعدة للمضى أكثر من ذلك.
ومن ناحية أخرى روجت بعض الصحف العربية بأن اليهودى جبان وليس له عقيدة قتالية. وعلى الطرف الأخر كان العدو يعرف جيدا ماذا يريد وأستعد على كافة المستويات والأصعدة لتحقيق أهدافه لدرجة أنه بدأ مبكرا فى استخدام العلم( الكيمياء والفيزياء ) فى التصنيع الحربي، ودخلت الأسلحة والتى كان يتم تصنيعها فى المنازل(فى بئر السلم) وتحت مرأى ومسمع من دولة الانتداب البريطاني.
[email protected]