إلا أن القدر لم يمهلها الوقت الكافي لتحقيق المزيد من النجاحات، حيث قتلت فرخندة ظلما بطريقة وحشية، وذلك فى أثناء محاولاتها منع الجهل عمن حولها، فكانت كلمة الشكر التى تلقتها هي اتهامها زورا بأنها أهانت المصحف وقامت بتمزيقه، لتجد حولها حشودا من الرجال ينهالون عليها ضربا، حتى فاضت روحها البريئة.
وقد بدأت قصة فرخندة حينما قادها القدر ذات يوم هي وأسرتها للذهاب لأحد المساجد الشهيرة في أفغانستان وهو مسجد "شاه دو شامشيرا" الملحق به ضريح لصاحب المسجد، حيث يقف أمامه باعة كثيرون يطلق عليهم "حماة الضريح"، يبيعون أشياء شبيهة بالأحجبة والتمائم التى تجلب الحظ وتمنع التعاسة وتساعد في حل المشاكل الأسرية وغيرها من المشاكل التى يصدق البسطاء فى امكان حلها من خلال هذه التمائم. وقد لاحظت الفتاة وجود العديد من النساء الفقيرات فقررت مساعدتهن، وعادت بعد أسبوع تحمل لهن ملابس شتوية ثقيلة، وهنا ارتكبت الخطأ القاتل، عندما توجهت لأحد بائعي الأحجبة والتمائم، لتطلب منه عدم بيع هذه الأشياء وعدم الترويج للخرافات، إلا أن البائع لم يستجب لها بل أراد التخلص منها، فوجه لها اتهاما بصوت مرتفع، بأنها تهاجم الإسلام، وأنها مزقت القرآن بل واستدعى البائعين حوله، لتتعرض فرخندة للضرب المبرح وبعد مقتلها قاموا بحرق جثتها. وبالرغم من تجمهر العشرات حولها فإنهم لم يحاولوا الدفاع عنها أو علي الأقل معرفة حقيقة الأمر، بل اكتفوا بتصوير المشهد المؤلم، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي ليؤجج مشاعر الغضب في أفغانستان وحول العالم.
وبعدما أصبح قتل فرخندة حديث وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خاصة بعد نشر الفيديو الخاص بلحظات مقتلها، نظمت عدد من الناشطات السياسات والحقوقيات مظاهرات في العاصمة الأفغانية كابول ومدن مجاورة، وقمن للمرة الأولى في تاريخ أفغانستان بخرق العادات والتقاليد الصارمة حيث خرجن ليعلن رفضهن لما حدث لفرخندة، وهن يحملن نعشا يرمز لها، وقامت بعضهن بتلطيخ وجوههن بالدماء رمزا للمعاناة التى لاقتها الفتاة البريئة خلال لحظاتها الأخيرة. كما خرجت بعضهن وهن يحملن صور فرخندة ولافتات تطالب بالعدالة لها، كما طالبن السلطات الحالية بالبحث عن مرتكبي الحادث لينالوا أشد عقاب، وليحذرن الشرطة من إهمال القضية، بعد أن انتقدت أسرة فرخندة مؤخرا الأسلوب اللين الذي تعاملت به الشرطة منذ بداية القضية، حيث كانت عناصر شرطية موجودة في الموقع فى أثناء الحادث، ولم تتدخل الا متأخرا ولم تستطع الا تفريق الجماهير لمنع التزاحم والالتحام، ولكنهم لم يستطيعوا منع الحادث، في حين أن ذلك المسجد الذي شهد الحادث يبعد خطوات عن القصر الرئاسي أي من المفترض أن يوجد حوله عدد لا بأس من عناصر الحماية ،كان بإمكانهم التدخل ومنع الحادث.
بل ان الشرطة بدلا من ملاحقة مرتكبي الجريمة سريعا، كان كل ما قامت به في البداية هو إخبار أسرة الفتاة بأن ابنتهم قد قتلت، وأن عليهم الرحيل من مسكنهم حفاظا على حياتهم وحياة أطفالهم ولضمان عدم تعرضهم لأي أذى . ولكن العائلة رفضت انتظارا لتحقيق العدالة.
ونظرا لمأساوية الحادث فقد أمر الرئيس الأفغاني أشرف غاني بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الأمر، وبعد مرور 9 أيام على عملها، أصدرت قراراتها بفصل عدد من العناصر الشرطية التى وجدت بمكان الحادث بعد اتهامهم بالتقاعس والتباطؤ فى في إصدار أمر بالقبض علي مرتكبي الحادث، الأمر الذي منح فرصة لعدد كبير منهم للفرار بعيدا عن أعين الحكومة، وهو ما جعلها ترصد اليوم جائزة بقيمة 1700 دولار لهذا الغرض.
ويرى العديد من السياسيين أن الجريمة الشنعاء التى حدثت للفتاة فرخندة، هي واحدة من أسوأ الجرائم التى شهدها تاريخ أفغانستان، وأن تلك الفتاة البريئة كانت احدى ضحايا الجهل المنتشر في ذلك المجتمع، و يرون أن الحادث لن يمر مرور الكرام بل سيكون بمنزلة نقطة تحول مهمة في تاريخ البلاد، وهو ما يبدو من التشريعات القانونية التى تقدمت بها العديد من عضوات البرلمان لإصدار العديد من القوانين التى من شأنها منح المرأة المزيد من الحقوق وحمايتها، ويأتي على رأس الداعمين لتلك القوانين والتشريعات السيدة رولا غاني زوجة الرئيس الأفغاني الحالي.