رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

إنتخابات بريطانيا..أعرق برلمان فى العالم غير ديموقراطى!

لندن ـ منال لطفى
انتخابات بريطانيا
فى منطقة "كينجستون" جنوب غرب لندن، يقف الكثير من المتطوعين أمام المحال والأسواق المزدحمة يوزعون لافتات تعريف بالمرشحين فى الانتخابات البرلمانية المقررة الخميس المقبل.

السكان، والذين ينتمون إلى خلفيات عرقية متعددة كما هو حال الكثير من مناطق الطبقة الوسطى فى لندن، يأخذون اللافتات الانتخابية ويدسونها فى جيوبهم دون الكثير من الاهتمام. البعض لا ينظر حتى فى أوراق الدعاية، والبعض لن يصوت، وإذا صوت فهو لا يعرف حتى اليوم لمن سيصوت. تقول سيدة فى الاربعين من عمرها لـ"الأهرام" :"فى الانتخابات الماضية أعطيت صوتى للأحرار الديمقراطيين بسبب برنامجهم الانتخابى الذى كنت اتفق مع أغلبه. لكن فى النهاية شكلوا حكومة مع المحافظين، واضطروا إلى تقديم تنازلات وفشلوا فى تنفيذ الكثير مما وعدوا به. الانتخابات الآن على الأبواب ولا أعرف حتى اليوم لمن سأصوت. فأنا لا أريد التصويت للعمال أو المحافظين. لكن إذا أعطيت صوتى للأحرار الديمقراطيين أو الخضر مرة أخرى، فلن تكون له أية قيمة. النظام الانتخابى يجبرنى عمليا على الاختيار بين حزبين لا أريدهما فى الحكم".

لا تعبر هذه السيدة عن حالها فقط، فهناك حالة قلق وتململ بين الكثير من الناخبين البريطانيين تظهر فى ضعف الإقبال على التصويت عاما بعد آخر. فقوانين وقواعد الانتخابات ونظام التصويت "وضعت لدولة لم تعد موجودة" كما يقول سيمون هيكس استاذ اوروبا والسياسات المقارنة فى "مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية". هذه القواعد وضعت لبريطانيا خلال الاربعينات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. لكن بريطانيا هذه اختفت. فالبلد لم تعد مقسمة لطبقتين أغنياء وفقراء فقط. ولم يعد هناك حزبان كبيران فقط يعبران عن هاتين الطبقتين حصريا.

بريطانيا الموجودة اليوم دولة مختلفة تماما، فهى متنوعة الأطياف السياسية والايديولوجية والثقافية. متعددة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. وباتت ساحتها مليئة بأحزاب جديدة لها قواعد جماهيرية.

ومن قلب هذه التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، تأتى خصوصية واستثنائية هذه الانتخابات. فلأول مرة تكون فى بريطانيا 5 أو 6 أحزاب تشير استطلاعات الرأى إلى حصولها على أكثر من 5% من الأصوات الشعبية. وهذا يعنى أنه بات من الصعب على الحزبين الكبيرين "العمال" و"المحافظين" حصد أغلبية الأصوات فى أية انتخابات. وفى الحقيقة أن أيا من الحزبين لم يحكم منفردا بأغلبية 50% زائد واحد منذ السبعينيات. فالمحافظون حكموا بريطانيا خلال فترة مارجريت تاتشر بـ40% من الاصوات الشعبية، بينما 60% من الشعب كانت ضدهم وكانت أصواتهم تذهب إلى العمال أو الأحرار الديمقراطيين. و"العمال" حكموا بريطانيا فى 2005 بـ36% من الأصوات فقط، بينما 64% صوتت ضدهم. وفى 2001 حكم "العمال" بـ40% من الأصوات فقط. أما فى 2010 فحكم "المحافظون" و"الأحرار الديمقراطيون" بـ54% من الأصوات وهذه سابقة نادرة منذ عقود حدثت بسبب أنها حكومة ائتلافية.

هذا يعنى أن غالبية الحكومات التى حكمت بريطانيا طوال العقود الاربعة الماضية، عارضها مواطنون أكثر بكثير ممن صوتوا لها. والسبب فى هذا "العجز الديمقراطي" يعود إلى نظام الانتخابات، سواء من حيث نظام التصويت أو طريقة تقسيم الدوائر. فالنظام فى شكله الخارجى ديمقراطى وبسيط. فبريطانيا مقسمة إلى 650 دائرة. كل حزب يطرح مرشح لكل دائرة. وكل ناخب من حقه انتخاب نائب واحد عن دائرته، والمرشح الفائز هو الذى ينال أكثرية الأصوات من بين المرشحين. لكن هذا النظام كان صالحا عندما كان فى بريطانيا حزبان كبيران فقط وحزب ثالث صغير، فالمرشح الفائز كان ينال غالبا 50% زائد 1.

اليوم ومع وجود 5 أحزاب أساسية، العمال، والمحافظون، والاحرار الديمقراطيون، والخضر، واستقلال بريطانيا اضافة إلى الاحزاب القومية فى اسكتلندا وويلز وايرلندا الشمالية، بات تشتت الأصوات هو الغالب. هذا فيما يتعلق بنظام التصويت، اما من حيث تقسيم الدوائر، فمن بين الـ650 دائرة فى البرلمان، هناك 60 مقعدا فقط متأرجحة بين الأحزاب (تسمى دوائر غير آمنة)، أما باقى الدوائر الـ590 فهى تكاد محسومة سلفا إما للعمال وإما للمحافظين (الدوائر الأمنة) بسبب نفوذ هذين الحزبين تاريخيا فى تلك الدوائر. وإذا كانت الدوائر الآمنة مضمونة "فى الجيب" كما يقولون، فإن التركيز كله حاليا على الدوائر "غير الآمنة"، وهى لندن والجنوب الغربى ووسط انجلترا، فهى التى ستحسم نتيجة الانتخابات. وبسبب أهميتها تركز عليها الأحزاب من حيث الدعاية والإنفاق والجولات الانتخابية.

فأحزاب مثل "الخضر" و"استقلال بريطانيا" أو (يوكيب) و"الأحرار الديمقراطيين" و"القومى الاسكتلندي" و"القومى الويلزي" لا يمكن لها الفوز بأكثرية الأصوات فى الغالبية العظمى من هذه الدوائر، لكن الأصوات التى سيحصل عليها "يوكيب" مثلا ستختصم من رصيد "المحافظين" على الأغلب. والأصوات التى سيحصل عليها "الخضر" ستختصم من رصيد "العمال على الأغلب. وبالتالى فإنه حتى لو لم تحصل هذه الاحزاب على اى مقاعد، فإنها ما زالت قادرة على تغيير نتيجة الانتخابات.

ففى انتخابات 2010 لم يحصل (يوكيب) على أية مقاعد، لكنه حصل على 3% من الأصوات الشعبية، وفى بعض الدوائر حصل على أصوات اكبر مما حصل عليه العمال أو الاحرار الديمقراطيون. وإذا ما افترضنا أن الأصوات التى حصل عليها (يوكيب) تأتى غالبا من الاصوات التقليدية للمحافظين، فيمكننا أن نستنتج أن المحافظين كان يمكن أن يحصلوا على الاغلبية المطلقة فى الانتخابات الماضية لولا الاصوات التى حصل عليها (يوكيب) منهم. وفى النهاية أدت الأصوات التى حصل عليها (يوكيب)، أكبر حزب معاد لاوروبا فى المشهد السياسى البريطاني، إلى دفع "المحافظين" للتحالف مع "الأحرار الديمقراطيين" اكبر المتحمسين لاوروبا فى المشهد البريطاني.

الأحزاب البريطانية الكبرى تمر بأزمة كبيرة منذ عقود، فهى لم تعد تعبر عن كل الشرائح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى بريطانيا، وبالتالى أصبحت أصغر حجما وعدد أعضائها يتضاءل بشكل مطرد وسريع. فعدد أعضاء حزب المحافظين اليوم من 120 الى 130 الف عضو، بينما كان هذا العدد يبلغ 3 ملايين فى الخمسينات. كما أن نسبة الاقبال على التصويت فى الانتخابات تقل أيضا بشكل مطرد مما يجعل سؤال التمثيل البرلمانى فى أعرق ديمقراطية غربية مهما أكثر من أى وقت مضى.

موضوع نظام التصويت وطرق تقسيم الدوائر الانتخابية، مطروح على مائدة الجدل فى بريطانيا منذ زمن. وحاول حزب "الأحرار الديمقراطيين" طرح أفكار جديدة من بينها "التصويت البديل" أو "التمثيل النسبي" المتبع فى أغلب البلدان الأروبية من أجل ضمان ان يكون البرلمان البريطانى أكثر تمثيلا وتعبيرا عن الشرائح المجتمعية، لكن الحزبين الكبيرين لم تكن لديهما شهية. بعد هذه الانتخابات سيعود الموضوع للواجهة من جديد، هذه المعضلة لخصها البروفسور فيرنون بوجدنور استاذ العلوم السياسية فى "كينجز كوليدج" فى اوكسفورد بقوله: "ما يفعله هذا النظام الانتخابى انه يجعل بريطانيا اكثر انقساما واستقطابا مما هى عليه فعلا. فى اعتقادى هذا النظام الانتخابى يهدد وحدة البلد".

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق