، فضلا عما تتعرض له هذه النخبة في الفترة الاخيرة من هجوم عنيف؛ وهو مايطرح على المتابع لحياتنا الثقافية قضية بدهية؛ هى قضية البحث عن هذا المثقف! ولأن البحث مازال جاريا منذ سنوات حتى الوقت الحاضر فإن حضور هذه القضية (عن غياب المثقف) مازالت تطرح نفسها، في العالم الواقعى والافتراضى معا. كيف سقط المثقف المصرى؟ وهل هو حقا سقط؟ فمن ذا أسقطه يا ترى؟ تساؤلات يحاول الأستاذ السيد يسين الإجابة عنها فى أحدث كتبه «التحليل الثقافى للمجتمع»، الذى رغم صدوره قبل عدة أشهر إلا أنه يستحق منّا وقفة فى تلك الصفحة.
ولابد ان نكون واضحين فلا نغيب أو نتوه عند أنماط المثقفين. وعلى ذلك ، ستكون مهمتنا هنا البحث عن هذا المثقف التقليدى. ولا نريد ان نعود لأحداث الألفية الثالثة، خاصة أحداث ثورتى يناير ويونيو على وجه اخص دون الإشارة إلى هذا المثقف. ومن البدهى هنا أن البحث عن المثقف في كل هذا العالم الكبير حولنا. إن السؤال الذى يطرح نفسه هو: وأين المثقف؟ وهو سؤال يحاول ان يحدد حقيقة غياب هذا المثقف في حياتنا اليوم. ويمكننا البحث عن هذا المثقف في الاحداث الاخيرة دون جدوى ، وهومالاحظه مفكر كبير كالسيد يسين حين طرح القضية في كتاباته الأخيرة.
والحقيقة التى كشفت عنها الثورة المصرية في 25 كانون الثاني (يناير) على وجه الخصوص هي سقوط دور المثقف التقليدي وصعود دور الناشط السياسي! ويلاحظ السيد يسين في كتابه (التحليل الثقافى للمجتمع) ظاهرة انتهاء الدور التقليدي الذي قام به مثقفون عرب في عصور الاستبداد قبل الثورات بصور متفاوتة من التهادن مع النظم.
.. إن السيد يسين يقرر .. انتهى الدور التقليدي الذي قام به مثقفون عرب في عصور الاستبداد قبل الثورات بصور متفاوتة من التهادن مع النظم، اتقاء لشرِّها أو معارضتها بصورة جذرية، كما فعل المثقفون المصريون الذين أسسوا حركة «كفاية» قبل سقوط نظام حسني مبارك، داعين الرئيس إلى التنحي عن منصبه، ورافضين توريث الحكم لنجله في الوقت نفسه، واستطاعوا بجسارة نادرة أن يعبروا الخيط الرفيع بين المعارضة والانشقاق عن النظام، بعدما ارتفعت أصواتهم في شوارع القاهرة هاتفة «يسقط يسقط حسني مبارك». وكان ذلك في الواقع أول إشارة لافتة إلى أن النظام القديم الذي تهاوى تحت الضربات الساحقة لثورة 25 يناير قد بدأ بالانهيار تمهيداً للسقوط النهائي.
.. ثم يؤكد يسين: إن دور المثقف التقليدى، الذى ساد طوال القرن العشرين، والذى كان يقوم على أساس تبنى رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال إيديولوجيات متعددة، قد سقط لحساب دور جديد ناشئ لمن يطلق عليه «الناشط السياسى». وهذا الناشط السياسى نجده ممثلاً فى كل الأعمار، وليس من الضرورى أن يصدر عن إيديولوجية محددة، ولكن ما يميزه حقاً قدرته الفائقة على تحريك الشارع فى اتجاه معارضة السلطة، سواء فى ذلك السلطة السلطوية السابقة، أو السلطة الحالية فى مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ – بحكم الثورة الاتصالية الكبرى - أشكالاً مستحدثة غير مسبوقة؛ مثل الاستخدام الفعال لشبكة الإنترنت، بما فيها من أدوات «الفيس بوك» و«التويتر»، بالإضافة إلى الأشكال التقليدية، مثل رفع وعى الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة، تدفعهم دفعاً إلى الخروج إلى الشوارع فى مظاهرات كبرى، أو اعتصامات مفتوحة، أو وقفات احتجاجية».
الكتاب: التحليل الثقافى للمجتمع
المؤلف: السيد يسين
الناشر: دار نهضة مصر 2014