رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفقهاء الأربعة .. بين التنزيه والتجريح!

تحقيق ــ هند مصطفى عبد الغنى:
العلماء.. لهم منزلة لا يدانيهم فيها أحد من الناس، فهم كما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء». وكرمهم ربهم تبارك وتعالى بقوله: «إنما يخشى الله من عباده العلماء»، فهم الأشد خشية بما حصلوه من علم لمعرفة عجائب قدرة الله فى إبداعه لمخلوقاته.

ومن هذا المنطلق ذهب البعض فى تعظيمهم حتى خلعوا عليهم القداسة والتنزيه، فكان هذا تطرفا ألجأ غيرهم إلى أن يتطرفوا فى الاتجاه المعاكس سبا وتطاولا على قدرهم ومكانتهم وما قدموه للأمة من علم وفير.

وما بين القدسية المفرطة والسباب الأكثر إفراطا الذى وصل إلى حد التطاول على الفقهاء الأربعة، يؤكد علماء الدين أنه لا يوجد معصوم إلا الأنبياء والرسل وأن أقوال السلف الصالح ليست مقدسة. وأنه يجب إعمال العقل فى الحكم على العلماء القدامى وما قدموه من اجتهادات فقهية.

ومفكرون يرون أن هناك أفكارا ومذاهب يتم تقديسها، وأن السياسة هى المحفز وراء خلع القدسى على المنتج الإنسانى، وأنها ممارسة مستقرة فى الثقافة العربية والإسلامية على مدى تاريخها الطويل.

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه من ثوابت الدين الإسلامى انه لا يوجد معصوم إلا الأنبياء والرسل أما أى عالم آخر فيؤخذ من قوله ويرد عليه حتى إن كان من علماء السلف الصالح لان أقوالهم ليس لها قدسية ولا يجب إتباعها إلا إن كانت مستندة إلى دليل من أدلة الشرع المعتبرة وفى حال ما إذا اتبع العالم بالدين فإن اتباعه فيما أخبر عنه من أمر أو نهى أو غيرهما لا يقتضى تقديسه، ورحم الله علماء السلف الذين كانت لهم التجلة بين أقوامهم ولكن لم يكن احد ممن عاصرهم يقول بأن هؤلاء لهم قدسية وإنما لهم احترام وإجلال وتوقير وحفظ أدب عند التعامل معهم؛

وذلك لأن الفرض أن العالم بأمور الدين قد ورث ذلك عن الأنبياء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «العلماء ورثة الأنبياء. ألا وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا أو درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ منه فقد أخذ بحظ وافر» فعلماء الدين أزهريون أو غيرهم هم ورثة الأنبياء ووارث النبى ينبغى أن يكون له من الاحترام والتوقير والإجلال والعلماء الذين يبينون للناس الحلال والحرام لهم منزلة لا يدانيهم العوام وأنصاف المثقفين، وعلماء الأزهر يتوسمون خطى سلف الأمة الصالح فى تحملهم الأذى فى سبيل الدعوة إلى الله تعالى وبيان شرعه للناس مهما لاقوا فى سبيل الله.

وأكد إدريس أن علماء الدين يخاطبون مجتمعا متضارب الأفكار والتوجهات وهذا يلقى عليهم تبعة أخرى وهى أن يخاطب كل هذه التوجهات بما يحرف زاوية فكرها إلى الاتجاه الصحيح الذى هو منهج الإسلام. يضاف إلى هذا أن علماء الأزهر لا يأخذون كثيرا أو قليلا من احد فى مقابل دعوتهم فهم غير مستأجرين من احد لتوجيه هذه الدعوة وإنما يتحملون كل صنوف التهكم والسخرية والإيذاء فى سبيل هذه الدعوة، ولا يحتسب علماء الأزهر فى سبيل هذه الدعوة إلا مرضاة الله عز وجل لكنهم فى جميع الأحوال لا يطلبون من احد أن يقدسهم ولا أن يدين لهم بالولاء والطاعة إلا فيما أمر به الله سبحانه وتعالى وقد قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا).

ويرى الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن علماء الدين بشر وقدموا علما ينبغى أن نتعلم منه ونسير على منهجه طالما اتفق مع صحيح القرآن والسنة، ويجب عدم التطاول على العلماء وعندما يتعرض علماء الدين للنقد لابد أن يكون فى حدود الأدب؛ لأن النقد ليس شتما أو لعنا أو خروجا عن قواعد الأدب، والنقد يجب أن يكون فى متناول الأخلاق ويجب أن يكون سمة أساسية فى حياتنا، فالنقد البناء هادف وليس هادما وهؤلاء من يتم التطاول عليهم هم قدموا للبشرية علما ومن يتطاول لا يستطيع أن يفعل مثل هؤلاء فكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم فنحن لا نقدس العلماء ولا نعبدهم لكن نحترمهم لأنهم أصحاب مكانة عالية ولابد أن يتفق ما يقولونه مع القرآن والسنة وعندما يختلف مع القرآن والسنة لابد أن نعمل العقل والفكر ولا يجب أن نتجاوز مطلقا وهؤلاء من يتطاولون على علمهم هل هم متخصصون، فهذا نقد من اجل النقد فالنقد لابد أن يكون هادفا لنبنى ونصنع ولابد ان يكون المجتمع قائما على العلم الهادف وليس على الشتائم والبذاءات.

صناعة قديمة

ويؤكد الدكتور على مبروك، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن خلع القداسة على غير المقدس هى ممارسة تنتجها الثقافة، وتميل إلى إنتاج هذه الممارسة من اجل بناء سلطة لبعض الأشخاص من اجل توظيفهم رمزيا فى صراعات سياسية، فالأساس فى هذا الشأن مرتبط بلعبة السلطة وهذه الممارسة واسعة وهناك أفكار يتم تقديسها ومذاهب أيضا والتعالى بما هو إنسانى وجعله مقدسا. هذه ممارسة مستقرة فى الثقافة العربية والإسلامية على مدى تاريخها الطويل، والسياسة هى المحفز وراء خلع القدسى على الإنسانى

فمثلا الصحابة الأوائل مثل أبى بكر الصديق فهو يتعامل مع سلطته على أنها سلطة إنسانية وليست مقدسة فسيدنا أبو بكر الصديق يطلب سلطة الناس فى المحاكمة والمراقبة لكننا نذكر فى الثورة على الخليفة عثمان بن عفان أن اشتدت مطالب الثوار وعندها حول السلطة من شىء إنسانى إلى شىء مقدس وقال (كيف أخلع قميصا ألبسنى الله) قال ذلك ردا على مطالب الثوار لخلع نفسه عن السلطة، وهذا معناه أننا أمام خليفة يتعامل مع سلطة إنسانية وليست مقدسة مثل أبى بكر الصديق وهذه مستمرة طول الوقت فالثقافة تقدس أشخاصا ومذاهب وأفكارا وأصبح هناك هالات من القداسة حول أشخاص ويجب ان ننظر فى ضوء بشريتهم وإنسانيتهم وعندما ننظر إلى الصحابة أنفسهم والصحابة فى الكتب نجد أن كتب العقائد تلح على الناس ألا يتعاملوا مع الصحابة على أنهم بشر وأنهم فوق التقييم وفوق البشر ولا يجب أن نضع أشخاصا فى مكانهم فوق التاريخ، وأصبحنا نفتح الباب لإدخال قائمة من البشر لا تنتهى ضمن قائمة المقدسين وتحويل الأفراد إلى رموز مقدسة لا تخطئ وكل ذلك من اجل السيطرة على السلطة

وعندما نقدس فكرا أو مذهبا معينا هذا ليس من الدين فى شىء، وهذه ممارسة عبثية فالنقد لا يعنى التطاول إنما يعنى ربط الأفكار والأشخاص بسياقات ظهروا فيها ولا نحاكمهم خارج هذه السياقات وفهم الأشياء ضمن حدودها وهذا يساعدنا على ربط كل شىء بالسياق المعرفى والتاريخي، ولا يجب أن نخلع على الأشياء قيمة مطلقة. ومن يشتم العلماء هو الوجه الآخر لمن يقدس فهذا تعامل انفعالى وليس عقلانيا مع الأشخاص، وعندما نريد أن ننقد البخارى فلا يجب أن ننقده بل يجب أن نربط ما فعله البخارى بما كان يحدث فى اللحظة التى أنجز فيها عمله، فالتطرف نوعان (التقديس واللعان أو الشتم) وكلاهما منفعل غير عقلانى فنحن بحاجة لمعالجات عقلانية لقضايانا ومشاكلنا التى نواجهها. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق