رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الحلم الآتى.. ومازلنا أحياء!!

يعيش الحلم ويؤمن بالآتى: توماس جورجيسيان
«طبعنا على حب الحياة وكره الموت» هكذا نبهنا العظيم نجيب محفوظ على لسان الشيخ عبد ربه التائه في «أصداء السيرة الذاتية».محفوظ يقول لنا أيضا»ارادة الحياة هى التي تجعلنا نتشبث بالحياة بالفعل، ولو انتحرنا بعقولنا».كما أنه يذكرنا «ان لم أكن لتمنيت أن أكون».الا أنني بالتأكيد أقف أحيانا حائرا ومتأملا أمام ما كتبه محفوظ عندما قال: «الحياة العجيبة تمسح في لحظة من الأحزان ما يعجز المحيط من غسلها..» وأيضا»ما أفظع ألا يستمع لغنائك أحد، ويموت حبك لسر الوجود، ويمسى الوجود بلا سر..»

ويجب أن أقر وأعترف في البداية بأن «مازلنا هنا ومازلنا أحياء» هذه العبارة العبقرية صارت تتردد على مسامعى كثيرا وأصبحت تتكرر على لساني بلغات مختلفة ولكنات متعددة خلال الأيام الأخيرة وأنا أعيش وأعايش مع المئات والألاف من الأرمن من كل بقاع العالم ذكرى المذبحة الأرمنية والابادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرمني على يد الأتراك في بداية القرن العشرين.أعيش وأعايش وأنا في أرمينيا.. وأنا أذهب أو أعود اليها لكى أعيش من جديد الذكرى والحزن والغضب والايمان والألم والأمل والحلم والأتي معا.وأعيش أنا وأعايش من جديد ذكريات أبي وآلامه وطفولته..وحزنه الدائم. نعم، «مازلنا هنا ومازلنا أحياء» قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش بعد سنوات طويلة من الماسأة والنكبة الفلسطينية ونقرأ ونستمع هذا الاصرار نفسه وهذه الارادة نفسها بتنويعة مختلفة وبالطبع بأبجدية لغوية أخرى في أبيات للشاعر الأرمني «باروير سيفاج». وأمام كل ما يمكن أن يذكرنى ويذكرنا بالماسأة وب «٢٤ أبريل ١٩١٥» نلتقى ونتواصل ونصلي ونتذكر ونشاطر الأحزان ونذكر الشهداء ونحيي الذكري. ونعم، «نحن معا» لنقاوم النسيان والإنكار ونقول لبعضنا البعض وأيضاً للصغار والأجيال المقبلة ونحفر في قلوبهم «مازلنا أحياء و.. سنظل»

ويذكرني في هذه اللقاءات «آرام» و»أناهيد» و»هراير» بما لا يمكن أن أنساه أبدا.اذا كان البعض يتصور أو يراهن على أن «الكبار سوف يموتون ..وأن الصغار مع مرور الزمن سوف ينسون» فان هذا البعض ( مع الأسف) ربما لا يعرف أو ربما لا يريد أن يعترف بما يسمى ارادة الشعوب وعزيمتها في مقاومة الفناء وأيضا البقاء أمام تحديات الزمن. والشعب اذا يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب له القدر.هكذا تقول صفحات تاريخ الانسانية.الكاتب الأرميني الأمريكي ويليام سارويان يذكر ويذكر (بضم الياء وفتح الذال) في كلمات له: «هيا.. قم بتدمير أرمينيا ولنر ان استطعت أن تفعل ذلك. قم بتشرديهم في الصحراء واتركهم بدون خبز أو ماء. قم بحرق بيوتهم وكنائسهم وانظر اذا لم يقوموا بعد ذلك باطلاق الضحكات ودندنة الأغاني وتمتمة الصلوات من جديد. واذا التقى اثنان منهم في أى مكان في العالم انظر لكى ترى كيف ستتواجد أرمينيا جديدة..»

وبالتأكيد هناك من يسخر من ذاكرة الأفراد أو يقلل من شأن إرادة الشعوب بوجه عام وأيضا رغبتها في البقاء و»حياة أفضل» قائلا أن العملية محسومة وأن ما يسمي ب«القضية»، إن عاجلا، أو آجلا سيتم دفنها. ولكن عفواً، وهذا هو «سر الوجود» فكل يوم هناك صغير يولد ليصرخ ويتذكر ويذكر .. ويرفع راية البقاء والحياة والاستمرار.

وطالما نحن أحياء وطالما لنا حلم أيها الانسان أينما كنت وطالما نرى بأعيننا «والأهم نرى بقلوبنا» ما كان ومازال في الذاكرة فالحياة مستمرة، كما أن طالما أن الحلم حى ولن يموت أبداً فالدنيا بخير. وهنا أتذكر ما كان يقوله صديقي تامر لينبهني إلي ما قد ننساه في خضم حياتنا اليومية «تذكر دائماً مشهد الأم التي تقوم بتضفير شعر ابنتها في الصباح أو تحضير الافطار لها قبل ذهابها إلي المدرسة. ثم تذكر أيضا هذا البريق الذي تلمحه في عينى الطفلة التلميذة. ألا يكفي كل هذا للتأكيد علي رغبة الإنسان وإرادته في أن يعيش ويحيا ويتعلم ويرى الغد ويحلم». و»الحلم هو الآتي» هكذا قال الشاعر أمل دنقل وأضاف «لهذا أنا مع الآتي ضد الواقع ومع المستقبل ضد الحاضر، وحتي لو تحققت في الواقع الآتي أحلامي فلن أرضى بالحلم الذي تحقق، بل سأحلم بأشياء أكثر». هكذا كانت ومازالت دعوة «لا تصالح» تعكس عدم الاستسلام للواقع وتجسد رفض الانصياع لأحكام الزمن، ومداومة البحث عن الحلم الآتي.

وهنا يأتي التذكير بدور الآداب والفنون وبدور المبدع في الحفاظ على هذا الحلم.»ربما كانت الكتابة نوعا من اللعب في عصور أخرى:أيام التوازن والانسجام. لكنها اليوم مهمة جسيمة. ما عاد الغرض من الكتابة تسلية العقول بالقصص الخرافية أو مساعدة هذه العقول على النسيان، بل الغرض منها تحقيق حالة من التوحد بين كل القوى الوضاءة القادرة على الحياة، وتحريض الانسان على بذل قصارى جهده لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه»هذا ما كتبه اليوناني العظيم نيكوس كازانتزاكيس صاحب رواية «زوربا» الشهيرة. وبالطبع اذا قرأنا جملته الأخيرة مرة أخرى ولتكن هذه المرة بتأمل أطول وأعمق يتبين لنا كم هو شاق السير في هذا الطريق لكى نصل (ان وصلنا!)الى ما يوصف ب»تجاوز الوحش الكامن» في أعماقنا. وأيضا ما يمكن تحقيقه اذا تمسك الانسان بالارادة التي في ذاكرته والعزيمة التي في تاريخه.

وبما أن مع «الشتات» أو البعد عن البيت والوطن وأيضا الحنين اليهما هو الحديث المثار حولى فان هذا البعد أو الابتعاد له ألمه وحزنه وغضبه وثورته. ولذا لم يكن غريبا أن يلجأالشاعر محمود درويش الى معادلة أو معاناة «هنا» و»هناك» ليصور لنا حياة الانسان المهاجر أو المنفي مع آلامه وأحلامه وبسبب قسوة التاريخ ولعنة الجغرافيا. اذ يقول درويش في قصيدته «طباق»المهداة للمفكر الفلسطيني الأمريكي ادوارد سعيد متحدثا بلسانه.

«أنا من هناك

أنا من هنا

ولست هناك ولست هنا

لي اسمان يلتقيان ويفترقان

«ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم..

انه التحدي الذي وجده وواجهه ادوارد سعيد وآخرون مثله ممن تم ابعادهم من بيوتهم وأوطانهم أو من ابتعدوا وهجروا فعاشوا بين «هنا» و«هناك».وبالطبع قد تتكاثر اللغات التي نتحدث بها ونحاول أن نتواصل من خلالها وأيضا نحاول أن نحلم بها. وقد ننسى بأى لغة كنا نحلم (كما كان الأمر مع ادوارد سعيد) الا أننا في كل الأحوال يجب أن نحلم وألا نتوقف عن أن نحلم.. عفوا، حتى لو كان حلمنا هذا بلغة الاشارة لغة نراها وقد نفهمها يعني بالتعبير الدارج «مش مهم تكون لغة ننطقها أو نسمعها».المهم أن نحلم!!

ومحمود درويش له عبارته الشهيرة «أنا من هناك ولي ذكريات». وقد قالها وكرر قولها عندما عاش وعايش صخب الادعاء الصهيوني بأن فلسطين «أرض بلا شعب» وبالتالي يجب أن يذهب بل ذهب الي «شعب بلا أرض» ... الى «شعب الله المختار» مثلما يقولون ويصفون أنفسهم. وهكذا نواجه مخاطر الفناء ونخوض أيضا معارك البقاء بذاكرتنا «أنا من هناك ولي ذكريات» وقد نخوضها أيضا بأحلامنا»أنا من هناك ولي أحلام»وهنا وأنا أتأمل حال الدنياوأهلها استرجع صوت فلسطيني آخر هو الشاعر مريد البرغوتي وهو ينثر ذكرياته وأحلامه وحياته من خلال كتابه «ولدت هناك.. ولدت هنا».

.................

وسواء كنا في مواجهة المدافع .. أو أمام محاولات «انكار الجريمة» و»مسح الذاكرة» أو مراوغات الساسة وتبريراتهم. فصاحب الحق والحلم يقول دائما «ما يراه البعض بعيداً أراه أنا قريبا» وبالطبع عندما تكون لديك الرغبة وأيضا القدرة علي أن ترى غدك وغدنا في الأفق. وبالتأكيد «لا يضيع حق وراءه مطالب» .. إلا أنه أيضا «ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا»، وهذه هى مهمة الشعوب وإيمانها وقضيتها وهى تتمسك بحقوقها ولا تفرط فيها وتتشبث بأحلامها ولا تقبل بغيرها وتتطلع للمستقبل ولا تختار طريقا آخر. نعم قد يموت الكبار .. إلا أن الصغار لا يجب أن ينسوا.. لا ينسون ما كان مطلبنا.. ما كان ولا يزال حلمنا الأتي وما نسعي إليه..

هذا هو «العهد الآتي» .. و»نشيد الإنشاد» و»وصية الشهداء» و»أغنية الأحياء».

وسواء كان ما أراه وأعيشه وأتذكره وأذكره دعاء جدتي أو صمت أبي أو طبطبة أمي أو ابتسامة ابنتي فإنها دائما الخبيئة.. وأيضا الخميرة «إللي بتخبز عيشنا وبتشكل حياتنا». وتقول لنا وللآخرين «من نحن». ونعم، نحن أحياء وسنظل أحياء بذاكرتنا وحلمنا وبقدرتنا ورغبتنا في أن نتذكر وأن نحلم.. هكذا يقولها الأرمني ويتمسك بها المصري ويتحدى بها الفلسطيني ويتشبث بها الانسان أينما كان. وبالتأكيد أنت أيضا تريد أن تكون حياً بأمسك ويومك وحلمك ومناك بما كان وبما هو آت.. حيا وباقيا بغنائك وسر وجودك وعزيمة بقائك..

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق