كان أحفاد الكاتبة وحدهم سبب اتجاهها للكتابة لهم مستخدمة التقنيات نفسها التى توجتها كبيرة مخرجين ثم رئيسة قناة متخصصة، لتنجح منذ الكتاب الأول فى حصد الجوائز المحلية، التى تم تتويجها بترشيح كتابها «سيكا وموكا» لجائزة «رجازى الإيطالية» من معرض بولونيا الشهير لكتب الأطفال عام 2006، ثم توالت الجوائز عربية وعالمية، والتى كان من بينها جائزة زايد لكتب الأطفال فى 2011 عن روايتها البديعة لليافعين «البيت والنخلة»، ثم حصد كتابها المصور»عود السنابل» 3 جوائز مجتمعة, منها جائزة كتاب العام للطفل، للفئة العمرية حتى 12 عامًا، فى افتتاح الدورة 32 لمعرض الشارقة للكتاب لعام 2013، وأخيرًا تم اختيارها قبل أسابيع للمنافسة مع 28 مؤلفا، و29 رساما من 34 دولة، بكتابها «أنشودة العودة» على جائزة هانز كريستيان أندرسون العالمية، التى تعد بلا شك أعلى تقدير دولى يتم منحه لكاتب أو رسام لكتب الأطفال عن مجمل أعماله.
خبرات الحياة
«والدى كان رجلاً عسكرياً، عشنا معه فى الزيتون، قبل أن نسافر إلى الإسكندرية، ثم عدنا إلى منشية البكري، ومنها إلى عمارتنا فى مصر الجديدة. أحببت ابن عمتى «مصطفي» وأنا فى المدرسة الإعدادية، وتزوجنا ولم أبلغ الثامنة عشرة وحصلت على الثانوية العامة نظام الثلاث سنوات بعد زواجنا بثلاثة أشهر. كان زوجى صديقى الحريص على نجاحى لدرجة أنه كان ينتهز فرصة دخولى لغرفة الطعام للمذاكرة ليقوم بإغلاقها حتى لا أخرج منها قبل استكمال ما بدأت. كنت عاشقة للرياضيات، ولكن بسبب الزواج والأسرة اخترت القسم الأدبى لإمكان استيعابه بدون مساعدة، فضلًا عن علاقتى الطيبة باللغات التى جاءت من تعليمى الإلزامى فى مدارس فرنسية للراهبات. بعد حصولى على الثانوية العامة وإنجابى لطفليّ، التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، إلى جانب عملى موظفة أرشيف بإحدى الشركات التى كان مديرها يعفينى من بعض المهام لألحق ما يتيسر من المحاضرات. كان الأمر صعبًا وقاسيًا، لدرجة أن والدى عرض منحى 12 جنيها قيمة مرتبي، للاهتمام بالبيت والدراسة فقط، ولكنها حماسة الستينيات، وما أدراك ما الستينيات. أتذكر أننى بقيت معلقة على قدم واحدة على الباب الخلفى لأتوبيس 666 فى طريقى إلى الجامعة، بينما رجلان تشابكت أيديهما خلف ظهرى ليقيانى السقوط. وقتئذ تعلمت الحياكة لأنجز سراويل البيت لأطفالى من ملايات السرير القديمة، وحياكة مستلزمات البيت وملابس أسرتنا فى داخله وخارجه، وما احتاجه دولاب ابنتى قبل زواجها، قبل أن يقدم لنا سوق الجاهز لاحقًا احتياجاتنا المتنوعة».
العودة للدراسة
«بعد دخولى التليفزيون فى 1966، تنقلت فى الأعمال، واجتذبتنى الصورة المتحركة، وأيقنت كامرأة نهمة للتعلم أننى أريد معرفة المزيد. فى السبعينيات تقدمت لامتحان القدرات بمعهد السينما الذى تصدرت قائمة الذين عبروه بنجاح، ولكن لم يتم اختيارى لأننى لم أذهب مصحوبة بكارت التوصية مثل بعض الزملاء. لم أتوقف طويلًا، وانشغلت مع التليفزيون والأسرة، ومرت السنوات قبل أن أقرر العودة إلى الدراسة فى الثمانينيات للحصول على دبلومة من إعلام القاهرة، ورغم كونى طالبة متوسطة وهذا هو إيماني- فإن الدراسة فى تخصصى اجتذبتني، وتعلمت الكثير على يد الراحلة أ.د.جيهان رشتي، عميدة كلية الإعلام وقتئذ. حصلت على الماجستير فى نهاية الثمانينيات عن التحقيق فى البرامج التليفزيونية فى نحو 600 صفحة، وفى التسعينيات أنهيت أطروحة الدكتوراه عن التخطيط البرامجى بعد تحليل 800 ساعة بث للتعرف على سبل تنشيط تليفزيون الدولة للقيام بدوره فى خدمة الجمهور، وأصبحت الدكتورة عفاف بينما أقود فرق العمل كرئيسة لإحدى القنوات المتخصصة».
شاشة التليفزيون
«التليفزيون هو معشوقى الخائن الذى منحته عمرى وجهدي، وحصلت منه على الاكتفاء والشهرة وقتئذ. قدمت أعمالًا لفتت الانتباه والأنظار لأيام وأسابيع بعدها، ثم انتهت للأسف على أرفف مكتبة التليفزيون كتاريخ منس، منها: برنامج الشارع المصري، الذى كان سهرة لمدة ساعة ونصف فى السبعينيات، لتوثيق شوارع مصر وعادات أهلها بصريًا وإنسانيًا واجتماعيًا، شاركنا فى صناعته الكاتب جمال الغيطاني، وكان عملاً متميزاً اعتبره يوسف إدريس فى إحدى السنوات العمل التليفزيونى الأكثر اكتمالًا على مدار العام، وبعده طالبت بمكافآت للجميع بداية من المصور ووصولاً إلى حامل النجرا (جهاز تسجيل الصوت)، وكانت السابقة الأولى فى حصول موظفى التليفزيون على نصف أجور المشاركين فى الأفلام التسجيلية».
أما برنامج «معادلة» فتوقف عام 1979 بعد مناقشة عقوبة الإعدام مع المستشار محمود السقا، وهو ما تسبب فى منع عرض الحلقة وإيقاف البرنامج ومكافأة شهر للعاملين به (!). كما قمت بعمل برامج خاصة منها الامن بالعدل لصالح الأمم المتحدة، وأيضا برنامج ملامح أكتوبر فى السبعينيات الذى تناول السبب وراء تدريس حرب أكتوبر فى الكليات العسكرية، لفهم مصدر إبداع وعظمة تلك الحرب تخطيطيًا وتنفيذيًا. ثم قدمت «موضوع للمناقشة» ما بين تحقيق عن عبارة ترددت فى الخطاب الأول للرئيس وقتئذ- ثم ندوة للمناقشة، وتعثر البرنامج كثيراً بسبب وجهات النظر والضيوف التى أثارت استياء رئيسة التليفزيون همت مصطفي، وامتعاض وزير الإعلام صفوت الشريف وقتئذ- من استضافة الراحل أحمد بهاء الدين فى 3 حلقات متتالية والذى كان يتردد خبر توليه وزارة الإعلام، وانتهى الأمر بسحب البرنامج من صاحبته ليمنح لآخرين لم يكونوا على القدر نفسه فتوقف لاحقاً».
بهجة الحكايات
«تلك قصة أخري، بدأت بعد سن الخامسة والستين، حيث ساعدنى الوقت مع أحفادى على تأليف حكايات، وبدأت بكتاب، ثم تلاه آخر ثم عاشر، وكبرت المسألة فى معرض بولونيا لأدب الأطفال 2006، ووصلت إلى جائزة زايد للكتابة للأطفال فى 2011، ومؤخرًا المنافسة على جائزة هانز أندرسون، جاء ذلك أيضاً بعد سنوات من التقاعد، وافتقادى لزوجى الذى توفى إثر حادثة تعرضنا لها فى الكويت، وعدت بعدها لأغرق فى العمل والدراسة، وأخيراً الكتابة للأطفال. واللافت أن أغلب ما يتم نشره عنى من أخبار يتعلق بالكتابة للأطفال رغم أنها لم تستغرق سوى سنوات قليلة من حياتي، بينما عملى الأصلى فى التليفزيون لا يتذكره أحد، فضلا عن عدم عرض تلك البرامج والأعمال التى قمت بتنفيذها وإخراجها من وقت لآخر، كما أنه ليس لدينا توثيق يجعلنى واثقة من تواجد تلك الأشرطة فى مبنى التليفزيون الذى ينسى الجميع. وهنا لابد من الإشارة إلى قيمة التوثيق الورقى التى ما زال له بريقه الأخاذ، وأعتقد أن نجاحى فى الكتابة للأطفال إنما ينحصر ما بين الحب والاجتهاد، فأنا أقوم دومًا بما أحبه وأجتهد ليخرج بالصورة الأفضل، وهو ما قمت به فى كل تجربة اختبرتنى وعاصرتها واستفدت منها فيما أكتبه، وهو ما لدى من نصيحة: ليس هناك أمر تافه، أحبوا ما بين أيديكم ليخرج مختلفًا حتى لو كان مجرد حياكة ثوب، أو كتابة قصة».
مع عفاف طبالة من مواليد 1941- لابد وأن يسرقك الوقت بينما تنتقل من قصة لأخري، فالحكايات فى جعبتها كثيرة ومتعددة ومتشعبة، وقفشاتها لاذعة وفى الصميم. صحبتها تجعلك تنسى القاهرة ومتاعبها، وتشعر بأن كل شيء قامت به تلك المرأة كان سهلًا وممتعًا رغم أنه لم يكن كذلك، ولابد أن تتساءل: كيف استطاعت تلك المرأة ذات الوجه البشوش، والأمومة المفرطة مواجهة الحياة بذلك الود الفائق؟، سؤال يستحق أن توجهه إليها، ولكنك حتمًا لن تحصل إلا على ابتسامة، قد تتحول إلى ضحكتها المميزة، وسؤال يرتد إليك ثانية: هو أنا عملت حاجة؟.