وتقول دراسة قام بها مكتب بالأمم المتحدة «إن أطفال الشوارع فى مصر يواجهون مشكلات وأخطارا كثيرة من بينها العنف سواء من أطفال آخرين أو من المجتمع المحيط بهم او فى العمل.، كما يعانون من رفض المجتمع لهم لكونهم غير مرغوب فيهم بسبب مظهرهم العام وسلوكهم، ويفشلون فى التكيف مع المجتمع، وبالتالى يعتبرون بمثابة لقمة سائغة يمكن استغلالها ببساطة فى أعمال العنف والتخريب،
ولأن لهم الحق فى الحياة الأسرية والتعليم والتغذية واللعب وغيرها مما يتمتع به الأطفال الآخرون .. هذا ما دعا المهتمين والمهمومين بشأن هؤلاء الأطفال إلى المطالبة بالإسراع بحل هذه المشكلة، اقترح البعض إنشاء وزارة جديدة للطفل داخل مدينة خاصة بأطفال الشوارع، يرى البعض الآخر الاهتمام بالمؤسسات المقامة بالفعل دون الاحتياج لإقامة مؤسسات جديدة، بينما يرى طرف ثالث أن ننتظر لنرى الدور الذى يمكن أن تقوم به وزارة السكان فى هذا الشأن و سعيها أخيرا للاستفادة من التجربة الناجحة للمكسيك فى التصدى لمشكلة أطفال الشوارع من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية فى تقديم الخدمات المطلوبة لهم سواء فى شكل دور للإيواء أو من خلال أنشطة بناء القدرات وتقديم فرص للتشغيل.

فى البداية تطرح د.نبيلة الشوربجى مدرس علم النفس بكلية رياض الأطفال جامعة الفيوم فكرة إنشاء وزارة جديدة للطفل بمشروع قومى لإنقاذ أطفال الشوارع يوفر لكل طفل أفضل بداية ممكنة لحياته فالأطفال هم الدعامة الأساسية للتنمية البشرية فلابد أن نضمن بقاءهم وحمايتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة فى إطار صحة جيدة وتغذية ملائمة وتربية سليمة فى بيئة آمنة تمكنهم من سلامة صحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، على أن تتولى هذه الوزارة مهمة رعاية أطفال الشوارع وتقوم بإنشاء مدينة متكاملة نموذجية باسم «أطفال مصر المستقبل» بإحدى صحارى جمهورية مصر العربية، بقرار من رئيس الجمهورية،
وذلك بهدف إنقاذ أطفال الشوارع وحمايتهم من المخاطر التى يتعرضون لها بالشارع المصرى مثل الاصابة بالأمراض المختلفة والاستغلال الجنسى من جانب العصابات أو الأفراد أو المستغلين لصغر سنهم وضعفهم، أو التحرش الجنسى والاغتصاب، أو دفعهم للعمل بالاتجار فى المخدرات وترويجها، فضلاً عن بيع الأطفال خارج مصر للدول العربية والأجنبية أواستقطاب الجماعات الارهابية لهم فى أعمال العنف، فقد أصبح أطفال الشوارع قنابل موقوتة يمكن ان تدمر المجتمع فى أى وقت حيث يقترب عددهم من 3ملايين طفل.
فأى طفل له الحق فى الأمن الاجتماعى وتوفير البيئة والمسكن الملائم والتعليم والتغذية الكافية والعناية الصحية له ولوالدته، وحق فى التنشئة الأسرية وتوفير مكان فى الجامعات ونفقاتها فى حالة رغبته فى استكمال تعليمه، والعمل على توظيفهم ومساعدتهم فى نفقات الزواج.. يتم ذلك من خلال الاستعانة بالباحثين الاجتماعيين ورجال الضبط القضائى بالتعاون مع أقسام الشرطة بجميع المحافظات بمصر بالقيام بحصر شامل لعدد أطفال الشوارع المعرضين للانحراف أو الخطر من سن 6سنوات إلى 18سنة الموجودين يومياً بالشوارع والطرقات وتحت الكبارى والمساجد والمستشفيات والأماكن المهجورة والحدائق العامة والجراجات ومواقف السيارات والأتوبيسات والذين بلا مأوى.
#
أسرة بديلة
وتضيف د. نبيلة الشوربجى أن كل منزل بالمدينة الجديدة يضم مجموعة من الأسر، بكل أسرة أم بديلة، وأب بديل، وأبناء (ذكور واناث)، كما تضم المدينة مستشفى ضخم وصيدلية، ومدارس مجانية للمراحل الثلاث الابتدائية والاعدادية والثانوي (عام، صناعى، تجارى، زراعى) وورشا للتدريب وأخرى للعمل فيما بعد واندية اجتماعية ورياضية وثقافية ودينية للنهوض بهؤلاء الأطفال فيما بينهم وبين الأطفال خارج المدينة..
ويمكن توفير الميزانية من عديد من الجهات مثل رئاسة الوزراء، تبرعات الوزارات والصندوق الاجتماعى والمجلس القومى للمرأة ورجال الأعمال والمستثمرين، وعمل طوابع بريد لرعاية أطفال الشوارع على مستوى الجمهورية، كما يمكن انشاء موقع على الانترنت باسم» انشاء مدينة متكاملة لأطفال الشوارع «يمكن من خلاله جمع تبرعات المصريين فى الخارج على حساب خاص فى البنوك.
إصلاح الموجود
وعلى الجانب الآخر ترى خبيرة التنمية الاجتماعية د.إيمان بيبرس رئيس مجلس ادارة جميعة نهوض وتنمية المرأة ومستشارة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، أنه لا داعى لإنشاء وزارة تعنى بأطفال الشوارع لأن حل هذه المشكلة لا يكون بهذه الطريقة حتى لا يكون هؤلاء الأطفال بمعزل عن المجتمع، ولكن من خلال دراسة أسباب وجود هؤلاء الأطفال فى الشارع ورغبتهم فى الاستمرار فيه،
فالطفل الذى يترك بيته ويتجه للحياة فى الشارع إذا لم يتم انقاذه وإرجاعه إلى بيته خلال ستة أشهر لن يتم ارجاعه بعد ذلك، لأنه فى خلال هذه الأشهر الستة يكون قد تأقلم مع حياته الجديدة ويفضل حريته التى حصل عليها وتخلصه من تعذيب زوجة الأب أو زوج الأم أو مشكلات الفقر أو البطالة وغيرها،
كما انه قد أصبح له «شلة» من الأصدقاء ويفعل كل ما يريد من لعب وتدخين وتعاطى مخدرات وأى شىء بلا رقيب، والأغلبية العظمى منهم يتعرضون للانتهاك الجنسى وبالتالى يمكنه بعد ذلك الحصول على كثير من المال عن طريق الجنس أو المخدرات او الاشتراك فى مظاهرات أو رمى مفرقعات، لا يمكن بعد أن يحصل على 200جنيه لمجرد أن يلقى مفرقعات فى الشارع أن نجذبه بأقل من هذا المبلغ أو أن نحدد له مكان إقامة، بالطبع لن يتنازل عن حريته ومكاسبه بسهولة، وهو الأمر الذى يستلزم خطوات عديدة تبدأ من الجذور، كما تفعل العديد من الدول منها إفريقيا التى تتبع نظام «مراكز الرعاية اليومية» بأن تظل الأماكن المخصصة لاستضافة اطفال الشوارع مفتوحة باستمرار على مدار النهار والليل يدخل فيها من يريد تناول الطعام والشراب ولو أراد أن يستريح أو يبيت فيها لا مانع من ذلك،
وفى هذه الأثناء من يتحاور معه بمودة وهدوء خبراء اجتماعيون ونفسيون يتم اختيارهم بدقة على أن يكونوا قد تعاملوا بالفعل مع أطفال الشوارع ولهم خبرة فى هذا المجال ليسوا أكاديميين فقط، ومرة تلو الأخرى قد يرتاح الطفل لهذا المكان ويرغب فى الاقامة فيه بإرادته الكاملة دون اجبار من أحد.
ولابد من تقييم المؤسسات المقامة بالفعل وتحديد أسباب فشلها فى انقاذ أطفال الشوارع بل على العكس قد تخرج البعض فيها مجرمين يتم استغلالهم فى عمليات ارهابية وغيرها، فلابد من دراسة الحالة التى وصلت إليها كل من الاصلاحيات وبيوت القاصرات ودور الأيتام ومراكز الايواء وغيرها، والاصلاح من هذه المؤسسات المقامة بلا موارد ولا مهارات ولا أموال دون انشاء مؤسسات جديدة مع توفير المتخصصين فى هذا المجال الذين نزلوا إلى الشارع وتعاملوا مع هؤلاء الأطفال والبعد عن النظريات القديمة فى الخدمة الاجتماعية وعدم اهانتهم واستغلالهم فى أعمال النظافة فى هذه الأماكن، والاستفادة بجهود الجمعيات الجادة، حتى يمكن الاهتمام بتعليم أطفال الشوارع وتثقيفهم وممارستهم الرياضة والهوايات المختلفة ومنحهم فرصة لحياة أفضل.
معزل للأطفال
سمية الألفى خبيرة حقوق الطفل والأسرة وعضو اللجنة الاستشارية بجامعة الدول العربية تقول لقد تم طرح فكرة انشاء مبنى أو مدينة خاصة لأطفال الشوارع من قبل لكنها لم تحظ بالقبول لأننا وجدنا أنها ستصبح بمثابة معزل لهؤلاء الأطفال لأنهم سيشعرون بأنهم مرضى أو فئة يجب عزلها وهذا لأنهم سوف يفتقدون عمليات الادماج فى المجتمع والتأهيل للتعايش وسط أفراده، ومع الوقت سوف يصبح هذا المكان موصوماً، بأن هذا هو مكان أولاد الشوارع أو اللقطاء، وحقيقة الأمر أنهم أطفال عادون لكن مروا بظروف صعبة ودورنا كدولة مساندتهم ومساعدتهم وتعليمهم وعلاجهم ودمجهم مع الأطفال العاديين، فضلاً عن أن لدينا العديد من الهيئات والمؤسسات تضم أماكن اقامة لأطفال الشوارع.
وتشير سمية الألفى إلى أن جزءا من وزارة الاسكان يعنى بالأطفال وأتصور أن الأيام المقبلة سوف تكشف عن الدور الذى تقوم به لأطفال الشوارع وهو ما يغنى عن تشكيل وزارة خاصة للطفل، فالمشكلة لا تكمن فى انشاء مؤسسات جديدة بل فى حلها من جذورها، والتى تتمثل فى الظروف الاقتصادية الصعبة فكلما زاد الفقر والتفكك الأسرى كلما زاد عدد أطفال الشوارع، كما ان النظام التعليمى الفاشل والطارد يزيد من عددهم وعندما نعالج هذه المشكلات سيقل عدد هؤلاء الأطفال الذين لا يمكن تحديد عددهم أخيرا.