، فيها حكايتى مع أبى الذى يشغل مركزا مرموقا، وزواجه بعد رحيل أمي، وكيف أن زوجته عاملتنى بقسوة، وانحاز إلى جانبها، واتخذ موقفا معاندا لي، بل إنه أخذ ميراثى من أمي، وأعطى كل شيء لأخى منه، بل وفرض عليّ ستارا حديديا، ورفض كل من تقدموا لخطبتى حتى وصلت إلى سن الثالثة والثلاثين دون زواج نتيجة لتعنته، وقد بعثت إليك برسالتى خوفا من أن تضيع آخر فرصة لى فى الزواج، وكم تأثر فتاى بردك على رسالتي، لكن أبى وافق على تزويجى له بشرط ألا يدفع مليما واحدا فى هذه الزيجة!.. فأحسست بغصة فى حلقي، وألم فى قلبي، وبكيت بكاء صامتا ولسان حالى يقول: أى أب هذا؟... وهل هناك على وجه الأرض من يفعل بابنته مثلما يفعل بى أبى؟... ونظر خطيبى إليّ وقال لى إنه يوافق على شرطه من أجلى وأننا سنتجاوز معا هذه العقبة بإذن الله، وتمت خطبتنا منذ نحو ثلاثة أشهر، وشعرت لأول مرة بأنوثتي، وبأننى مخطوبة مثل كل البنات، ولى كيان، ومن حقى أن أفرح وأتكلم وأخرج مع خطيبي، وأنا مزهوة وفخورة به وبنفسي.
وجلست مع خطيبي، وقسمنا بيننا المسئولية عن تجهيز الأثاث، وبذل خطيبى منذ اللحظة الأولى كل جهده، لتنفيذ ما اتفقنا عليه، أما أنا فلم استطع الوفاء إلا بنصف الالتزامات المطلوبة مني، ووجدتنى ألجأ إلى البنوك للحصول على قرض بضمان مرتبي، فإذا بى أفاجأ بأن حالتى لا تنطبق عليها شروط الاقراض لأننى أعمل فى الحكومة منذ سبع سنوات بعقد مؤقت، مع أننى لم أنقطع يوما واحدا عن العمل، ولا يحدث تسريح للعمالة الحكومية، فإذا كنت استطيع أن آخذ قرضا حتى أربعين الف جنيه فلماذا لا يقرضنى هذا المبلغ، وأنا ملتزمة بالسداد، ومستعدة لتلبية كل الشروط بما فيها تحويل مرتبى إلى البنك ولكن لا أدرى ماذا أفعل؟
لقد لجأت إلى زملائى المعينين لكى يحصلوا على القرض عني، وأن أوقع لهم أى أوراق تثبت حقهم لديّ، فلم يوافق أحد، ولجأت إلى الشركات لتقسيط ما اشتريه منها من عفش وأجهزة ومفروشات، فوجدتنى أمام سراب، وأن كل الدعاية التى تبثها هذه الشركات وهم، ذهبت إلى جمعيات يقال إنها تعطى قروضا حسنة للمحتاجين، فلم أجد فيها من يسمعني!.
وإنى أسالك: أليس من حقى أن أحلم، وأن اشترى الأثاث اللازم لعش الزوجية، فلماذا يقف منى الجميع هذا الموقف العنيد بدءا من أبى الذى أكل حقوقي، والشركات والبنوك التى لا تقبل إقراضي، وحتى جهة عملى التى اشتغل بها منذ سبع سنوات لم تثبتنى بعد؟... وما هى الجريمة التى ارتكبتها ليحدث لى كل ذلك؟... أرجوك لا تتركنى فى حيرتى وحسرتي، وإنى ألجأ إليك بعد أن تخلى عنى الجميع، ولا أعرف غير بابك لكى يحل لى مشكلتي، فلم يبق على الموعد الذى اتفقنا عليه للزفاف سوى أيام، حيث إننا حددناه من قبل بنهاية الشهر الحالي، وهى فرصتى لكى اتخلص من كابوس أبى وزوجته، وإلا فإنها ستكون نهايتي، ولله الأمر.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
إنى أتعجب أن يكون هناك آباء بهذه القسوة التى لا مبرر لها.. لقد انتظرت بعد أن نشرت رسالتك الأولى التى سميتها «الستار الحديدي» أن يتزحزح عن موقفه، وأن يحتويك، ويدرك كم هو قاس عليك، لكنه لم يفعل، فغلاظ القلوب من أمثاله لا يهمهم سوى أنفسهم، ولا يعنيهم الآخرين، حتى فلذات أكبادهم، ولا أدرى كيف سيقابل وجه الله، وهو على هذه الحال المتشددة منك بلا ذنب، ولا جريرة سوى إرضاء زوجته، وابنه منها... وإنى اسألها إن كانت تدرك عاقبة فعلها أم لا؟.. وأنذرها بعذاب الله لها فى الدنيا قبل الآخرة، وللأسف فإن مثيلاتها وأمثالها لا يتعلمون هذا الدرس أبدا إلا بعد فوات الأوان.. وما أكثر المآسى التى حملها إليّ البريد عبر السنين لمن ندموا على صنيعهم بأولادهم، وأولاد أزواجهم، ومن فرقوا بين الأولاد والبنات وأن القصاص العادل جاءهم قبل الرحيل فى صورة مرض أو عوز، أو انعدام راحة البال، وتطاردهم الهواجس حتى إنهم يتمنون الموت فلا يجدونه... نعم يتمنون الموت.. ولا يتخيلون أن عذاب الآخرة سيكون أشد ألما وأطول أمدا.
إننى أحذر أباك مرة أخرى من المآل الذى ينتظره، وأحذر زوجته من عذاب الضمير حين تجد نفسها بلا حيلة فى وقت لن ينفعها فيه أحد، وأحذر أخاك من أن ينجرف فى تيارهما، وأتوجه بالنداء إلى من بيدهم الأمر لإقراضك المبلغ الذى تكتمل به سعادتك، مادمت ستقبلين بشروط البنوك، واستثنائك من شرط التعيين الدائم، فالعبرة بمن يسدد ما عليه.. أسأل الله أن يفك كربك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسبين، وهو وحده المستعان.