رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

«تركيا أردوغان» تسعى لجوار لم يعد يقبلها

أنقرة: سيد عبدالمجيد
دائما ما كانت تنعم تركيا بهدوء مع جيرانها ، لكنها وباستثناء أرمينيا، لم تفقد أبدا صداقتهم، وظل التواصل عبر الحدود اقتصاديا وتجاريا على أشده رغم أنواء العقوبات التى فرضت على العراق، وكذلك إيران التى باتت تعانى عزلة دولية بدأت بالتزامن مع صعود العدالة والتنمية إلى سدة الحكم قبل ثلاث عشرة سنة.

وما أن تبوأ أحمد داود أوغلو ، صاحب سياسة " صفر مشاكل مع الجوار " قمة الدبلوماسية التركية اعتبارا من عام 2005. بدا وكأن هناك ثورة ستحدث على صعيد علاقات الأناضول الخارجية ، بيد أن الاستقرار لن يكون نسبيا ، بل ثابت ومترسخ بفضل تلك النظرية التفاؤلية الجديدة ، وجنح البعض إلى ما هو أبعد من ذلك، معتقدين أن السلام سيحل بين العاصمتين اللدوتين يريفان وأنقرة.

ولكن سرعان ما ذهبت الأمانى أدراج الرياح وتبخرت الأحلام بذات السرعة التى جاءت لقطاعات عريضة من المجتمع ، ليس ذلك فحسب بل إن الأواصر مع البلدان الثمانية التى تتشارك فى الحدود أصابها الفتور الواحد تلو الآخر، وبالتوازى مع رياح ثورات الربيع العربى، تردت بصورة مخيفة لم تشهدها وريثة الإمبراطورية العثمانية فى مسيرتها الجمهورية التى قاربت على قرن من الزمان.

إذ كان واضحا مدى نزوع أردوغان نحو الهيمنة ، مستلهما ماضيا لم يكن له الناطقون بلغة الضاد أى ود ، بل اعتبروه أحد أسباب تقهقرهم مقارنة بأمم تجاوزتهم، وكانت أقل منهم بكثير، ولم يكتف بذلك بل راح يروج لنموذجه "الحداثى" كى يكون نواة لمشروع الشرق الأوسط الكبير مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت مبهورة به ورأته بالفعل صالحا للتطبيق، فى المقابل كان الامتعاض سيد الموقف لدى الأنظمة الحاكمة، وكذا شعوبها فيما وراء التخوم وما بعدها بشمال البحر المتوسط، نزولا للبحر الأحمر والخليج.

صحيح تنكر " تركيا أردوغان " أى تراجع لدورها فى محيطها، ولكن هذا من قبيل الخطابات العلنية ، والدليل على ذلك هو اقتناع النخبة خلف الكواليس بأن بلادهم صارت محجوبة ، وغير مرغوبة بالنسبة لمعظم الأقطار العربية، وكذا بلدان إسلامية، ولهذا دعا متخصصون دوائر صنع القرار بضرورة مراجعة السياسات التى كانت سببا فى نفور الجيران وابتعادهم .

وعلى مستوى الميديا كانت صحيفة "حريت" الأكثر جرأة حينما طالبت الحكومة صراحة بأن تبذل قصارى جهدها لاستعادة مكانة البلاد فى المنطقة. مشددة على أن قضية التصالح مع "مصر" البلد الأكثر أهمية فى الشرق الأوسط والعالم العربى يجب أن تكون على رأس قائمة جدول أعمالها، وبدأ بالفعل مسعى حثيث لبلوغ الهدف.

غير أن طبيعة شخصية أردوغان نفسه ، ونرجسيته المفرطة وغروره الذى لا حد له ، حالت دون أى خطوات تصالحية نتيجة مواقفه المضطربة والمتناقضة فى آن ، رغم ضغوط رجال أعمال مقربين منه، وإلحاحهم بأهمية تخفيف الأجواء حرصا على مصالحهم التى تأثرت بشدة على خلفية القطيعة الحالية بين البلدين، إلا أن توسلاتهم هذه ضاعت سدى.

لكن المثير أن قطاعا منهم أدرك أن القاهرة نفسها لم تعد ترغب بمد جسور تعلم أنها لن تؤدى فى النهاية لشئ يذكر طالما أن أردوغان فى بؤرة المشهد السياسى، وهنا المفارقة ، فوفقا لما ذكرته الميديا المحلية فى إسطنبول المصنفة بالمعارضة، فالساعون من الأتراك نحو إزاحة جبل الثلج الجاثم على علاقات بلادهم بالدولة المصرية، يبدو أنهم التقوا فى اتفاق غير مكتوب مع العاصمة القاهرة حول نقطة مفصلية وحيدة ، وتتمثل فى الرهان على ما سيفرزه الاستحقاق التشريعى المقرر له السابع من يونيو المقبل ، فإذا حدث وجاءت نتائجه بتغيير ملموس فى أوزان القوى السياسية الفاعلة ، أى تراجع حجم التصويت للعدالة والتنمية الحاكم ، وبالتالى تقليص مقاعده ، ومن ثم صعوبة ترجمة حلم أردوغان فى نظام رئاسى يكون هو محوره ومضمونه إلى واقع.

أما بالنسبة لفضاء التخوم، فالأمر لم يختلف بل يزداد سوءا، فبعد أن شن هجوما شرسا على الجارة الفارسية بسبب " تطلعها لزيادة نفوذها فى المنطقة من خلال النزاعات الطائفية" ، على خلفية الأزمة اليمنية، وجد نفسه أمام موقف بالغ الحرج، إذ كان عليه تحقيق زيارته لطهران، وهى التى جرت فى السابع من الشهر الحالى، ولم يستطع بضغط المصالح أن يلغيها، وهكذا بلع على مضض الانتقادات التى انطلقت من وسائل الإعلام الإيرانية وانهمرت عليه كالسيل، وجميعها كان جارحا ومهينا، وهو مدرك تماما أن هذا لا يحدث إلا بتوجيهات، أو على الأقل بضوء أخضر من ملالى الثورة ومرشدها الأعلى، المهم أن الزيارة بدت بروتوكولية ولم تسفر عن نتائج ملموسة كان يأمل أن يحملها فى حقيبته يعود بها إلى أرض الوطن.

وبخصوص العراق كان يعتقد أن خروج نورى المالكى كفيل بعودة المياه لمجاريها، وحدث تبادل الزيارات وخرجت تصريحات ودية إلا أن المضمون ظل باردا، وعندما أبدت أنقرة تقديم المساعدة فى الحملة المرتقبة لتحرير الموصل جاءها رد بغداد رافضا أكثر من متحفظا.

والزيارة التى قام بها أردوغان للرياض مستهل الشهر الماضى، ورغم الاجواء الاحتفائية التى صاحبتها ، إلا أن محللا تركيا بارزا وهو الكاتب المخضرم سامى كوهين قلل من إيجابياتها، والدليل على ذلك أن لقاء أردوغان مع العاهل السعودى استغرق مدة 35 دقيقة، بما فى ذلك الترجمة وتلك ليست علامة خير على حد وصفه.

هذا الوضع يلخصه شكرو أونلوتورك، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد" فى عبارات موجزة قائلا " استطعنا بفضل المسلسلات التركية التى عرضت فى العالم العربى أن نحقق أجواء ممتازة للغاية فى الشرق الأوسط من الناحية التجارية، وكانت صورة المنتج التركى جيدة للغاية، إلا أن السياسات الخارجية التى تنتهجها الحكومة إزاء دول الجوار والتطورات التى تشهدها المنطقة قلبت هذا التحسن رأسا على عقب، الأمر الذى أفضى بطبيعة الحال إلى أن نفقد هيبتنا ومزايانا التى حققناها فى الماضى "

ويبدو أن المعضلة ليست فقط فى نفور الشرق الأوسط والجوار المتاخم ، وهنا نعود لكوهين الذى قال إن طريق الاتحاد الأوروبى مغلق بسبب الركود الديمقراطى، فضلا عن تردى مستوى العلاقات مع واشنطن، ولهذا ينبغى على الحكومة التركية أن تفعل شيئا ما لترميم علاقاتها مع دول المنطقة، ولكن كيف ؟ هذا هو الإشكال!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق