الكويت أصلها من كلمة الكوت التي تطلق علي البيت المربع المبني كالحصن أو القلعة, الذي تحيط به البيوت الصغيرة, ويكون هذا البيت مقصدا للسفن والبواخر ترسو عنده لتكمل منه ما ينقصها.
ولا تطلق كلمة الكوت إلا علي ما بني قريبا من الماء, نحاول في صفحة هذا الأسبوع الاقتراب من ضفاف مشهد الكويت الثقافي دون الادعاء بالإحاطة به كاملا, أو إغفال ما تحاول الهيئات الحكومية الكويتية القيام به, أو تجاهل شكوي مبدعيها الذين يرغبون في المزيد من الحرية والإبداع.
أبرز ما يمثل المشهد الثقافي الكويتي, هو ذلك التشكيل الثقافي باختلاف ألوانه وأشكاله, من شعراء, وكتاب, ونقاد من جميع الانتماءات العربية, سكنوا الكويت وأصبحوا جزءا من نسيجها الثقافي, وفي المقابل بات الأدب الكويتي- منشغلا بالهاجس الإنساني العام, وإشكالية الهوية, والاندماج مع الآخر.
تقول الكاتبة والناقدة سعداء الدعاس أحد مؤسسي ملتقي فضاء المسرح: لعل لمصر النصيب الأوفر في عملية التأثير الثقافي, فإذا كانت البواكير الأولي حملتها لنا أيادي المدرسين الفلسطينيين, فإن للمصريين فاعلية التشكيل المؤسساتي الأول, هذا بجانب العديد من المبدعين العرب من سوريا, والعراق, ولبنان, وغيرهم ممن شكلوا ولا يزالون جزءا من ملامح المشهد الثقافي في الكويت.
وتستطرد سعداء قائلة:' اللافت للانتباه أن هذا التأثير لم ينشأ من الخليط الذي يعيش علي أرض الكويت فحسب, إنما أسهم في ذلك سمة التنقل المميزة للشخصية الكويتية, لأسباب تتعلق بالرزق- سابقا- وأسباب دراسية وسياحية حاليا-, فتعددت مصادر الإبداع, وموضوعاته لتمنح المشهد الثقافي الكويتي خصوصية تميزه. بفضل ذلك التمازج, يكاد لا يخلو منجز إبداعي من شخصيات عربية أو أجنبية تتجول بين صفحاته بخصوصيتها, وبعضا من رائحة ملاذها الأول. فكم سكنت أزقة القاهرة, ونيلها المعطاء منجز الروائي إسماعيل فهد إسماعيل, وهكذا فعلت الشخصية العراقية فأشرقت في رواياته وأعمال آخرين من أمثال: ميس العثمان, ناصر الظفيري, سعد الجوير, محمد المغربي, وسامي القريني. ومن تلك الأعمال تجارب تستمد من الآخر وقودها, ومنها: حذاء أسود علي الرصيف للكاتبة باسمة العنزي, وبطلتها كفاح الفلسطينية الأكثر بروزا والأعظم تأثيرا, وكذلك منجز الروائي طالب الرفاعي الذي تناول هموم العمال بجنسياتهم المتعددة. وإن جاز لي إيراد نماذج من كتاباتي, فإن مجموعتي القصصية عتق جاءت نتاج تأثيرات كويتية, وعراقية, ومصرية, وكذلك روايتي لأني أسود, التي ارتبطت بالآخر باختلافه, ونادت بجماليات التنوع'.
تاريخ من الثقافة
من جهة أخري, فإن الكاتب والصحفي المصري شريف صالح المقيم بالكويت, الذي له إصدارات عدة في مجال القصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية, وحاصل علي عدة جوائز عربية ومصرية, يرصد عدة عوامل وراء تجذر العلاقات المصرية- الكويتية تحديدا, وهي: أولا: الرغبة الكويتية في بناء دولة حديثة, فاستقدمت مدرسين, وشيوخا من الأزهر, وأطباء, ومهندسين وقضاة, وفي كثير من المفاصل الإدارية كان ـ ومازال ـ للمصريين حضور تأسيسي, كما في جامعة الكويت, ومعهد الموسيقي, والمسرح, والإذاعة, والتليفزيون, والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. وعندما بدأت الكويت ابتعاث أبناءها للدارسة, كانت مصر قبلتهم الأولي, فيما استقبلت هي عددا كبيرا من المبدعين علي رأسهم: زكي طليمات, ود.أحمد زكي, وفؤاد زكريا الذي شارك أحمد مشاري العدواني في تأسيس سلسلة عالم المعرفة في1979, ود.سعيد خطاب مؤسس معهد الفنون المسرحية, مرورا بأسماء مثل: محمود حسن إسماعيل, وكرم مطاوع, وأحمد عبد الحليم, وسعد أردش, والمغضوب عليهم من أنظمة سياسية, مثل: محمود السعدني, وأحمد بهاء الدين رئيس التحرير الثاني لـ العربي, التي أسهم في تحريرها عبر خمسة عقود ألمع الأسماء المصرية.
العامل الثاني مركزية مصر, بما لها من قوة ناعمة يتردد صداها في الأفلام والمسلسلات والكتب والشخصيات المصرية, حيث يمتلك الأفراد قبل المؤسسات مثل الإذاعة والتليفزيون في الكويت أرشيفا هائلا لأعمال مصرية نادرة, مثل: حفلات أم كلثوم التي غنت للكويت, وعبد الحليم الذي غني بالزي الوطني الكويتي أغنية ياهلي.
ثالث العوامل: الحلم القومي في خمسينيات القرن الماضي, والمرتبط أيضا بمشروع التحرر الوطني, وهو ما تبناه معظم المثقفين الكويتيين آنذاك أمثال: أحمد السقاف, وأحمد الخطيب. وتجلي سياسيا في مشاركات شعبية ورسمية كويتية في حروب مصر. ثم تعزز ذلك بعامل رابع هو موقف جمال عبد الناصر ضد أطماع العراقي عبد الكريم قاسم, لذلك ليس غريبا أن يحمل أطول شوارع الكويت اسم عبد الناصر, ولا يوازيه طولا إلا شارع آخر باسم القاهرة.
لكن هذه العوامل ذاتها تعرضت لضربات قاصمة, أهمها غزو صدام, وانهيار حركة القوميين العرب, وهو ما أثر سلبا علي النظر إلي كل ما هو عربي. كما انهارت فكرة المركزية, فلم تعد مصر قبلة وحيدة. إضافة إلي صعود التيار المحافظ'.
تجارب لا تموت
من جانبه يثمن د. علي العنزي, أستاذ النقد والأدب بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت, الذي سبق له نشر مقال بعنوان' استدعاء طليمات', عن فضل الحركة المسرحية المصرية ودورها في الريادة الكويتية علي مستوي الخليج العربي, وهو ما أشار إليه في ندوة عن العلاقات المسرحية الكويتية/المصرية, ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب, وقد أضاف قائلا:' كنا في كويت الماضي- فيما قبل قدوم الراحل زكي طليمات(1894-1984) نؤمن بالثقافة البريئة, بمعني أن العلاقة التي تسير بين الفن والجمهور, تسود بشكل تلقائي بسيط حيث كان الكويتيون يستيقظون باكرا ويقضون نهارهم يتابعون باهتمام أعمال الرواد, وسيطرت الغاية التعليمية; لدرجة أن الدخول إلي المسرح كان شبه مجاني.
ورغم أن الدولة كانت تلاحظ نجاح رواد ذلك الزمان من الكويتيين وازدهار مسارحهم, إلا أن الدولة, أصرت علي منح الحركة المسرحية طابعا رسميا; مستدعية عبر الرائد الكويتي حمد الرجيب(1922-1998), أستاذه الكبير إبان دراسته في القاهرة. وجاء طليمات إلي الكويت, بدعوة رسمية من سمو الأمير الحالي, الشيخ صباح الأحمد, الذي كان وزيرا للمعارف وقتذاك, وكانت تحدو الجانبين, رغبة صادقة في تطوير الحركة المسرحية العربية, والتي نتج عنها تأسيس فرقة المسرح العربي في.1961
وأشار د. العنزي إلي أن طليمات عمل بجهد لوضع تقرير مفصل, واستطرد قائلا:' لقد شكل قدوم طليمات نواة لمسرح كويتي جديد, حيث بدأت المرحلة باختبارات عملية علمية, ومن نافل القول أن وزارة الإعلام الكويتية أذاعت وقتها, بيانا تطلب عبره مشاركة من يري في نفسه القدرة والرغبة, فتقدم نيافة مائتين كويتيا وكويتية, تم اختيار نحو أربعون منهم, شكلوا وقتها نواة المرحلة الجديدة.'.
وهكذا, ما زالت الكويت تسعي لهضم المزيد من الثقافات المحيطة, وبدا واضحا في السنوات الأخيرة أن ثمار الولع بالمعرفة قد أينعت, وأن الكويت علي طريق الانتشار العربي, الذي لم تنطلق إليه إلا من عمق محليتها المنفردة وقدرتها علي استيعاب الجميع.
رابط دائم: