علي الرغم من أن إنشاء سد النهضة قد يتسبب لإثيوبيا في إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية, وتهجير نحو30 ألف مواطن من منطقة إنشاء السد.
.. وعلي الرغم من تخوفنا مما قد يسببه هذا السد, الذي من المتوقع أن يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية من مخاطر وتحديات محتملة علي الأمن المائي لمصر والسودان فإن مصر تلوح دائما بأن حقوقها التاريخية علي نهر النيل مضمونة باتفاقيتي1929 و1959, بالإضافة لحق الفيتو علي أي مشاريع تراها القاهرة متعارضة مع مصالحها. ولكن للأسف الشئ الوحيد المؤكد حتي هذه اللحظة هو أن تلك الاتفاقيات كأنت دائما موضع جدل من قبل دول حوض النيل, خاصة إثيوبيا التي طرحت عام2010 اتفاقية تسمح لدول الحوض بتطوير مشاريع علي مجري النهر دون الحصول علي موافقة دولتي المصب, أي القاهرة والسودان...ومن الأمور المؤكدة أيضا أن هذا السد المقرر اكتماله في2017 سيفقد مصر والسودأن كمية كبيرة من المياه, تتراوح بين خمسة و25 مليار مكعب, فضلا عن نقص مخزون المياه خلف السد العالي, مما سيؤثر سلبا علي الطاقة الكهربائية المتولدة منه, بما يتراوح بين20 و40%, بحسب خبراء في مجال المياه. ويبقي السؤال... أين الوزارات المعنية التي يجب أن تتكاتف فيما بينها لحل هذه المشكلة؟.
بدأت فكرة إنشاء مشروع سد النهضة الإثيوبي في ستينيات القرن الماضي حيت قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع الجانب الإثيوبي بإعداد دراسة شاملة لإقامة سدود علي حوض النيل الأزرق, بعد عزم مصر إنشاء السد العالي. لكن دراسة المشروع توقفت نتيجة لضغوط إسرائيلية و صينية حينها, إلي أن قامت إثيوبيا منفردة بوضع خطة عام2000 لتنتهي في عام2020 بإنشاء أربعة سدود بما فيها سد النهضة ورصدت الحكومة الإثيوبية12 مليار دولار بتمويل صيني- إيطالي بالإضافة إلي منح من بعض دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لتوليد كهرباء بمقدار51 مليار ميجا-وات في الساعة يوميا وبالفعل نجحت في إقامة سدود علي بعض الأنهار الفرعية. ولذا أشار د. محمد نصر الدين علام, وزير الموارد المائية والري الأسبق, في تصريح سابق له إلي أن إثيوبيا انتهت من بناء ما بين25% و30% من جسم سد النهضة في حين أن البعد الزمني كعامل رئيسي في التفاوض لا يأخذ الاهتمام الكافي من المسئولين المصريين عن ملف سد النهضة, لأن إثيوبيا تعمل بجدية لفرض السد كحقيقة واقعة لا تخضع للتفاوض. ولذا طالب بمعالجة سريعة للتوجه المصري السياسي, وتغيير المسار التفاوضي في هذه القضية الشائكة, وخاصة أن قضية سد النهضة الإثيوبي لا تنحصر في أن السد يمثل اعتداء علي حقوقنا المائية التاريخية, وعلي السيادة المصرية فحسب, لكنها تكمن في أن آثار السد السلبية علي مصر كارثية, ولها تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية تهدد استقرار الدولة, ومستقبل شعبها. حيث يبدو أن هناك تعنتا من الجانب الإثيوبي تجاه مصر من خلال التعتيم المتعمد علي سعه السد التخزينية وعدم الإعلان عن الدراسات الحديثة الخاصة بارتفاع السد, فارتفاع السد وفقا لدراسات سابقة يقدر بنحو84.5 متر بسعة تخزينية11 مليارم3,ومن ثم فإن الحكومة الإثيوبية قد قامت بالتعاون مع شركات إيطالية بدراسة إمكانية زيادة الارتفاع و السعة التخزينية للسد ليصل ارتفاعه بناء علي ما أوصت به تلك الدراسات إلي145 مترا, بسعة تخزينية72 مليار متر مكعب. ومن المتوقع أن تعتمد الحكومة الإثيوبية في إنشائها للسد علي الإتحاد الأوروبي, أما الصين فهي التي ستمول مشروعات التوربينات, والمعدات الكهربائية بتكلفة ملياري دولار.
اعتداء علي إرث مهم
هذا وقد أكد د.عصام حجي, المستشار العلمي للرئيس عدلي منصور أن بناء سدود بدون تنسيق علي نهر النيل يعد اعتداء علي إرث مهم للإنسانية وليس فقط علي حصة مصر المائية وأشبه ذلك بالقطع العشوائي للأشجار بغابات الأمازون وآثاره التي تخطت أمريكا الجنوبية حيث أسفر عن تقليص معدلات امتصاص ثاني اوكسيد الكربون في مساحات شاسعة في أمريكا الجنوبية وفق أحدث الدراسات التي أجريت باستخدام الأقمار الصناعية. وأضاف د. عصام حجي, أن هناك آثارا للتغير المناخي متمثلة في3 نقاط هي تغير منسوب نهر النيل ودخول المياه المالحة في المناطق الساحلية في الدلتا وتغير المحاصيل الزراعية نتيجة تغير درجة الحرارة مع الانعكاسات الممكنة للتغير المناخي علي الاقتصاد المصري من هنا تأتي ضرورة البدء في تحضير أساليب حديثة لتوفير المياه وتحسين خصوبة الأراضي الزراعية والتعامل مع زيادة معدلات التصحر. فمصر تتعامل مع المتغيرات في تدفق مياه النيل نتيجة بناء السدود و آثار التغير المناخي علي أنها قضية علمية معنية بالحفاظ علي كيان نهر النيل بأكمله كمنظومة بيئية مهمة ونادرة للإنسانية و ليس علي أنها قضية مصرية فقط. ولذا سيتم تقديم دراسة تفصيلية لآثار السدود علي الموارد المائية و التوازن البيئي لنهر النيل من خلال مجموعة محاضرات مشتركة مع وزير الري د. محمد عبد المطلب خلال زيارته لفرنسا و الولايات المتحدة والتي يتم الإعداد لها حاليا.
الأمن القومي المائي
من جانبه صرح محمد محمود حمزة, الباحث السياسي وخبير الدراسات الاستراتيجية بأن ملف نهر النيل يعتبر من الملفات الشائكة والمهمة في مصر منذ عقود; خاصة بعد أن توترت العلاقات المصرية مع بعض دول حوض النيل, تحديدا في تسعينيات القرن الماضي, والتي كانت تتأرجح بين التحسن والتوتر من فترة لأخري; نتيجة سوء الإدارة المصرية لهذا الملف الذي يمثل أمنا قوميا لمصر.وعلينا أن نعلم أن مفهوم الأمن القومي المائي لا ينفصل عن مفهوم الأمن القومي. فالأمن القومي لم يعد يقتصر فقط علي الأبعاد العسكرية, ولكن شمل أيضا أبعادا غير عسكرية, مثل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد ظهر مؤخرا مفهوم الأمن القومي المائي, باعتباره أحد أبعاد الأمن لما يمثله من أهمية في التنمية وأمن الدولة نظرا لإمكانية تحقيق المزيد من الغذاء بسبل زراعية وصناعية مختلفة من خلالة. وللأسف فإن مصر دائما ما تؤكد علي حقوقها التاريخية المكتسبة; وعلي الاتفاقيات التي تم توقيعها بينها وبين دول حوض النيل عامي1929 و1959, وتتناسي أن دورها ونفوذها في القارة قد تراجع خلال السنوات الماضية, في الوقت الذي ظهر فيه دور إسرائيلي نشيط في هذه القضية. وبالتالي السؤال هو كيف سيكون الوضع, ونحن نتحدث عن واحد من أربعة سدود, مما يعني أن إثيوبيا ستتحكم في أربعة بوابات لتدفق المياه إلي باقي الدول; ومن ثم ستملك قدرة التأثير علي تدفق المياه إلي دول المصب, وخاصة مصر, والتأثير علي حصتها من المياه, وتخفيض حصتها إلي20 مليار م3; مما سينتج عنه كارثة في مصر; نظرا لاعتماد مصر شبه الكامل علي مياه النيل; مما سيكون له أثر سلبي علي الزراعة والثروة الحيوانية والتنمية, فضلا عن تأثيراته البيئية المدمرة, ودخول دول حوض النيل في صراعات وحروب علي المياه خلال فترة ملء خزان السد وهي تقدر بست سنوات سيصاحبها عجز في انتاج الطاقة المائية في مصر إلي جانب انخفاض مستوي بحيرة ناصر إلي نحو متر ومن هنا سيمثل الأمر اكبر التحديات التي تواجه النظام المصري الراهن.
وأضاف محمد حمزة, يجب أن يقوم النظام الحالي بإعادة الدور المصري في إفريقيا, من خلال رفع مستوي التمثيل الدبلوماسي, والاهتمام بالدائرة الإفريقية, واستعادة العلاقات مع دول حوض النيل كافة; والسعي لمزيد من التعاون في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية والتنموية, وتشجيع الاستثمارات في دول القارة, وخاصة دول حوض النيل, فضلا عن التعاون في المجال التعليمي. عن طريق إنشاء المدارس والجامعات بدول الحوض, وكذلك المراكز الثقافية, ومحاولة مساعدة هذه الدول وتنميتها, من خلال البعثات الصحية, وإقامة المستشفيات هناك; ولأن نهر النيل لا يتوقف; فإن المفاوضات والاهتمام المصري يجب ألا يتوقف أيضا بل يتزايد.
اتفاقية عنتيبي
من جانبه أوضح العميد سمير راغب, الخبير الاستراتيجي, أنه بعيدا عن سد النهضة, علينا أن ندرك أنه ابتداء من سنة2000 دخلنا في حيز الفقر المائي, وأصبحت حصة الفرد900 متر مكعب في السنة وهو اقل من المعدل الدولي. والمفترض بحلول عام2025 أن يصبح العجز49 مليار متر مكعب وفي2050 سيصل العجز إلي94 مليار متر مكعب مما سيقلل كثيرا من حصة مصر المقررة ومع وجود السد سيزداد الأمر خطورة.
ويضيف قائلا: بدأت أزمة سد النهضة عقب توقيع اتفاقية عنتيبي في مايو2010 وهي تنص علي إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة و التي تحفظ لمصر و السودان حصة معقولة من المياه. وقد زاد عدم توقيع مصر و السودان و الكونغو علي عنتيبي من وتيرة تصعيد الأزمة التي سرعان ما هدأت مع التغيرات السياسية عقب ثورة يناير. ولكن للأسف أعلنت إثيوبيا بناء السد الذي يهدف في الأساس إلي تحقيق نبوءة قديمة للهيمنة الحبشية علي دول حوض النيل بما فيها مصر, ومن ثم قررت إنشاء السد للتحكم في كميات التدفقات المائية علي مصر و السودان وإدخالهما في ناديالفقر المائي بحلول عام2015, مستغلة في ذلك مطامع أمريكا وإسرائيل في كسر أنف مصر واللعب علي وتر حياة و مقدرات الشعب المصري.
قام بالتوقيع علي اتفاقية عنتيبي,6 دول هي: إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي, وقد بقيت3 دول لم توقع حتي الآن وهي مصر والسودان والكونغو الديمقراطية. ومن هنا يتضح أن الأمر غير ملزم للدول غير الموقعة, كما أن الأمر برمته لا يمثل حوض النيل, بل جزءا منه فقط, وهذا الأمر له أهميته الخاصة, لأنه يعني أن هناك انقساما, مما يشير إلي أن هناك عملا عدائيا بالنسبة للدول غير ألموقعه في حالة إعلانها التضرر من هذه المشروعات. كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لعام1997 تنص في مادتها الثالثة علي إقرار الاتفاقيات القائمة وتفرد بابا كاملا للإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق وتنص علي أن التوافق هو القاعدة الرئيسية لتعديل أي من بنودها, وهذه هي بالضبط مطالب مصر والسودان. واري أنة يجب التركيز علي أننا أصحاب قضية عادلة مع توضيح الصورة كاملة للداخل المصري وللمجالين الأقليمي والدولي, وفي الوقت نفسه يجب التوضيح وإعادة التأكيد علي أن مصر تسعي للتعاون دائما ولا تقف حجرة عثرة أمام تنمية أي دولة في المنابع, بل تبحث عن الحلول الوسط وترغب في التوافق والتعاون والمساعدة سواء في قضايا المياه أو الاستثمارات أو التجارة المتبادلة أو المساعدات الفنية أو التنموية, ولكن في إطار المصالح المشتركة وليس في اتجاه واحد.
وأضاف سمير راغب, أن الأمر يقتضي التحرك بسرعة فمصر ستكون الأكثر تضررا باعتبارها دولة مصب صريحة وتعتمد علي مياه النيل بنسبة97% كما أنه لا يوجد في الأفق ما قد يعوض أي نقص من مياه النيل, فمصر مادامت تعترض فذلك دليل علي أن هناك خطورة والدليل أنها لم تعترض علي أنشاء سدي أوغندا والسودان وبالتالي تسعي بلادنا للتعاون وليس للتصادم. وبالتالي يجب أن تقوم مصر باتخاذ الإجراءات الصارمة المطلوبة في هذا الملف الشائك.
وأخيرا أكد مغاوري شحاتة, خبير المياه ورئيس جامعة المنوفية الأسبق ضرورة وجود وزارة فيدرالية للنظر في إعادة توزيع الحصص بين دول حوض النيل حيث إن مبادرة حوض نهر النيل أقرت في اتفاق عنتيبي إنشاء مفوضية تقوم بدور تلك الوزارة للنظر في هذا الشأن. فمصر لديها مخاوف حقيقية ومشروعة وتعاني من فقر مائي بالفعل ولذا يجب مراجعة التصميمات من خلال تقرير اللجنة الثلاثية وإقناع الجانب الإثيوبي بها.
رابط دائم: