أحمد الجارالله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية واحد من رموز الصحافة العربية التي فرضت حضورها في المشهد الإعلامي العربي بفعل امتلاكه قدرا كبيرامن الرصانة المهنية والخبرات المتراكمة والاتصالات مع مصادر رفيعة المستوي مما جعله خزانة زاخرة بالأسرار والتجارب والرؤي الواقعية..
لكن الأهم من كل ذلك, هو أنه عاشق لمصر بكل ما تعنيه هذه المفردة من معان ودلالات وظل مرتبطا بها حتي في ظل فترة المقاطعة العربية لها بعد التوقيع علي اتفاقية كامب ديفيد وقد تتفق أو تختلف مع توجهاته السياسية الا أنك لاتمتلك عندما تجلس اليه إلا أن تحبه من فرط بساطته في مكوناته الانسانية ومهارته في احتوائك فتشعر أنك تعرفه منذ سنوات طويلة وقد شرفت بمحاورته حول انطباعاته عن العلاقات المصرية- الكويتية قبل وبعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمون وبعض القضايا الأخري ذات الصلة بالأوضاع في مصر ومنطقة الخليج.
كيف تفسر المخاوف الكويتية خاصة والخليجية عموما من صعود تنظيم الإخوان المسلمين والإسراع بالترحيب بسقوطهم في مصر متجليا ذلك في تقديم دعم مالي وإسناد سياسي لحكومتها الجديدة؟
لقد كانت العلاقات المصرية- الكويتية قبل وصول تنظيم الإخوان المسلمين الي الحكم بالغة التطور وهو ما كان ملحوظا في حجم ونوعية الاستثمارات والمشروعات الضخمة المنفذة داخل مصر ولكن بعد أن تمكنوا من السلطة مارسوا عملية منهجية لتعكير صفو المزاج السياسي مع الكويت شعبيا ورسميا وبات الأمر بالنسبة لها مخيفا خاصة مع بدء ظهور الخلايا النائمة للتنظيم وللجماعات المتحالفة معه سواء في الكويت أو في دول خليجية أخري والذين بدأت تشرئب أعناقهم مع نجاح تيار الاسلام السياسي في مصر بقواه المختلفة وأخذوا يتحدثون عن ربيع في الكويت والسعودية والإمارات متزامنا حسب تصورهم مع اندلاع الربيع في مصر الذين قام الإخوان بسرقته ثم انتهي الأمر بسقوطهم.
وقد دفعت هذه المعطيات معظم دول مجلس التعاون بنخبها السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الي التوجس خيفة من وجود جماعة الإخوان في السلطة والذين أعلنوا عن تبنيهم سياسات وتوجهات رجعية تنمتي الي العصور السحيقة وتخاصم الحداثة سعيا الي تحقيق مطامعهم واستكمال سيطرتهم علي المنطقة من خلال رفع رمح الدين.
ولاشك أن تنظيم الإخوان كان متمكنا من عصب أكثر الدول الخليجية وكانت عناصره منتشرة في المراكز الحساسة ولم يكن أحد بوسعه أن يظهر مخاوفه منهم بشكل علني أو مباشر ولكن بعد وصوله الي مصر وظهر جليا مشروعهم للتمكين من مفاصلها تجلي الخوف منهم سواء من قبل النخب الحاكمة مثلما حدث في الإمارات والتي كشفت سلطاتها الأمنية عن خلية إخوانية كانت تخطط لقلب نظام الحكم رغم أنها كانت ملمة بأطرافها من قبل ولكنها لم تكن نشطة قبل صعود الجماعة في مصر الي السلطة.
في ضوء المساعدات الخليجية التي قدمت بالفعل لمصر والاستثمارات المتوقعة خلال المرحلة القادمة.. ماالذي تراه مطلوبا من حكومتها لجذب المزيد من الاستثمارات؟
لاشك أن مصر تمتلك فرصا اقتصادية واستثمارية واعدة ولكنها تفتقر غياب مهارات تسويقها وفي تقديري فإنها في حاجة الي قوانين وتشريعات جديدة للاستثمار بعد أن ترهلت القوانين والتشريعات الحالية ولم تفلح في اجتذاب الاستثمارات سواء العربية أو الأجنبية علي النحو الذي يتوافق مع حجم مصر ومكانتها هذا أولا أما ثانيا فهي في حاجة الي قضاء تجاري نشط حيث لاينبغي إحالة قضايا بمليارات الجنيهات أو الدولارات الي القضاء الطبيعي الذي قد لايدرك أصول المحاسبة خاصة عندما يكون هناك خلافات بين شركات ومؤسسات أجنبية وهنا يكون من الصعب علي القاضي الطبيعي التمييز بين ما هو جنائي وما هو اقتصادي والآخير ينطوي علي معطيات عدة لايملك القدرة علي تصنيفها.
ثالثا: أن مصر باختصار في حاجة الي ثورة شاملة علي القوانين الاستثمارية وذلك يستوجب وجود قيادة تمتلك كاريزما قوية حتي يكون بمقدورها أن تجابه التحديات والصعوبات الاقتصادية الهائلة مثلما فعلت الأرجنتين والتي عانت قبل سنوات من أزمات أودت بها الي الاقتراب من حالة الإفلاس ثم جاءت قيادة قوية بعد انتخابات شفافة نجحت في دفع البلاد الي تجاوز هذه الأزمات واستعادة عافيتها الاقتصادية وذلك بالتمام والكمال ماتحتاجه مصر حتي تسترد وضعيتها القوية علي الصعيد التنموي ودورها الأقليمي المحوري.
خلال زيارتك الأخيرة للقاهرة التقيت الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة فكيف قرأت شخصية الرجل والذي ترشحه الدوائر الشعبية لتولي منصب رئيس الجمهورية؟
قبل فترة زارتنا في الكويت شخصية عسكرية رفيعة المستوي وسألتها عن أسباب اختيار الرئيس المعزول محمد مرسي للسيسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة فعقب بقوله: هذه إرادة آلهية فالله يعز من يشاء ويذل من يشاء وحتي وصول الإخوان الي السلطة وسرقتهم الحكم كان أشبه بعقوبة إلهية في الدنيا وقد تمتد الي الآخرة بعد أن تكشفت حقيقتهم وإجابة عن سؤالك أقول إن السيسي بدا لي- خلال اللقاء والذي استمر لفترة طويلة قائدا يمتلك رؤية اقتصادية وسياسية ومجتمعية ومتابعا بعمق لمشكلات ومعضلات بلاده والتي يري أنها بدأت في عقب هزيمة يونيو1967 وتم التعامل معها بالمسكنات وليس بمشرط الجراح وهو ما كان مطلوبا, إضافة الي ذلك فإن السيسي يمتلك القدرة علي استعادة التوازن في التعامل مع الأطراف الاقليمية أو الدولية.
هل أفهم من ذلك أن دول الخليج ترحب بتولي السيسي منصب رئيس الجمهورية في مصر؟
بكل تأكيد, وثمة قناعة قوية لدي أغلبيتها بأن يمكنه أن يقدم الكثير لتطوير وتفعيل العلاقات مع دول مجلس التعاون والتي أبدت استعدادها لتقديم كل الإسناد لمصر والذي بدأ بالفعل خلال الأشهر القليلة الماضية ولعل ما أبرزه السيسي من خلال الفترة الماضية من قدرات تجسدت في الانحياز للشعب في ثورته ضد نظام حكم الإخوان وتفويضه في محاربة الإرهاب وصولا الي إحالة الرئيس المعزول محمد مرسي الي المحاكمة وفق القوانين الطبيعية يؤكد أن الدولة المصرية لديها رجال بوسعهم تجنيبها عثرات كثيرة وهو ما حدث بالفعل.
لكن ثمة من يعتبر وصوله الي الرئاسة عودة لحكم العسكر في مصر؟
هذا غير صحيح فالرجل عندما سيتقدم بترشيح نفسه للرئاسة سيتخلي بالتأكيد عن بزته العسكرية مثلما حدث مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك فيما بعد ولاتنس أن ذلك حدث في أعتي الديمقراطيات فالرئيس الأمريكي الأسبق ايزنهاور انتخب رئيسا بعد عودته من الخدمة قائدا لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية والجنرال شارل ديجول قائد المقاومة الفرنسية في مواجهة الاحتلال الألماني انتخب رئيسا لبلاده في ستينيات القرن الفائت.. كان كل هؤلاء من ذوي الخلفية العسكرية ولم يقل أحد انهم عندما تولوا السلطة في بلادهم كانوا يجسدون الحكم العسكري فهم جاءوا وفق نتائج صناديق الاقتراع.
الي أي مدي تعتقد أن دول مجلس التعاون بمنأي عن تداعيات ثورات الربيع العربي؟
لا أظن أنها قابلة لتكرار هذه الثورات فيها فهي لاتكابد مشكلات الاستبداد السياسي والفساد المالي الفاحش وغياب العدالة الاجتماعية كما أنه يتوافر بمعظمها مناخات ديمقراطية وهامش الحرية فيها خاصة في الكويت بلغ مدي واسعا وصل حد اسقاط الحكومات والوزراء من خلال استجوابات قوية.
بهذه المناسبة.. كيف تفسر العلاقة الملتبسة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت؟
ثمة خلل كان واضحا في التركيبة البرلمانية نتج عن تطبيق التصويت في الانتخابات لأربعة مرشحين وهو أمر غير متاح في أي دولة أخري في العالم الأمر الذي أسهم في تنامي ظاهرة شراء الأصوات وخلق تكتلات وتحالفات غلب عليها الطابع الديني خاصة عناصر الإخوان المسلمين وحلفاءهم وكثيرا ما كان يبلغ عددهم في مجلس الأمة ثلاثين نائبا الأمر الذي كان يمكنهم من ممارسة سياسة الابتزاز ضد الوزراء ومناوئيهم من النواب الذين لايتجاوبون معهم واللافت أنهم خلال ثورات الربيع العربي رفعوا رءوسهم أكثر وبدا واضحا أنهم طلاب سلطة وهو ما رأت معه القيادة الكويتية أنه مسار خاطئ ودفعها الي التفكير في ضرورة تغيير هذا المسار فأجرت استشارات مع أطراف محلية واقليمية ودولية ورأت من الضروري تبديل النظام التصويتي عبر الاقتراع بالصوت الواحد والذي جرت الانتخابات الأخيرة في أغسطس الماضي بمقتضاه مما أسفر عن مجلس أمة مغاير ولاحظنا علي مدي الأشهر القليلة الماضية خفوتا في حدة التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وإن كان البعض ما زال يطرح الاستجوابات كآلية لمراقبة الحكومة ولكن ليس بالحدة التي كان عليها الأمر في السابق مما أتاح للحكومة أن تعمل في تنفيذ مشروعاتها دون إعاقة من أحد مثلما كان يحدث في الماضي.
كيف تنظر الي العلاقات الخليجية- الإيرانية وهل لديكم توجه في المنطقة الي اعتبار ايران عدوا؟
نحن نتمني اقامة أوثق العلاقات مع الشعب الإيراني الذي نكن له كل الاحترام وهو نفسه يتطلع الي التعاون بإيجابية مع دول مجلس التعاون لكن المعضلة أننا نظام يحكم في طهران للأسف مازال يتعامل مع المنطقة بقدر من سوء الطوية.
حتي بعد انتخاب حسن الروحاني رئيسا لأيران وأبدائه لتوجهات إيجابية تجاه منطقة الخليج؟
هو يقول كلاما والمتشددون يتبنون أطروحات مغايرة.
لكن هناك تقاربا أمريكيا مع إيران فهل تخشونه ؟
بالتأكيد دول مجلس التعاون علي دراية كاملة بأبعاد هذا التقارب ولو أقدمت الولايات المتحدة عليه بدون أن تحيط هذه الدول علما به لاعتبر الأمر نوعا من الخيانة للتحالف الاستراتيجي بين الجانبين الخليجي والأمريكي وإضرارا بمصالح دول المنطقة ولا أعتقد أن أمريكا ومعها الاتحاد الأوربي يمكن أن تضحي بعلاقاتها وتحالفها مع دول الخليج لصالح إيران.
رابط دائم: