رئيس مجلس الادارة

عمـر سـامي

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

د‏.‏أحمد زايد أستاذ الاجتماع السياسي‏:
قانون التظاهر سيحول الغوغائيةالشعبية إلي سلوك حضاري

‏ حوار‏:‏ صلاح غراب
يا لعظمة الشعب المصري‏,‏ يظل هادئا كصفحة النيل‏,‏ ولكنه عندما يثور‏,‏ يصبح داهسا كأقدام الفيل‏,‏ يكسح كل شيء أمامه‏,‏ كالموج الهادر‏,‏ والطوفان الجارف‏,‏ لا يبقي ولا يذر‏.‏ فبعد ثلاثين سنة‏,‏

 انتفض الشعب المصري وثار علي الظلم والطغيان, ولم يقبل الضيم والإفساد, ولم يرض بالاستكانة والعبودية. بعد ثلاثين سنة, ألجأ الشعب المصري رئيسين ليقفا خلف القضبان, ليحاكما بتهمة قتل المتظاهرين, وتهم أخري. إنه شعب يستحق حياة كريمة أكثر من التي يحياها بعد ثورتين عظيمتين. عن الثورة, وما حدث للمجتمع المصري, والإخوان المسلمين, وكيف عاندوا حركة التاريخ فلفظهم, كان هذا الحوار مع د. أحمد زايد, أستاذ علم الاجتماع السياسي, وعميد آداب القاهرة السابق.


هل تعد الثورات العربية تحولا مجتمعيا أم ماذا؟
لا تزال الثورات العربية تراوح مكانها, فليس هناك إحساس بانتقال الروح الثورية من الميادين إلي نفوس البشر وطرائقهم في الحياة. وإذا ركزنا الحديث عن مصر, فإننا نجد أن الثورة قد هزت المركز, وأظهرت تفكك النخب واختلافها, وخلقت حالة عراك متعدد الأطراف والمستويات بين النخب السياسية التي نجح بعضها في أن ينزل بخلافه إلي أسفل لدي قطاعات من الشعب. وفي هذا السياق, لا يمكن القول إن الثورات خلقت تحولا, فلا تزال المجتمعات التي قامت بها الثورات كما هي لم تمس, بل إن الثورات أضافت لها هذا النوع من التفكيك والعراك الذي أشرت إليه. ولذلك, فإن الثورات العربية حتي الآن هي ثورات تفكيكية, وليست ثورات تمكينية تجميعية, وهي تحتاج إلي أن تولد من داخلها وعيا تجميعيا ناظما للحياة الأكثر تكاملا واستقرارا. وإنني أنظر إلي العودة الثورية في30 يونيو في مصر, ووقوف الجيش في صف الشعب علي أنه صورة باهرة لهذا الوعي التجميعي التمكيني. إن هذه الموجة الثورية الثانية أعادت للثورة زخمها, وأعادت الوعي الثوري الحقيقي الذي كان قد تم استلابه من قوي رجعية وغير ثورية أسهمت بسياساتها في خلق مزيد من الانقسام والتفكيك.
من الملاحظ أن الموطن العادي أصبح لا يخاف بطش السلطة بعد الثورة.. ماذا حدث في التركيبة النفسية للمصريين؟
لا أظن أن التركيبة النفسية للمصريين قد تغيرت, فهذه التركيبة لا تتغير إلا عبر فترة طويلة من الزمان, ولكن الذي تغير هو الظروف المحيطة بهذه التركيبة, فقد أدت ظروف الثورة إلي أن يشعر الإنسان العادي بأن لديه قوة يمكن أن تستخدم, وأن حواجز السلطة هذه ليست بالقوة التي تظهر خارجها. فإذا كان الشعب قادرا علي إزاحة رئيس بقوة حسني مبارك, وعلي إزاحة جماعة بقوة الإخوان المسلمين, إذن فهو قادر علي إزاحة أي سلطة أخري. ومن هنا, فقد انزاح عن نفسه هذا الخوف من السلطة, وأصبحت قوة الشعب وقوة الجماهير في كفة, وقوة السلطة الرسمية في كفة أخري.
ما أسباب انتشار العنف في مصر بعد الثورة؟
رغم أن المجتمع المصري يمر بظروف ثورية, فإن معدلات العنف فيه لا تزال قليلة, مقارنة بمجتمعات أخري مثل الولايات المتحدة الأمريكية, وجنوب إفريقيا, ومجتمعات كثيرة في آسيا, وإفريقيا, وأمريكا اللاتينية. ومع تأكيد هذه الحقيقة, إلا أن البحوث قد أكدت زيادة معدلات العنف بعد الثورة, وأرجعت هذه البحوث أسباب ذلك إلي عاملين رئيسيين: الأول هو غياب سلطة الأمن, والآخر هو زيادة المطالب الفئوية والاجتماعية للناس الذين حرموا لفترات طويلة من الحصول علي حقوقهم. لقد أدت ظروف عدم الاستقرار فيما بعد الثورة إلي أن تتجرأ بعض الفئات التي تخاف الشرطة والسلطة إلي الخروج, وإلي تحدي هذه السلطة بأشكال عديدة مثل التعدي علي حرمة الشوارع, والاعتداء علي الأراضي الزراعية, وحتي الاعتداء علي أمول الدولة داخل المصالح الحكومية, وانتشار صور البلطجة, والسرقة بالإكراه.. كل هذه مظاهر عنف جديدة ترتبت علي ظروف عدم الاستقرار التي أشرنا إليها.
ما رأيك في القانون الذي يزمع مجلس الوزراء إصداره لحماية كبار المسئولين, والمعروف بقانون حسن نية المسئولين ؟
لا داعي لهذا القانون, فالمسئول يجب أن تكون لديه الإرادة والشجاعة في إصدار قرارات يكون مسئولا عنها دون خوف أو تردد, ولا مجال هنا لسوء النية أو حسن النية. فمادام هذا الشخص المسئول لا ينوي فسادا, ولا يسعي إلي ظلم أحد, فيجب ألا يتردد في إصدار قراراته, وأن يتحمل نتائجها, مهما تكن الظروف, فالأيدي المرتعشة لا تصنع تاريخا.
- يري البعض في قانون تنظيم التظاهر ردة للوراء, ونكوصا عن أهداف الثورة.. ما رأيك؟
علي العكس من ذلك, فإنني أري في قانون التظاهر تقدما إلي الأمام, ذلك أن تنظيم عملية التظاهر يعكس وعيا حضاريا وحداثيا. فكل الشعوب المتحضرة تنظم عملية التظاهر, فتحول الغوغائية الشعبية إلي سلوك حضاري منظم, وإلي سلوك تحترم فيه الآراء والتوجهات المختلفة, ويحترم فيه النظام والقانون. إن من يعارض قانون التظاهر لا يفهم جيدا طبيعة الديمقراطية الحديثة ومتطلباتها.
كيف تنظر إلي القوي الثورية كحركة6 أبريل, وبعض القوي التي تدور في فلك الإخوان الآن؟
لا شك في أن حركات الشباب هي حركات مهمة, وتعكس اهتمام الشباب المصري, وتطلعهم الي مستقبل أفضل, ولكن الدوران في فلك الإخوان يعكس عدم قدرة علي فهم السياق السياسي, وعدم قدرة علي فهم طبيعة المشكلات التي تترتب علي خلط الدين بالسياسة بالطريقة التي يفكر بها الإخوان, وأكثر من ذلك عدم قدرة علي فهم المخاطر التفكيكية التي يتعرض لها المجتمع المصري جراء هذه النزاعات المتطرفة. ولذلك, فإن هذه الجماعات والحركات يجب أن تدرك أن الموقف الراهن هو موقف يتعلق بالوطن, وأن الاختيار هو اختيار بين الوطن ومن يعاديه, بين الوطن والفرد أو الأفراد. ولذلك, فإن علي هذه الجماعات أن تولد من داخلها قدرة علي النقد والتأمل الذاتي والمراجعة, وأن تبتعد عن مصادر التطرف والغلو في الرأي, وأن يكون لها القدرة علي احترام الرأي الآخر والتعامل معه.
- كيف تفسر سلوك جماعة الإخوان, وإنكارهم لما حدث في30 يونيو, وأن هذا انقلاب؟
من الطبيعي أن يظهر الإخوان المسلمون رد فعل عنيفا, ذلك أنهم عجزوا عن قراءة المتغيرات داخل المجتمع المصري, وعلي المستوي العالمي, فقد ظنوا أن وصولهم للحكم, من خلال صندوق الانتخاب, يعني امتلاك السلطة الكاملة لإنفاذ إرادتهم, حتي ولو كانت ضد إرادة الشعب, ولذلك فإنهم غضبوا غضبة شديدة عندما أزاحهم هذا الشعب عن سدة الحكم بعد عام واحد. من الطبيعي إذن أن ينكروا ما حدث, وأن يصفوه بأنه انقلاب, وأن ينكر رئيسهم شرعية التغيرات التي حدثت في مصر. وكل هذه السلوكيات تضاف إلي ميراثهم من الجمود, وعدم المرونة, وعدم القدرة علي قراءة التاريخ, هذا التاريخ الذي يعد أقوي من الإخوان ومن أي فصيل آخر يقف ضد حركته.
من الغريب أن الإخوان المسلمين أنفسهم لم يطلبوا مصالحة مع الدولة, ورغم ذلك نري بعض الوسطاء يتوسطون لإجراء مصالحة بينهم وبين الدولة.. كيف تري هذا الأمر؟
أنا لا أري أهمية للوساطة بين الإخوان المسلمون والدولة. ذلك أن الإخوان المسلمين قد اختاروا لأنفسهم طريقا يضعهم في عناد وصراع مع التيار الرئيسي الذي يسود المجتمع, فهم في صراع مع المجتمع, وليس مع الدولة فقط, وهذا الصراع يضعهم في مأزق حقيقي, لا يمكن لأي وساطة أن تحله, لأنه ليس صراعا بين طرفين متوازنين, بل صراع بين تيار رئيسي كبير وعدد قليل من الإخوان وأنصارهم, إنه صراع بين الوطن ومن ينكر الوطن, بين المجتمع كله وفئات قليلة متطرفة. لا وساطة هنا, ولا تصالح, إنما الاستمرار إلي الأمام في تيار رئيسي يستوعب كل من يدخل فيه, ويلفظ كل من يعتدي عليه.
- كيف تحلل موقف الدكتور البرادعي, واتهام البعض له بأنه قفز من المركب, وتخلي عن الدولة في وقت حرج؟
الدكتور البرادعي كادر مهني دولي عمل لفترة طويلة كرئيس لهيئة الطاقة الذرية, وله صلات عميقة بالغرب, ولكنه ليس له دراية كاملة بمشكلات مصر, وطبيعة التفاعلات الاجتماعية المعقدة في المجتمع المصري. ولقد تصادف أن تأتي نهاية مدة خدمته في هيئة الطاقة الذرية مع بواكير ومقدمات الحراك السياسي المصري الذي أدي إلي قيام الثورة, ولذلك فإن دخوله إلي الحلبة السياسية المصرية لم يكن- من وجهة نظري- دخولا طبيعيا, وإنما كان دخولا بالمصادفة, فلم يكن له أن يلعب أي دور لو أنه كان مستمرا في منصبه السابق. ولذلك, فإن وجوده في الحلبة المصرية قبل الثورة وبعدها, وحتي وجوده في الحركة الثورية الثانية, كان وجودا غريبا. ولذلك, فإن غيابه عن الساحة لا يمثل قفزا من المركب, أو تخليا عن الدولة في وقت حرج, كما يقال, وإنما هو خروج لطرف كان دائما غريبا في الموقف, فقد جاء غريبا, وحل غريبا, وذهب غريبا.
كيف تري مستقبل جماعة الإخوان المسلمين بعد الحكم بحظر أنشطتهم وتجميد أموالهم؟
لقد كتبت مقالا في الحياة اللندنية, ذكرت فيه عددا من السيناريوهات أمام الإخوان المسلمين في ضوء أزمتهم الراهنة. ومجمل القول إن هذه الأزمة سوف تجعل المستقبل أمام الجماعة وتنظيمها صعبا, فقد دخلوا في صراع هذه المرة مع المجتمع, وأبانوا عن نياتهم الحقيقية, وحرقوا علم مصر في الميدان. إن حرق العلم فيه دلالة علي حرق الوطن, ومن يحرق الوطن يحرق نفسه. فأين يذهب من يضحي بالوطن بهذا الشكل؟, أي أرض تستوعبه إلا أرض الأعداء؟. إن المستقبل ملئ إذن بالصعوبات والمشكلات, وأن علي جماعة الإخوان استحقاقات مهمة, لكي يعيدوا تكيفهم مع المستقبل. عليهم مراجعة كثير من أفكارهم, وعليهم مراجعة أساليبهم في الحياة, وفي ممارسة السياسة. ولا أظن أن وطنا يحرق علمه علي الملأ يمكن أن يتقبلهم بسهولة, إن عليهم أن يعيدوا للعلم كرامته, وأن يعتذروا علنا عن أفعالهم, وأن يعيشوا كما يعيش الناس, ويفكروا كما يفكر الناس, وأن يتركوا المجتمع يبني نفسه, ويستعيد عافيته, فقد فشل مشروعهم ومسعاهم.
هل لا يزال للإخوان أو ما تبقي منهم تأثير في الجماهير؟
لقد فقد الإخوان الكثير من تأثيرهم في الجماهير, فقد كان تأثيرهم يعتمد في الماضي علي مظاهر الإحسان, المتمثلة في تقديم الأغذية والسلع التموينية للأسر الفقيرة, وكان هذا التأثير يرتبط بسلوك مصلحي يستهدف بالأساس استغلال الفقراء في حشد الدعم لهم, من خلال الوصول إليهم عبر معدتهم, وليس عبر عقولهم. ولقد تغير هذا الوضع كثيرا بعد الأحداث الأخيرة التي تأكدت من خلالها صورة مختلفة للشخص الإخواني. فلم يعد هذا الشخص الذي يقدم المساعدة, أو الطعام, وإنما هو الشخص الذي يدخل في دائرة الإرهاب والعنف, ويقتل من أجل تحقيق مصالحه, ويهدم الوطن بحرق العلم. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلي أن يفقد الإخوان جماهيريتهم وتأثيرهم, بل إنه يعمق من المشاعر العدائية تجاههم, ويخلق وعيا نحو فهم أهدافهم فهما حقيقيا.
هل تري أنه من الممكن إقصاء الإخوان عن طريق الحل الأمني فقط ؟
إن تنفيذ القانون أمر مهم بالنسبة لأي شخص يقف ضد المصلحة العليا للمجتمع, أو تعطيل أمور البشر, أو الاعتداء عليهم. أما فكرة الإقصاء, فهي فكرة مرفوضة لأي فئة. يجب دائما فتح التيار الرئيسي في المجتمع إلي استيعاب كل القوي والتيارات, شريطة أن يكون لديهم جميعا ميل نحو الاتفاق والتوافق, ونحو ممارسة الديمقراطية علي أسس من الاحترام والعدل.
يستدعي الكثيرون شخصية الزعيم عبد الناصر, فهل تري أن الفريق السيسي نجح في تقديم نفسه في صورة الزعيم عبد الناصر, عندما انحاز للإرادة الشعبية؟
الفريق السيسي قائد مخلص, وهو مصري وطني, مثله مثل كل زعماء مصر الوطنيين. وقد قام بدور وطني كبير, إذ انحاز بالجيش إلي صفوف الشعب, وأنجز مهمة تاريخية مهمة ترتبط بتصحيح مسار الثورة بمساندة التيار الرئيسي في المجتمع الرافض للاستبداد, والتحكم, والإقصاء والانقسام. ولقد تطلع الشعب إليه وأيده, لأنه أيد الشعب, وانحاز له. إن الفريق السيسي لم يقدم نفسه, ولكن تفاعله مع الأحداث وقراراته الحاسمة وإرادته الصلبة هي التي قدمته, وجعلته قائدا يتطلع الناس إلي زعامته وحكمته. وأحسب أن ثمة شعورا عاما لدي الناس بصدق الرجل, وحسن نياته, ووطنيته, وإخلاصه, وأظن أن الشعب يتطلع إلي شخصية مثله لقيادته في المرحلة المقبلة, شخصية أفرزتها الأحداث وتفاعلاتها, وأظهرت قدرة فائقة علي الحسم, والحزم, والصدق في القول والعمل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق