حيث حرص محسن عبد العزيز على نقل (الشهادة ) وتسجيلها فى فترة من اهم فترات تاريخنا فى العصر الحديث، فقد حرص الكاتب منذ البداية ان يقترب من المصادر الحية واعيا للربط بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية مستفيدا بدأب من محاورة عدد كبير ممن عاشواهذاالتاريخ واسهموا فى صناعته ..ونظرة عامة الى هذه الشهادات يمكن ان نقترب اكثر حين نلحظ تباين الشخصيات وحضورها فى آن واحد ، فنحن امام ذاكرة حية اسهمت فى صناعة التاريخ ، نحن امام مصادر حية :المشير عبد الغنى الجمسى واللواء ياقوت حسين والمستشار النووى عصمت زين الدين والوزير احمد طعيمه وجيهان السادات ويحيى الجمل وحامد السايح وفكرى مكرم عبيد ثم نجييب محفوظ ... وغيرهم
وعلى هذا النحو ، سعى المؤلف الى البحث عن الاجابات اليقينية ليس من بطون الكتب ومذكرات السياسيين فقط لكن الاقتراب من عديد من هذه المصادر الذين شاركوا الرئيسى جمال عبد الناصر والسادات حكم مصر فى هذه الفترة المهمة من تاريخنا مرورا من هذه الفترة الكاشفة من تاريخنا الحديث حيث تجمعت دوائر الضباب فى الاسئلة المعلقة ( كيف اخطأ رجل بحجم عبد الناصر ؟ وكيف مر السادات من عصر الانفتاح الى اعتقالات بداية الثمانينات ؟) وعلى سبيل المثال يتوقف المحاور هنا عند قائد القوات الجوية اللواء مصطفى الحناوىللبحث عن اسباب نكسة 67 وهو يقترب من اسباب الهزيمة فيقول» بعد ان حققنا مع 400 ضابط من جميع الاسلحة واطلعنا على جميع المحاضر بين عبد الناصر وقادة القوات المسلحة قلنا للرئيس جمال عبد الناصر فى تقرير رفعناه اليه : ان القرار السياسى بسحب قوات الامم المتحدة جانبه التوفيق وان القوات المسلحة لم تكن على درجة الاستعداد اللازمة للمعركة» ؛ وفى موضع اخر - يضيف السفير الفقى - ان « نقطة ضعف عبد الناصر الرجال الذين يثق بهم والمفاجأة الاكبر – يضيف هنا ان الخبراء السوفيت كانوا يبلغون الاسرائليين بكل طلعاتنا الجويية «!!!
وعلى سبيل المثال فقد لاحظ لمشير الجمسى فى موضع آخرما جعله يبكى عقب حرب 1973 بعد ان حضر اجتماعا بين السادات وكيسنجر وزير الخارجية امريكا بعد نصر اكتوبر فقد « تذكرت دماء الشهداء والتضحيات الكبيرة التى بذلت لنقل قواتنا الى شرق القناة ، فمنذ هذه اللحظة اصبح هناك سادات اخر..زعيم منتصر واثق من نفسه..ومن الآن سوف ينفرد بالقرارات..انها لعنة الزعامة ..(و).. بعد ان اصبح زعيما خاصة بعد حرب اكتوبر- لم يكن يحتاج لشىء ممن حوله ؛ كان يستمع الى الآخرين حتى تحقق النصر، لكنه اصبح زعيما، ولم يعد بحاجة للرجال، ومنذ هذه اللحظة بدأت الهزائم « وهوماتمثل خاصة فى الشروط المجحفة فى كامب ديفيد واحداث يناير 77 فاعتقالات سبتمبر حيث اغتيل الرئيس الملهم « ولم يرتد القميص الواقى » فقد اصبح زعيما..ومن هنا يأتى الموت والهزائم ..
انها نتائج من بدايات الرئيس الجديد وتعاظم العظمة لدية ليصبح رمزا آخر.. وهومابترجم الموقف من التقاليد العسكرية الى الشخصيات الادبية حيث يقترب نجيب محفوظ بمواقفه الى موقف جديد ..
ونعبر الشهادات الحية من القوات المسلحة الى الادب ، ليتمهل عند نجيب محفوظ خاصة ان عميد الادب العربى كان يحمل الكثير من القضايا التى تغاير الكثير من كتاب عصره ، لقد اكد بوضوح شديد منذ البداية انه غير مختلف مع عبد الناصر فى عديد من القضايا التى عرض لها مثل الوحدة العربية والعدالة الاجتماعية .. الى غير ذلك لكن – يضيف صاحب نوبل هنا – ..انه رغم اتفاقه فى كثير من قضايا الثورة مع الزعيم ؛ لكن « كنت اتمنى من جمال عبد الناصر ان يكون همه الاول ترتيب البيت من الداخل « لقد تسلم قيادة شعب أعداؤه الجهل والفقر والمرض بالاضافة الى الديكتاتورية، وكنت اتمنى ان تكون سياسة عبد الناصر الخارجية تابعة لسياسته الداخلية..(و).. وايضا فانا اؤيد الوحدة العربية وارى ان علينا ان نبدأ بالوحدة الثقافية او الاقتصادية ونؤجل الوحدة السياسية الىمابعد ذلك، اذن فأنا متفق مع معظم مبادىء عبد الناصر لكنى مختلف مع بعض اساليب تنفيذها..
لقد حرص محسن عبد العزيز هناعلى دائرة الحوار الأيجابى الذىبدا اقرب الى الاعتراف الفكرى والسياسى عبر طرح السؤال وتسجيل الاجابات والوعى الايجابى فى الربط بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية فضلا عن افادته – وهو يعمل فى مجال الصحافة ..- فى تسجيل هذه الاعترافات بشكل اقرب الى «الريبورتاج» فى الصحافة مستفيدا بادوات الكلمة المقروءة وتجلياتها ..وهومايشير فى السياق الاخير الى التأنى عند اعترافات اقرب الى الشهادات الدالة هنا والآن..فى الصحافة وخارجها ..
الكتاب: عبد الناصر والسادات –
المؤلف : محسن عبد العزيز
عواصف الحرب والسلام
الناشر :مكتبة جزيرة الورد، القاهرة 2015