محليا، أدى ذلك إلى فقدان هيبة وزارة الخارجية، مما دفع بالسلك الدبلوماسى -وزارة الخارجية - إلى أكبر أزمة فى تاريخها الحديث ،فمع تراجع تأثيرها ونفوذها انخفضت حصة وزارة الخارجية البرازيلية فى ميزانية الحكومة، إلى النصف . مما أثار سخط العاملين فى الوزارة والمهتمين بالسياسة الخارجية ، بالإضافة إلى مواجهة المشكلات داخل الوزارة، بما فى ذلك عدم رضا الدبلوماسيين الشباب عن تجميد مسيرتهم المهنية ،كما سجلت البرازيل العام الماضى أسوأ نتيجة لها فى ميزانها التجارى منذ 1998- وتراجعا على المستوى الجيوسياسى، وخارجيا شهدت البلاد تراجعا إلى حد كبير من على المسرح العالمى.
وعلى الرغم من تعيين وزير خارجية جديد يأمل المراقبون فى أن ينتهج سياسة جديدة فإن الخبراء يرون أن العودة للعب دور على الساحة الدولية، يعتمد بشكل أساسى على استعداد ديلما روسيف.
فقد رضيت الرئيسة البرازيلية بتغيير الاتجاه فى المجال الاقتصادى، وعليها ان تفعل الشىء نفسه على صعيد السياسة الخارجية .
ويوضح الخبراء أن الدبلوماسية البرازيلية لم تختلف كثيرا فى السنوات الأولى من حكم ديلما روسيف عن سابقيها، حيث أبقت روسيف على القضايا المركزية من دون أى مساس ، منها ، السعى للعلاقات الطبيعية وليست العدائية مع الولايات المتحدة. ،و التعاون الفعال مع الدول المجاورة فى محاولة لتحويل أمريكا الجنوبية إلى فضاء جيوسياسى خاص ،والتوجه لليسار،وأيضا التزام لا رجعة فيه فى المجالات الدولية بشأن التجارة الحرة وحقوق الإنسان والبيئة، والمالية، ومنع الانتشار النووى ،بالاضافة إلى التركيز على تطوير تحالفات قادرة على تحدى وجهة النظر الشمالية حيال طريقة الحكم العالمى بصورة معتدلة دون الصدام مع هذه الدول.
ويشيرون إلى أنه خلال فترة الولاية الأولى لروسيف كانت هناك أسباب تتعلق بالسياسة الداخلية جعلت ديلما لا ترى فى دبلوماسية السياسة الخارجية أداة لكسب السلطة فى الداخل ، ولذلك أعطتها اهتماما محدودا، حيث اعتبرتها مجرد وقود منخفض التكلفة للحفاظ على القوة الشعبية لحزب العمال والإبقاء على الحركات الاجتماعية بطاقتها ونشاطها المعروف. إن الأسباب الرئيسية لعدم مواصلة روسيف للسياسة المعتمدة من قبل لولا داسيلفا كانت قبل كل شىء، لأسباب دولية ، حيث واجهت روسيف نظاما أقل مرونة وأكثر عدائية . ففى ظل إدارتها ، ضربت الأزمة المالية العالمية بقوة، وفى ظل إدارتها أيضا استعادت مجموعة الـG8 ما فقدته فى تشكيل مجموعة الـG20، واحتلت الأزمات فى ليبيا وأوكرانيا وسوريا وتنظيم الدولة الإسلامية موقعها على جدول أعمال القوى العظمى على حساب البلدان النامية لتأتى فضيحة التجسس الأمريكى والصعوبات فى إحياء منظمة التجارة العالمية وتضفى على الوضع سوءا، بالإضافة إلى أن البرازيل لم يعد بإمكانها أن تدير ظهرها لأمريكا اللاتينية ويكون اهتمامها منحصرا فقط العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا مثلما كان الحال قبل حكم حزب العمال.
وتبدو الأولوية الآن فى الولاية الثانية لديلما روسيف لقضايا التكامل الإقليمى - التى تشمل أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى - مع تعزيز التجارة والتكامل المالى والبنية التحتية والطاقة، وتتعهد روسيف بزيادة تعزيز الإجراءات الرامية إلى توطيد التكتلات الإقليمية كما فى تجمع الميركوسور واتحاد الجنوب وتجمع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، بغض النظر عن المواقف الأيديولوجية لهذه البلدان، والخطة الاستراتيجية، تشمل تعزيزا أوثق للعلاقات مع إفريقيا والدول الآسيوية، وأيضا مع العالم العربى من خلال (الاسبا) ، وكذلك صقل العلاقات البرازيلية مع الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبى.
كما أن هناك اهتماما خاصا فى توجه السياسة الخارجية البرازيلية بتسليط الضوء على الدفاع عن الإصلاحات التى ينبغى أن تجرى فى المنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، فهذه المنظمات، لم تعد تعكس اليوم الترابط العالمى، كانت روسيف قد أكدت أن السياسة الخارجية سوف تستمر فى أن تكون أكثر من مجرد أداة للمشروع البرازيلى فى العالم. بل إنها عنصر أساسى من المشروع الوطنى للبرازيل ،وذلك فى إطار إدراكها أن إهمال السياسة الخارجية البرازيلية لم يكن أبدا فى مصلحة الوضع الداخلى كما كانت تظن .