مما أثار كثيرا من التساؤلات حول الأسباب التى دفعت إسلام آباد لاتخاذ قرار كهذا يتعارض مع موقفها المبدئى المؤيد للضربات السعودية فى اليمن، كما طرح كثيرا من التكهنات بشأن تداعيات هذا القرار على الداخل الباكستانى من ناحية، وعلى العلاقات الباكستانية العربية فى المرحلة المقبلة أيضا.
بداية، يبدو قرار البرلمان الباكستانى غير مقنع لأى طرف، وبخاصة أطراف التحالف العربي، الذى كان ينتظر إسهام باكستان بدبابات وطائرات وسفن وقوات للمساهمة فى دعم الشرعية فى اليمن وتأمين منطقة الخليج مبكرا من أى اعتداءات تهدد أمنها.
مشروع القرار البرلمانى الباكستانى ينص على التزام باكستان بـ «الحياد» فى الصراع اليمني، بدعوى إتاحة الفرصة لها لممارسة دور دبلوماسى لإنهاء الأزمة، كما يدعو القرار جميع الأطراف إلى حل خلافاتهم سلميا، ولكنه عبر فى الوقت نفسه عن دعمه الكامل للسعودية، ويؤكد أنه فى حالة انتهاك سلامة أراضيها أو وجود أى تهديد للحرمين الشريفين، فإن باكستان ستقف كتفا بكتف مع السعودية وشعبها.
وليس خافيا على أحد أن قرار البرلمان الباكستانى يأتى مناقضا لموقف الحكومة الباكستانية نفسها التى كانت أكثر ميلا لمساندة المحور العربى فى الحرب التى يشنها الحوثيون فى اليمن بالوكالة عن إيران، صحيح أن حكومة إسلام آباد أكدت سريعا التزامها بقرار البرلمان، ولكن لا ننسى أن القرار النهائى فى هذا الصدد سيكون للحكومة ولرئيس الدولة.
أما عن الأسباب والدوافع التى أدت بباكستان «النووية» لاتخاذ قرار بالتخلى عن «عاصفة الحزم»، فهى كثيرة :
فأولا : تعاملت باكستان مع الصراع اليمنى بمنطق حسابات السنة والشيعة، وكانت النتيجة عدم المشاركة فى عاصفة الحزم، بدعوى أن المشاركة يمكن أن تثير الأقلية الشيعية الباكستانية التى تقدر نسبتها بما بين 10 إلى 15% من إجمالى سكان باكستان، فى حين أن أطراف التحالف العربى حرصوا على التأكيد منذ بداية العمليات على أن الموضوع ليست له علاقة بالطائفية، وإنما بحماية المصالح والدفاع عن الشرعية.
ثانيا : اعتبر البرلمان الباكستانى - وفقا لتفكير ضيق الأفق - أن البعد الجغرافى عن اليمن، وعدم وجود مصالح مباشرة لباكستان هناك، يستدعى عدم التسرع فى التورط فى نزاع طويل الأمد لا يحقق شيئا، فى بلد يبعد آلاف الكيلومترات عن الحدود الباكستانية.
ثالثا : خشيت باكستان أن يؤدى تدخل جيشها فى اليمن إلى انشغاله عن الصراعات التقليدية المحتدمة أصلا فى الداخل الباكستانى أو على الحدود، وأبرزها عدم استقرار الوضع السياسى الداخلي، والحرب على الإرهاب، ووجود توترات مع دول الجوار، وبخاصة أفغانستان، والصراع التقليدى مع الهند، ومما أثار القلق ذلك الاتفاق المفاجيء هذه الأيام على بيع 36 مقاتلة رافال فرنسية للهند، ومعروف أن هذه الأخبار تسبب كثيرا من التوتر بين الجارين اللدودين على الدوام.
رابعا : الخوف من توتر العلاقات مع إيران، وهى إحدى دول الجوار لباكستان، وهو ما يعنى أنها ستدخل فى مواجهة مباشرة معها عبر الحدود.
خامسا : التدخل يحتاج إلى تكاليف باهظة لا تقدر الميزانية العامة الباكستانية عليه، خاصة إذا علمنا أن باكستان المتخمة بالاضطرابات والصراعات طيلة السنوات الماضية، حققت معدل نمو بلغ 3,6% فقط فى عام 2013، ولديها أكثر من 22% من السكان تحت خط الفقر، ومتوسط دخل الفرد يبلغ نحو ثلاثة آلاف دولار سنويا فقط.
بالتأكيد، القرار الباكستانى يجب احترامه، وكذلك المبررات التى سبق ذكرها، ولكن هذا لا يمنع توجيه الانتقادات إلى هذا القرار، الذى يمكن افتراض حسن النية فيه ووصفه بأنه سوء تقدير أكثر من كونه تخاذلا.
على أى حال، وعلى الرغم من أن الغياب الباكستانى غير المبرر عن عاصفة الحزم ستكون له آثار سلبية على باكستان نفسها، وعلى علاقاتها ومصالحها فى منطقة الخليج والشرق الأوسط، ولكنه من الناحية العسكرية، لن يؤثر كثيرا على عمليات «عاصفة الحزم» نفسها، التى ستستمر فى كل الأحوال، بمشاركة باكستان أو من غيرها، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم قيادة قوات التحالف، صحيح أنه كانت هناك رغبة فى إشراك باكستان فى هذه العمليات بهدف «تطويق» إيران معنويا بدول المنطقة الرئيسية، خاصة وأن باكستان هى القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وهى تمتلك سابع أكبر جيش فى العالم، وقوام جيشها الأساسى يتعدى 2٫5 مليون فرد، ولكن فى كل الأحوال، العمليات مستمرة، وأول المتضررين من القرار الباكستانى ستكون هى باكستان نفسها، التى ستتضرر علاقاتها العربية بشكل كبير، وبخاصة علاقاتها الأساسية مع دول الخليج، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية.
أما القول بأن باكستان ستتدخل فقط فى حالة تعرض الأراضى السعودية أو الحرمين الشريفين لاعتداء، فهو كلام غير استراتيجى بالمرة، ويكاد يشبه أن تنتظر مصر مثلا سيطرة سفن حربية إيرانية على باب المندب وتتسبب فى تهديد حركة الملاحة فى قناة السويس، لكى تقرر المشاركة فى عمليات عاصفة الحزم، وبالتأكيد، ليس هكذا تتخذ الدول قراراتها.