رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بين دعاة المصادرة والمتطاولين على ثوابت الدين
ثقافة الإختلاف .. فريضة غائبة

تحقيق ـ رجب عبدالعزيز وإبراهيم عمران:
حينما يعتقد الجميع امتلاكهم الحقيقة المطلقة، ويدعيها كل منهم لنفسه، يكون الصراع بديلا عن الحوار، والاقتتال عوضا عن الجدال، وتظل الأمة دائرة فى دوائر مغلقة من التيه والدوار التاريخي.

 وما نشهده على الساحة الإعلامية بين المفكرين وعلماء الدين والدخلاء على ساحة الدعوة كما يرى البعض قد يكون دالا دلالة واضحة على غياب ثقافة الحوار عن العالم الإسلامي. فبدلا من الحوار والمناظرة لمقارعة الحجة بالحجة ومواجهة الفكر بالفكر يكون الإغلاق والقضايا وتكميم الأفواه.إنها الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى التى استوعبتها القنوات الفضائية بالغلق، وطبقها أفراد الدعوة السلفية بتدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين فيها جميع المشاركين بشراء جميع أعداد إحدى الصحف الخاصة بالحرق، فهمتها بعض المؤسسات الرسمية بالمنع حين تقدمت مؤسسة الأزهر ببلاغ للنائب العام ومطالبة هيئة الاستثمار بوقف برامج إسلام بحيرى بقناة القاهرة والناس. والتى وجهت بدورها انذرا إلى فضائية «القاهرة والناس»، استنادًا إلى الشكوى المقدمة من مشيخة الأزهر، حول إثارة «البحيري» للفتنة بين المجتمع والمساس بثوابت الأمَّة، من خلال سبه للإمام البخارى والأئمة الأربعة، حسب ما ورد فى كتاب الأزهر.


علماء الأزهر يؤكدون ان منع هذه البرامج هو الحل، والمفكرون يطالبون بمواجهة الفكر بالفكر ومقارعة الحجة بالحجة والدليل والبرهان، ويرجعون الأزمة إلى غياب ثقافة الحوار والاختلاف الذى هو أمر طبيعى فى هذا الكون، ويؤكدون أن غياب ثقافة الحوار يشكل ذلك عائقاً أمام تقدم الفرد والمجتمعات، وينشر ثقافة الرفض والتعصّب وإلغاء الآخر والعصبية، ثم بالاستخفاف به والاعتداء عليه، لاسـتغلاله أو تسـخيره لمنافعه الخاصة.


المنع هو الحل


ويقول الدكتور احمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إن ما فعله الأزهر هو الصحيح من مصادرة البرامج التى تشكك فى ثوابت الدين, وأضاف أنه ضد أن تكون مناظرة بين هؤلاء الدخلاء، لأن المناظرة اعتراف بالتشكيك فى ثوابت الدين, وطالب وسائل الإعلام بعدم استضافة غير المؤهلين وأن تكون على القنوات الفضائية رقابة.


بينما يرى الدكتور عادل المراغي, إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية, أنه كان الأجدر أن يواجه الأزهر الشريف هؤلاء المشككين فى ثوابت الدين بالرأى والحجة والدليل دون المصادرة وان يختار علماء من الأزهر متخصصين فى الحركات الاستشراقية التى قتلت بحثا للتشكيك فى القرآن والسنة. وأن يتبنى الأزهر فكرة مخاطبة الشباب والنزول إلى ارض الواقع وعدم التقوقع فى المكاتب.


وقال إن ما قام به الأزهر من المصادرة والإغلاق فتح بابا للهجوم على الأزهر الشريف لأنه يجب ألا يكون الأزهر حاكما وقاضيا فى نفس الوقت ولكن يجب الرد على الفكر بالفكر, وان يختار الأزهر علماء لديهم العلم الكافى والحجة والدليل للرد على مثل هؤلاء الذين يستغلون الفراغ الفكرى لدى الشباب. ومثل هؤلاء أنصاف المثقفين الذين يدعون الإسلام يساعدون على انتشار الفكر المتشدد والمتطرف فى عقول الشباب بسبب قراءة بعض الكتب الدينية بطريقة فردية وعشوائية وأخذ المعلومات الدينية من أشخاص هواة ليس لهم قدم راسخة فى العلم الشرعي.والرد على شبهات المتطرفين فكريا من خلال التأصيل العلمى وبحث بيان مواطن الخلل فى الاستدلال، سواء أتعلق هذا بالفهم الخاطئ، أو إيراد الأدلة فى غير موطنها، أو تحميلها ما لا تحتمل، أو إخراجها عن سياقها الدينى والتاريخي.


ملاك الحقيقة


ويرى الدكتور على مبروك, أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة, أنه عندما نتحول جميعا إلى ملاك للحقيقة, فلا مجال للحوار بيننا، لأن ملاك الحقيقة لا يتحاورون بل يتصادمون، فالناس تتحاور حينما يكونون ساعين وراء الحقيقة وليسوا مالكين لها؛ ففى حال امتلاكهم لها يتحاربون بدل أن يتحاوروا. وأظن أن هذا هو الأصل العميق لغياب أى إمكانية لفضيلة الحوار فى ثقافتنا العربية والإسلامية. فحينما نتحدث عن آلية مركزية فى تاريخ الإسلام نجد أن السياسة هى المحفز أو السبب الخفى وراء ممارسات ما, وتأتى الثقافة لتؤيد هذا, وأتصور أن فضيلة الحوار ليست استثناء من هذه القاعدة, لأن عندنا حدثا استثنائيا وهو حدث الفتنة ولم يكن هناك حوار بمعنى إقناع الآخرين, وإنما كان هناك سلوك مغلف بالقوة؛ فالقوة كانت أداة حسم الصراعات والنزاعات التى نشبت داخل الجماعة الإسلامية, والمنتصر فى هذه الصراعات لم يكن يرجع انتصاره إلى القوة التى صنعت هذا الانتصار وإنما كان يعزوه إلى امتلاكه للحقيقة, وهى صناعة الثقافة أنها تحول القوة إلى حقيقة؛ فيصبح المنتصر مالكا لسلطة الحقيقة فى مواجهة المدعين, والمدعون الآخرون أيضا يدعون امتلاكهم لهذه الحقيقة؛ وحينما تتحول الحقيقة إلى شيء يدعيه كل منا لنفسه فلا مجال لأى حوار بيننا.


التسامح وقبول الآخر


ويقول الدكتور محمد خليل, أستاذ التاريخ الإسلامى بكلية البنات جامعة عين شمس, إن غياب آليات التواصل الخاطئ (الحوار) هى السبب الأساسى وراء الصراعات بين البشر، فقد ثبت أن التنوع والاختلاف واقع كونى وإرادة إلهية يستحيل إلغاؤها، والتعدد ضرورة اجتماعية، والمواطنة حق إنساني، فعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع بوعى يحقق التعايش السلمى فى ظل التنوع والتكامل مع التعدد والتعاون فى القواسم المشتركة.


ويوضح أن التسامح والحوار والتواصل بنية نفسية واجتماعية وسياسية وثقافية إنسانية منطلقها الفرد وهدفها مصلحة المجموعة المحلية أو الإنسانية عامة والقدرة على إقامة الحوار وبناء علاقة تتواصل مع الآخر، موهبة فردية وقيمة إنسانية. وإذا كانت حاجة الفرد ضرورة لاستخدام قدراته على الحوار والتواصل والتسامح مع الآخر سواء كان فردا داخل عائلته أو مواطنا يشاركه الفضاء الجغرافى والثقافى والسياسى والاقتصادى أو كان إنسانا يشاركه الانتماء إلى نفس الكينونة فإن حاجة المجتمعات والدول والثقافات لإقامة حوار مع غيرها أكثر إلحاحا؛ ذلك أن انعكاسات انغلاق الفرد وتصلبه مهما اتسعت لا يمكن أن تمس من هم خارج محيطه الضيق.أما انعكاسات انغلاق المجتمعات والثقافات وتصلب العقليات فتنتشر بسرعة ويتسع تأثيرها إلى حد اندلاع الحروب والصدامات والنزاعات القبلية والعرقية والدولية.


وحول سبل احياء ثقافة الحوار وتطبيق آلياته على أرض الواقع يطالب الدكتور محمد خليل بتحييد وسائل الإعلام عن النزاعات والخلافات السياسية وتعزيز صدقيته بحسب ما تقتضيه أصول المهنة وأخلاقياتها بعيداً عن التحريض الطائفى والحزبى واحترام إعلان المبادئ التى تلتزم صون الحرية الإعلامية فى الدولة. وتعزيز دور المجتمع المدنى فى نشر ثقافة التسامح واللاعنف.


رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق