البعض ينتفض ويشمئز والبعض يفكر ويسأل، والبعض الآخر ربما يتشكك .. لأن أخطر مايكون السم مخلوطا بالفكر والرأى فى العقيدة والدين، ذلك التخصص الذى سيظل ـ رغم صرخات الأزهر عبر السنين ـ مباحا للهواة وللمدعين أنهم من الباحثين أو الفاهمين، زاعمين أنهم يكتشفون مالم يكتشفه أحد من علماء الدين القدامى والمحدثين فإلى أين تأخذنا حملات المشككين ؟
الإمام البخارى الذى كان لا يضع حديثا فى كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، واستخار الله ـ كما يذكر السبكى فى الطبقات الكبرى والذى ابتدأ تأليف كتابه فى المسجد الحرام والمسجد النبوي, ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه, ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخري, وتعهده بالمراجعة والتنقيح; ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التى عليها الآن. وقد كان هذا الكتاب من أهم أسباب تلقيب الأمة الإسلامية للبخارى بلقبى إمام المحدثين, وأمير المؤمنين فى الحديث.. لايزال موضع هجوم شديد يظهر كهبات ساخنة كل عدة أعوام، ويتصدى لها العلماء بالشرح والتفنيد فتهدأ ثم ماتلبث أن تعود من جديد. الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر سابقا وعضو مجمع البحوث الاسلامية يقول: دائما ما يتخذون من التشكيك فى الإمام البخارى شخصا وعلما وفى كتابه الذى أجمع العلماء على مر العصور على أنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم مدخلا لهدم السنة النبوية، التى ليست هى فقط المصدر الثانى للتشريع فى الإسلام وإنما هى الشارحة والمفسرة للكثير من أحكام القرآن الكريم، ويضيف مما تابعته من حلقات إسلام بحيرى أنه يزعم أنه يستند للنص القرآنى فى الحكم على الأمور وفهم الأحكام، وتجاهل حقيقة أنه لولا السنة النبوية ما عرفنا عدد ركعات الصلوات الخمس ولا هيئتها ولا كيفية أداء الكثير من العبادات، ولا أظن أن الهدف سيتوقف عند التشكيك فى كتب الأحاديث الصحيحة وفى البخارى وإنما سيمتد إذا صمتنا أكثر على هؤلاء إلى القرآن الكريم، ولا ننسى أن لدينا طابورا من الملحدين بدأ يظهر فى الأفق فى السنوات الأخيرة ويتبنى الإعلام أيضا ظهورهم والترويج لهم من باب حرية الرأى والتعبير، وأقول لكل هؤلاء: لماذا لا تقبلون بمبدأ الحريات فى مجال الطب والعلاج، فمن حق أى باحث أو هاو أن يعلن عن علاجه ويدعو إليه الناس إن شاءوا قبلوه وإن شاءوا رفضوه !!
ويتساءل الشيخ عمر الديب لماذا نصمت طويلا على من يهاجمون الدين من الداخل ولكن ننتفض ونثور بقوة عندما يكون الهجوم من الخارج؟ مع العلم بأن هجوم الداخل أشد فتنة وخطرا لأنه ربما بعض العوام يتأثر به خاصة أن الثقافة الدينية ليست كافية فى مجتمعاتنا، كما أن هؤلاء يعمدون للبحث عن ثغرات ويلوون بها الحقائق ويلوون تفسير النصوص فربما يصدقهم البسطاء. هل هناك خطر من وجود برامج تحمل سموم المشككين فى الدين مباحة للرأى العام ؟
الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر يؤكد خطورة هذه البرامج التى تضعنا بين احتمالين: الأول: إثارة الشباب المتحمس والغيور على دينه ودفعه للدفاع عن عقيدته بأى شكل ، والثاني: إبعاد الشباب ضعيف الإيمان عن عقيدته ... وكلا الأمرين فى غاية الخطورة لأن المجتمع الذى يصبح شبابه إما مستثارا فى دينه وعقيدته أو المهزوم العقيدة والهش دينيا لا يرجى منه خير أبدا، ثم أن هذا يفتح الباب للفكر العلماني، ولا حل إلا بعمل المخلصين من الدعاة والإعلاميين على بيان هذه السموم وكيفية التصدى لها والحذر من مروجيها ، ولنعلم أن الافتراء على السنة والتشكيك فيها أمر ليس بجديد فقد بدأ منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأى نقاش دون دليل من القرآن والسنة أو دليل عقل أو منطق إنما هو افتراء لا يلتفت لفكر صاحبه ولا تصح حتى مناقشته. وأطالب الشباب - باعتبارهم فى مرحلة تشكيل العقل والوعى - بالحذر من دعاة هدم السنة لأنها ستكون مدخلهم لهدم الدين كله.
كان سؤالنا للشيخ خالد الجندى باعتباره من علماء الأزهر الشريف المنخرطين فى حقل الدعوة, حول سر ظهور التشكيك بقوة فى هذه الآونة بزعم إعادة الفهم والبحث ؟
فأجابنا قائلا: طلب إعادة البحث والدراسة فى أى موضوع دينى يحتمل نوعين من النوايا, إما للمغرضين من أتباع مدارس الإستشراق المغرضة، أو المبشرين الذين يلعبون على أوتار التشكيك, والنوع الثانى هو أصحاب النيات الطيبة مثل الدارسين لثقافة غربية لم يتح لهم الحصول على جرعة معقولة من العلوم الشرعية، أو من غير الفاهمين الراغبين فى الفهم بالحجة والإقناع، وعلينا أن نتعامل مع الجانبين بالشرح والتوضيح ولا نمل الدفاع.
ويقول الشيخ الجندى محذرا: بالأمس تشكيك فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, واليوم تشكيك فى السنة ورواة الأحاديث والبخاري، وغدا ربما يكون التشكيك فى القرآن الكريم, لابد من تكاتف المنابر الإعلامية لتقوية علاقة المسلمين بدينهم، وزيادة ثقتهم فى رموزه وشخصياته وكتبه المشهود لها,وينصح الجندى بقراءة الكتيبات والموسوعات المبسطة الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.