وخلال الأيام الماضية قادت الكويت حشدا دوليا كبيرا لتوفير الأموال اللازمة لإغاثة المنكوبين السوريين، من خلال المؤتمر الدولى الثالث للمانحين لدعم الوضع الإنسانى فى سوريا، بمشاركة 78 دولة وأكثر من 40 منظمة دولية، نجحت خلاله فى الحصول على تعهدات بنحو 3.8 مليار دولار لتمويل الأنشطة اللازمة لتوفير مختلف أوجه الرعاية للاجئين السوريين، منها 500 مليون دولار قدمتها الكويت، وهو مبلغ يفوق ما سجله المؤتمر الأول للمانحين عندما بلغ مجموع التعهدات به نحو 1.5 مليار دولار، وتخطى كذلك مجموع التعهدات فى المؤتمر الثانى الذى بلغ ٢.٤ مليار دولار.
ورغم معرفة الجميع بحجم هذه المأساة الإنسانية، إلا أن الأرقام التى أعلنها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح فى كلمته أمام المؤتمر صدمت الكثيرين، حيث قال إن الدمار هو العنوان الرئيسى لجميع المناطق فى سوريا دون تمييز، وتجاوزت أعداد القتلى من الأشقاء مائتى وعشرة الآف قتيل، وتشريد ما يقارب 12 مليون شخص فى الداخل والخارج، فى ظل ظروف قاسية وأوضاع معيشية مأساوية صورها لاجئ سورى بأن حياتهم أصبحت مثل الغارق فى الرمال كلما حاول التحرك ازداد غرقا، كما حرمت الكارثة مليونين من الأطفال اللاجئين دون سن الثامنة عشرة من أبسط حقوقهم التعليمية والصحية، الأمر الذى يهدد مستقبل جيل كامل ويجعلهم أمام مستقبل مظلم يحرم وطنهم من مشاركتهم الفاعلة فى بنائه.
كما تشير الدراسات الى أن الاقتصاد السورى فى حالة انهيار شبه كامل، إذ بلغت خسائره أكثر من 200 مليار دولار، وارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى 57 فى المائة، وانخفض متوسط الأعمار للشعب السورى إلى 55 سنة، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر بشكل كبير، كما بلغ عدد اللاجئين السوريين فى الخارج قرابة الأربعة ملايين شخص، ليسجل أكبر مجتمع للاجئين فى العالم.
لكن بعض التفاصيل توضح أكثر عظم هذه المأساة، فحسب أنطونيو غوتيريس المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين فإن الظروف المعيشية للاجئين خارج سوريا تتدهور بشكل سريع، ويعتمد مليونا شخص على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، ويعيش أكثر من ثلث اللاجئين فى مآو دون المستوى المطلوب.
ومن الصعب تصور حجم الأثر الاقتصادى والاجتماعى والسكانى على الاقتصادات والمجتمعات فى لبنان والأردن وشمال العراق وتركيا ومصر، فعدد اللاجئين السوريين المسجلين فى لبنان نسبة إلى عدد السكان يعادل 22,5مليون لاجئ قادمين إلى ألمانيا و88 مليون لاجئ فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتواجه الأردن وضعاً مماثلا بسبب الارتفاع الهائل فى أعداد السكان، وأنفقت تركيا 6 مليارات دولار أمريكى على المساعدات المباشرة للاجئين، أما العراق فقد طالته الأزمة السورية بالكامل، ويستقبل اللاجئين السوريين الذين يضافون إلى النازحين داخليا من سكانه منذ أوائل العام الماضى والبالغ عددهم 2,5مليون شخص.
وفى هذا الوضع الذى يزداد سوءا للاجئين والبلدان المضيفة على حد سواء، لا عجب أن يجد المزيد من اللاجئين أنفسهم مجبرين على الانتقال إلى مناطق أخرى، فمنذ يناير الماضى عبر حوالى 15 ألف شخص البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب بحثا عن الحماية فى أوروبا، وقد غرق حوالى 480 سوريا حتى الآن خلال العام الحالى، مقارنة بنحو15 شخصا فقط فى الفترة نفسها من العام الماضى.
ومن أهم المخاطر الأخرى ضياع جيل كامل من الأطفال السوريين، نظرا إلى أن نصف الأطفال اللاجئين الذين هم فى سن الدراسة بالإضافة إلى مليونى طفل فى سوريا لا يذهبون إلى المدارس، فهؤلاء الأطفال فقدوا طفولتهم بسبب الحرب المريعة، ويواجهون اليوم خطر ضياع مستقبلهم. وعلى الرغم من إحراز الوكالات الإنسانية بعض التقدم فى تعزيز الأنظمة الوطنية والمجتمعية لتمكين الأطفال اللاجئين من الحصول بشكل أفضل على التعليم والحماية، إلا أن تزايد مخاطر الفقر يقلب هذا النجاح عندما يُجبر الأهل على إخراج أولادهم من المدرسة نتيجة الظروف الاقتصادية والأوضاع الإنسانية.
ومع ارتفاع حجم تعهدات الدول المانحة إلى 3.8 مليار دولار، واجه الأمين العام للأمم المتحدة تساؤلات مهمة من الصحفيين فى ختام المؤتمر حول أوجه صرف التعهدات ومدى ثقة الأمم المتحدة بوصولها لمستحقيها، فشدد على أن كل الأموال التى تعهدت بها الدول والمنظمات الإقليمية ستستخدم للهدف المحدد تجاه دعم الأوضاع الإنسانية فى سوريا.
وذكر أن جميع قادة منظمات ووكالات الأمم المتحدة ـ بدءا من مكتب تنسيق الشئون الإنسانية، والمفوضية السامية لشئون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ـ يعملون على استخدام الأموال بالطريقة المناسبة.
إن التظاهرة الإنسانية الدولية التى شهدتها دولة الكويت، وواكبها نشاط إعلامى كويتى مكثف ومتميز حول هذه الأزمة الإنسانية الضخمة، قاده الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح وزير الإعلام ووزير الدولة لشئون الشباب، سيكون لها تأثير كبير فى التخفيف من حدة الوضع، لكن المأساة ستستمر وتكبر مادام المجتمع الدولى ظل عاجزا عن التوصل إلى حل سلمى للأزمة السورية، فالوضع الإنسانى فى سوريا بالغ التعقيد، ويتفاقم أكثر فأكثر، ويزداد صعوبة مع كل يوم تمر به الأزمة، ويزداد خطر زعزعة الاستقرار فى المنطقة كلها.