يأتى على رأسها الرابط الإعلامى الخبري، والرابط المعلوماتي، وكذلك الرابط الاجتماعى والإنساني، بالإضافة إلى فتح المجال لسياقات التعبير والتدوين بصفة العموم، وإلى احتواء فكرة الرأى والرأى الآخر وغيرها من الأفكار، ولاشك أن كثيرا من سياقات التعبير والتدوين فى معظم هذه المواقع كشفت عن مواهب إبداعية عدة فى هذا النطاق، دفعت بعض الباحثين إلى دراسة لغة التدوين المعاصرة فى شبكات التواصل الاجتماعي، وخلفياتها التعبيرية والاجتماعية والنفسية، وانعكاسها على الواقع، خاصة مع تجاوز عدد المشتركين فى مصر وحدها إلى أكثر من عشرة ملايين مشترك، عكسوا جميعا درجة من درجات الثقافة الإلكترونية المعاصرة، وجب الوقوف أمامها كثيرا بالدراسة والتحليل فى ظل الطغيان الإعلامى للمحطات الفضائية.
ورغم هذا (الميل الإلكتروني) لشبكات التواصل الاجتماعى عند الملايين، والرغبة فى التعبير والكشف عن الميول والآراء والأهواء، وظهور فوائده، فإن أكثر ما يقلقنى حقا هو ما بدأ يظهر الآن من استخدام جديد للغة هجينة بدأت تستشرى على معظم مواقع التواصل الاجتماعي، وهى لغة تحمل المعنى العربى ومغزاه، وتكتب بالإنجليزية وبالأرقام الإنجليزية فى دمج غريب (فرانكو أرب)، انتشرت ـ للأسف ـ بسرعة البرق بين الشباب والأجيال الجديدة، ومستخدمى هذه المواقع، واستشراء مثل هذه اللغة وانتقالها من مواقع التواصل الاجتماعى إلى اللغة المستخدمة فى رسائل التليفون المحمول، ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها، باتت بلاشك تؤثر فى مكانة اللغة الأم وهيبتها، بعد أن بدأت تواجه حربا جديدة على قدسيتها من زاوية جديدة، هى الزاوية التكنولوجية والإلكترونية، وهذا الذى يدفعنا لأن ننتبه إلى خطورة هذا النهج الجديد، وإلى التساؤل عن مغزاه، وعن سبب اللجوء إلى التعبير عن (الفكر والفكرة) من نافذة هذه اللغة الهجينة، ولعل الإجابة عن هذا السؤال لا تعد صعبة أو معقدة إذا وقفنا على دواعيها ومفرداتها وأسبابها، وأهمها كما عرفت من طلابى الشباب بالجامعة، وهى أن اللجوء إلى هذه اللغة الهجينة ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه ـ عند الأجيال الجديدة ـ أيسر بكثير من التعبير بالعربية (فصحى أو عامية)، أو بحروفها، وهنا مكمن الخطر، وموطن الكارثة، أن نرى عربيتنا الخالدة والمقدسة والواضحة، التى نزل بها أطهر كتاب فى الوجود، باتت عصية على الاستخدام اليسير والمباشر والحديث عند أجيالنا الجديدة من الشباب، الذين خرجوا إلى الدنيا فى زمن الانفتاح التكنولوجى الواسع والرهيب، زمن الإنترنت، والفيس بوك، والفضائيات، وأجهزة الاتصالات الحديثة والمحمولة بإمكاناتها العالية، وزمن التواصل الاجتماعى السريع.
ومن ثم وجب الوقوف أمام القضية الحقيقية والأساسية فى هذا السياق، وهى قضية (لغتنا الجميلة) وكيفية تيسيرها وتقريبها أولا من ذوق الأجيال الجديدة، وثانيا من محط اهتمامهم، واستخدامهم لها، وحتى نستطيع أن نصل إلى نتائج حقيقية وجلية فلابد من التركيز على النقاط التالية:
أولا: إن المشكلة الحقيقية فى تواصل الأجيال الجديدة مع لغتها العريقة والمقدسة، ترجع إلى طرق تدريسها التقليدى والممل بمدارسنا وجامعاتنا، والتى لم تستفد إلى الآن من الثورة التكنولوجية المعاصرة فى التعليم وطرق التدريس، وكذلك لطبيعة المناهج الكلاسيكية القديمة، وغير المجددة على وجه اليقين، وللنصوص التى يتم اختيارها لهذه الأجيال المظلومة، وهى فى معظمها نصوص جافة وعقيمة خالية من زوايا الجمال الفنى والموضوعى والإنساني، ومن يرد أن يرى ذلك بعينه ويستشعره، فليعد إلى مناهج اللغة العربية فى المرحلة الثانوية (بسنواتها الثلاث)، ليرى طبيعة النصوص الجافة المختارة، التى تسهم بطبيعة الحال فى تنفير الطلاب عن أصل الموضوع الأدبي، ومن ثم عن بنية اللغة فيه وبيانها.
ثانيا: لقد ترتب على تدريس اللغة العربية بمدارسنا بالطرق التقليدية العقيمة، ومن خلال نصوص غير مؤثرة، أن رأت الأجيال الجديدة أن حبل النجاة من ذلك كله هو الفرار إلى التعليم الأجنبى بجميع أشكاله وألوانه ومناهجه، على حساب دراسة اللغة الأم وفروعها، مما ساعد على خروج أجيال خاصمت لغتها واستوحشتها ولجأت إلى البديل السهل، كلغة (الفرانكو أرب) التى استشرت الآن عبر مواقع الاتصال الحديثة والاجتماعي، وهو ما يؤذن بخطر نذير إن لم ننتبه إلى وجه اليقين.
ثالثا: إن الحل الأمثل لأزمة لغتنا هو أن نلجأ ـ من خلال علمائنا المتخصصين ـ إلى محور تخليص اللغة من القوالب المنهجية المقيدة لتدريسها، التى تفصل بين فروعها جميعا (كالنحو، والصرف، والأدب، والبلاغة، والتعبير)، وذلك من خلال تدريسها بالطرق الحديثة عبر منظومة موحدة تجمع بين أصول اللغة وأدبها، ولا تفصل بينها، بحيث تكون دراسة كل فروعها بشكل تطبيقى عبر نصوص أدبية منتقاة بدقة تجمع بين كل مؤثرات الجمال والفن والموضوع الإنسانى الفريد، وقد رأيت ذلك بنفسى فى دول الخليج العربي، ولمست مدى نجاحه، وتمنيت أن نطور دراسة لغتنا بهذا الشكل التطبيقى الجامع، حتى لا تضيع لغتنا الأم على شواطئ التغريب، وجزر التكنولوجيا الحديثة.
د. بهاء حسب الله
كلية الآداب ـ جامعة حلوان