رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الرحلة المريرة

أنا شاب على مشارف سن الثلاثين من العمر

، كانت الدنيا فى عينى حلما جميلا برغم بداياتها الصعبة كعادتها مع أبناء الطبقة الكادحة، وكنت سعيدا راضيا، لكن القدر كان يخبئ لى شيئا آخر، وأروى لك حكايتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة فقيرة تعيش فى إحدى قرى محافظة الشرقية لأب وأم بسيطين، فأمى لم تعرف عن الحياة إلا تربية أبنائها وتدبير حياتهم، ووالدى يخرج كل صباح الى سوق القرية ليتاجر فى الخضراوات، وأنا الولد الوحيد على أربع بنات، لكنى لم أعرف التدليل الذى أسمع عنه مع وحيد أبويه، إذ تحملت المسئولية مع والدي، وصبر الجميع على شظف العيش انتظارا الى أن أكمل تعليمي، وأصبح ذا شأن وأرد الجميل، وحصلت على الثانوية العامة لكنى لم أحقق المجموع الذى يؤهلنى للكلية التى أردتها، فالتحقت بمعهد فنى تجارى شعبة قانون، ثم عملت معادلة بجامعة عين شمس وحصلت عليها بامتياز والتحقت بكلية الحقوق جامعة الزقازيق.

ودخل الفرح بيتنا بعد سنوات من التعب والكد، وكنت أعمل وأدرس فى الوقت نفسه، وفى جلسة أسرية ذات يوم قال لى أبى إنه يريد أن يزوجنى فرفضت حتى تتم اخواتى البنات تعليمهن، لكنه أصر على ذلك، وأدمعت عيناه، فامتثلت لرغبته وتقدمت لخطبة فتاة من أقاربنا، وبدأت فى إقامة بيت جديد مكان بيتنا القديم، وفجأة وجدتنى أمام اختبار قاس من اختبارات الحياة، حيث شعرت بألم فى الركبة اليسرى ولم أستطع وضع قدمى على الأرض، فى البداية ظننت أنه ألم بسيط من كثرة الوقوف والاجهاد وسيزول، ولكن مع تكرار الوجع دخلت فى دوامة لا تنتهى من الفحوص والتحاليل والأشعات، ومع سوء التعامل مع حالتى واستغلال بعض الأطباء وابتزازى ماديا تدهورت حالتي، لأبدأ بعدها رحلة علاج مريرة ذقت فيها وأهلى كل صنوف العذاب والذل، وأصبحت (سبوبة) للأطباء فى العيادات الخاصة والمستشفيات العامة، حتى أنفقت ما استدنته ورحت اتنقل من عيادة الى مستشفى حكومى بحثا عن علاج غير مكلف، فليس لأمثالنا إلا هذه المستشفيات التى تفتقد كل معانى الرحمة والإنسانية والخوف من الله، وما أصعب المرض الذى يصيب الفقراء فيزيد معاناتهم بجانب الحرمان، وقد يهون الفقر أمام الصحة، لكن أن يجتمع الفقر والمرض معا فهذا أمر يصعب تحمله، وأدعو الله ألا يكتبه على أحد، وبعد مشوار طويل من الألم قال أحد الأطباء لوالدى «لو عايز ابنك يمشى تانى على رجله.. خدوه من هنا».. يقصد المستشفى الذى كنت أعالج فيه.. وبالفعل خرجت على عكازين.

كان المرض فى بدايته ولولا التشخيص الخطأ لكنت فى وضع أفضل، وعرف أهل خطيبتى بمرضى فزارونى فى البيت ومعهم ابنتهم، ولما رأوا حالتى ووقفوا على حقيقة مرضى ظننت أنهم سيطلبون «فسخ» الخطبة وما كنت ألومهم لو فعلوا ذلك، فإذا بى أجد أن طيب أخلاقهم فاق الحدود، وكانت المفاجأة السعيدة أن أباها طلب من أبى إحضار مأذون القرية لعقد قرانى على ابنته، وبعد دهشة أصابت جميع الأهل ودموع فرح وحزن اختلطت بزغاريد مخنوقة تم عقد القران وذهبوا وتركوا ابنتهم فى بيتنا، وخلوت بنفسى وبكيت كثيرا لهذا الموقف، وذلك اليوم الذى ينتظره أى شاب أو فتاة ويحلمان به، فلم أتوقع أن يتم بهذا الشكل وأنا طريح الفراش ولا أستطيع الحركة إلا بعكازين، ووجدت زوجتى بنت أصول ووقفت بجانبى وخففت عنى آلامي، وصارت عكازا لى تشعر بألمى وتشاركنى همومى ووضعتها فوق رأسى وفى قلبى ولن أنسى صنيعها ما حييت، وبعد فترة قضيتها فى تعاطى المضادات والمسكنات ذهبت إلى طبيب آخر رأى ضرورة إجراء جراحة لى قبل انتشار المرض فى باقى العظام، وتم حجزى فى غرفة بمستشفى خاص تكلفتها ثلاثة آلاف جنيه فى خمس ساعات قضيتها فيها، هذا الى جانب تكاليف العملية وأجر الطبيب، وقال لى الطبيب وقتها إننى سأمشى على قدمى بإذن الله ـ بعد إجراء العملية، وأن الأمر بسيط وسيتم إجراء جراحة لتنظيف الركبة وإزالة غضاريف تالفة وأخذ عينة من العظم والنسيج والسائل الزلالى للاطمئنان على حالتى، وعندما سألته عن نوع المرض الذى أعانيه قال إنه يشك فى وجود سرطان بالعظام فأصابنى الرعب وخرجت من المستشفى على كرسى متحرك، وشدد الطبيب على أن تظل قدمى اليسرى 30 يوما بعيدا عن الأرض، ومر الشهر وعاد الألم، وبعد التردد على أكثر من طبيب وإجراء أربع عمليات جراحية للركبة تكلفت أكثر من خمسين ألف جنيه، لم أستطع السير عليها، واتضح فيما بعد أن العملية التى أجريت لى من قبل كانت مجرد حل مؤقت وتسكين للألم فقط، وأننى أحتاج الى عملية مهمة تتكلف مبلغا كبيرا لا أستطيع تدبيره فكل ما صرفته استدنته من أيدى الناس، وقد كتبت به شيكات على نفسي.. ولم أيأس، فعاودت عرض نفسى على أستاذ متخصص فى حالتي، فأكد حاجتى الى تغيير مفصل وبسرعة وعندما سألته عن المرض قال إنه مرض مناعى نادر يهاجم فيه الجسم العظام على أنها جسم غريب ويسبب تآكلها، ورويت له ما حدث لى وما تم إجراؤه من عمليات سابقة واشتباه بعض الأطباء فى اصابتى بسرطان العظام، فقال إنه ليس سرطانا.

ولم يغثنى أحد ولم يجد أبى أمامه إلا بيع البيت الذى نسكن فيه والذى لم يكتمل بناؤه، وتم عرضه للبيع، وعندما عرفت بذلك قلت له «أعيش برجل واحدة ولا نبيع البيت اللى عايشين فيه»، وشعرت بالحسرة والعجز والذل، وانتابنى حزن واكتئاب، لكن إيمانى بالله كان دافعا للصبر والاحتساب، واعتبرت عجزى هذا قدرا كتبه الله لي.. فكيف أجزع من إرادته؟.. لكن ما يعذبنى هو حالة أبى وأمى إذ لا تجف دموعهما وهما يريان حلم العمر يقترب من النهاية.

لقد مرت تسعة أشهر وأنا لا أتحرك من مكانى ولم أستطع حضور الامتحان العام الماضى ولا التيرم الأول هذا العام، بعد أن وصلت الى السنة النهائية بالكلية.

وتوالت المصائب فأصيب أبى بفيروس C الكبدي، ويتطلب علاجه شراء بعض الأدوية المكلفة التى لا نملك من ثمنها مليما واحدا، وصار طريح الفراش هو الآخر، ولم يعد قادرا على العمل.. والخناق يضيق حولنا، فهل تجد لنا مخرجا مما نحن فيه؟

 

 ولكاتب هذه الرسالة أقول:

دمعت عيناى من الموقف الرائع لأسرة زوجتك، فلقد توقعت أن يقول لك أهلها عندما عرفوا حقيقة مرضك إن كل شيء نصيب، وأنهم لا يريدون أن تعيش ابنتهم فى عذاب مع شاب لا يستطيع الحركة، أو أنه مصاب بمرض لا يرجى شفاؤه، فهذا هو المبرر المعتاد فى مثل هذه الظروف، لكنهم أدركوا أن الإنسان لا يملك من أمره شيئا، وأن مقاليد الأمور كلها بيد الله يصرفها كيف يشاء، وما أكثر التجارب الحياتية التى انعكس فيها الوضع الصحى على العلاقة بين الزوج وزوجته التى رفضت أن تعيش معه بعد مرضه، وانفصلت عنه، فإذا به قد شفاه الله تماما، بينما هى أصابها مرض لم تتوقعه، وصارت هى المعذبة فى الحياة، نعم، ما فعله أهل زوجتك يستحقون التحية عليه، وسوف يكون فى ميزان حسناتهم بإذن الله، وسيكون مردوده عليهم رائعا فى الدنيا قبل الآخرة.

واننى أحيى فيك روح الصبر والمثابرة، وعدم يأسك بعد كل ما تعرضت له من متاعب، وأيضا روح التفاؤل التى يعيشها أبوك الذى وجد نفسه هو الآخر أمام اختبار المرض، واننى استصرخ أطباءنا المتخصصين فى علاج حالتك أن يهبوا الى نجدتك، وأرجو من المسئولين فى وزارة الصحة أن تكون لهم كلمة بشأنك أنت وأبيك، واننى على ثقة أيضا من أن أهل الخير سوف يقدمون لك العون المادى الذى يتيح لك إجراء الجراحة الدقيقة التى تحتاجها.. شفاكما الله وعافاكما من المرض، وهو وحده المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق
  • 3
    shahbourmaklad
    2015/03/27 04:04
    0-
    6+

    المرض والصبر
    اصبر وماصبرك إلابالله--- الشكر والعرفان لزوجتك وأسرتها ------- وإن شاءالله تجد العون من الدولة ومن أهل الخير ----- اللهم فك كربك وكرب المسلمين--- وفرج همك وهم المسلمين
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق
  • 2
    رزق ....
    2015/03/27 03:02
    0-
    4+

    يارب اشفيك انت وابيك وكل مريض يارب
    اللهم اشفيك انت وابيك وكل مريض يارب بارك الله فى زوجتك واهلها الطيبين واهلك وكل من يعاونكم امين يارب
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق
  • 1
    المهندس\شريف شفيق بسطا عطية
    2015/03/27 00:56
    13-
    2+

    احد المعلقين الاسبوع الماضى( لمّح) ان الرسالة كانت من اجل استجداء المال
    وانا اعتقد ان هذه الرسالة ايضا لها غرض استجداء المال فحكاية المأذون والزواج من فتاته بهذه السرعة بمباركة اهلها (فيلم هندى ) قد يكون الظروف المرضية حقيقة ولكنى لم احس فى الرسالة معاناة المريض الفقير المطحون -ربنا يشفى كل مريض يارب
    البريد الالكترونى
     
    الاسم
     
    عنوان التعليق
     
    التعليق