سنغافورة التي تشتهر في مختلف أنحاء العالم بأنها أحد أبرز "النمور" الاقتصادية الآسيوية، تعد نموذجا سارت على دربه مدن عملاقة الآن مثل دبي وهونج كونج، وصارت تلك المدينة الدولة بفضل استراتيجياته وقيادته واحدة من أرقى دول العالم وأكثرها تحضرا، وتشتهر أيضا بتطبيق قوانين شديدة الصرامة على كل ما يخالف القوانين الوطنية، والنظام العام، وبخاصة تلك الأمور المتعلقة بالنظافة والانضباط والسلوك، ودخلت في نزاعات مع دول كبرى بسبب إصرار سنغافورة على تطبيق قوانينها المشددة على الجميع بلا استثناء، بما في ذلك تطبيق عقوبة الجلد على جرائم مثل إلقاء القمامة في الشوارع أو مضغ "اللبان" أو تشويه الجدران بعبارات تحت مسمى "حرية التعبير"!
"لي" - الذي ينسب إليه الفضل في نهضة سنغافورة وتحولها من لاشيء إلى رابع أكبر مركز مالى فى العالم، وصاحبة خامس أكبر ميناء على وجه الأرض، وثالث أغنى دول العالم من حيث متوسط دخل مواطنيها البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة فقط ويبلغ ٦٢ ألف دولار سنويا - خريج جامعة كامبريدج البريطانية، و عمل في شبابه محاميا، وشارك في تأسيس حزب العمل الشعبي الذي يحكم سنغافورة منذ عام ١٩٥٩، وقاد تلك الدولة الوليدة عندما انفصلت عن ماليزيا عام ١٩٦٥.
طبق لي خلال رئاسته للحكومة خطة اعتمدت على السياحة لإنعاش الاقتصاد وتشغيل الشباب، ثم اتجه سريعا إلى تطوير التعليم وتحديد النسل وبناء المصانع، وكانت فلسفته تقوم على أساس "البقاء للأكفأ"، عن طريق وضع الرجل الأنسب علميا في الوظيفة المناسبة له، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين، واعتمد على النخب العلمية والأكاديمية في شتى مجالات الحياة، وطلب منهم نقل كل سياسات الحداثة التى تعلموها فى الجامعات المختلفة، وبخاصة الأوروبية والأمريكية، إلى سنغافورة.أدار "لي" بلاده بنفس الطريقة التي تدار بها الشركات الكبرى، بقوانين متطورة وصارمة،
وكان من أبرز إنجازاته إنشاء هيئة التنمية الاقتصادية لتصبح الجهة الوحيدة للتعامل مع المستثمرين الأجانب، لتسهيل مهمة الجهات المستثمرة بدلا من تعاملها مع عدد كبير من الجهات.
وبعد تركه رئاسة الوزراء، ظل "لي" يعمل مستشارا للحكومات المتعاقبة، إلى أن وصل ابنه "هسين يونج" إلى رئاسة الحكومة منذ عام ٢٠٠٤، وما زال فيه حتى الآن، بينما ظل الأب يقدم له خبراته الاستشارية بين الحين والآخر، إلى أن أصيب في الأيام الماضية بمرض عضال تسبب في وفاته أمس عن ٩١ عاما في أحد مستشفيات سنغافورة.