أبلغ صور التكامل بين السينوغرافيا والدراما أبهرنى بها مصمم الديكور وائل عبدالله في تصميمه لديكورات عرض «3D» الذى يعرض حاليا على خشبة مسرح الطليعة بالعتبة؛ لأنها تشير إلى لغة خاصة جدا دارت بينه وبين المخرج محمد علام والمؤلفة صفاء البيلى وترجمها الممثلون بتألق مذهل.. لغة أشبه بقطعة تشكيلية من الفسيفساء نسجوا بين فراغاتها رؤى مختلفة لثلاثة أنواع من أشهر العلاقات بين الرجل والمرأة في التاريخ والدراما بهدف حث المتفرج على البحث بنفسه عن الحقائق التى تطارده وأن يفكر بها ويتحراها قبل الوثوق بها.
صاغت المؤلفة بعذوبة شديدة اللبنة الأولى لنصها بفرضيات متعددة لأسباب مقتل سيدات الدراما الأشهر كليوباترا وديدمونة وشفيقة.. لتحطم قناعات المتفرج بكل مشاهداته على مدى السنوات السابقة، فتثير في نفسه الشكوك: هل أنت متأكد أن ديدمونة ظلت مخلصة لعطيل؟ وهل كانت كليوباترا ساقطة؟ وما أسرار علاقتها بأنطونيو؟ أما شفيقة فهل تستحق الشفقة أم أن الظروف تحتم عليها أن تسلك طريق العاهرات لو عاد بها الزمن مرة أخرى؟ تساؤلات كثيرة خلطها علام في «بوديوم» أومكعب وائل عبدالله السحرى الذى صممه كغرفة خشبية بلا جدران وذى مستويين سفلى وعلوى يؤدى الممثلون أدوارهم عليه، ومثبت في أرضية القاعة من المنتصف بحيث يدور بشكل حر كلما استدعت الأحداث، وهو حل تجريدى جذاب للغاية فك به مصمم الديكور شفرة تعدد العصور والأماكن بل وفي بعض الأحيان كان المكعب يدور بسرعة بالممثلين في لحظات درامية معبرة عن عدم اتزان الشخصية ، كما حدث في مشهد قتل عطيل لديدمونة.. وقد تسللت المؤلفة إلى أحداث التاريخ من خلال قارب خشبى يتنزه فيه شاب مع سائحة إيطالية ويدب الخلاف بينهما حول سبب مقتل كليوباترا ومدى حبها لأنطونيو، ومن هنا تشتعل الدراما بأحداث كاريكاتورية عبثية ساخرة للغاية للعلاقات الثلاثة بين كليوباترا وانطونيو.. عطيل وديدمونة.. شفيقة ومتولى.. بعضها يدور على المستوى السفلى للغرفة المفرغة وبعضها يدور على المستوى العلوى، وفي كل مرة نرى ثلاثة نماذج مختلفة لإحداهن فشاهدنا شفيقة الشهيرة في الدراما المصرية ثم المتدينة وأخيرا العاهرة المنتمية للطبقة الشعبية المتدنية للغاية، ونفس الشيء يتكرر مع ديدمونة وكليوباترا ورجالهم الثلاثة.. ولعل هذا التصميم لوائل عبدالله هو ما أوصل للمشاهد فكرة المشاهد ثلاثية الأبعاد، خاصة مع تعدد المناظر داخل نفس الصندوق وفوقه أيضا فنراه مرة غرفة ديدمونة، ثم بيت شفيقة أما المستوى العلوى فقد استغله المخرج في تجسيد رحلة متولى بالقطار أو للمشاجرات بينه وبين ابناء بلدته أو للقاء بين العراف وديدمونة وهكذا.. تصور مبتكر يعبر عن الفكرة المجنونة وغير التقليدية للعرض وهو ما ترجمه بشكل متوازى جنون الأداء التمثيلى لشباب قدموا كل ما لديهم بحرفية عالية وإن كانوا قد بالغوا في بعض المشاهد بإلقاء افيهات أقرب للابتذال، كاد يفقد تلك المشاهد رونقها، وخاصة مشهد «الموبايل» بين شفيقة ومتولى ومشهد اللقاء بين ديدمونة وخادمتها.. فيما عدا ذلك امتلك كل منهم زمام شخصيته وشكلوا بذوبانهم معا ثنائيات رائعة وخاصة المشهد الكارتونى الساخر بين إبراهيم سعيد ورحمة أحمد، ثم مشهد شفيقة ومتولى بين ميدو عبدالقادر وبسمة شوقى، ثم كليوباترا وانطونيو بين هاجر عفيفى وهانى سراج، بالإضافة لياسر فرج الذى كان بمثابة الجوكر في العرض بخفة ظله وحركته وملامح جسده ووجهه المثير للضحك، فهم يملكون جميعا مقومات التمثيل المحترف من حيث ادوات الوجه أو التعبير النفسى أو الحركى أيضا، وهو ما يؤهلهم لاختراق الوسط الفنى بسهولة ويسر.. كما يستحق محمد الدسوقى مدير مسرح الطليعة التحية على تقديمه هذا العمل على مسرحه بعد عدة أعمال رائعة قدمها من قبل.
رابط دائم: