رئيس مجلس الادارة

عمـر سـامي

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

رئيس التحرير

عبد الناصر سلامة

أردوغان يعود لدبلوماسية صناعة الأزمات

سيد عبد المجيد
مادامت أن الأمور ستنتهي إلي ما انتهت إليه‏,‏ ملتمسة إسنحياءا وربما خجلا‏,‏ بحتمية العودة إلي الهدوء حفاظا علي الجوار الجغرافي العتيق وعمقه التاريخي..

 دون أن يكون لهذا اي سابق انذار, أو تمهيد للخطوة التراجعية المذهلة, ففجأة تحولت سياسة العدالة والتنمية الحاكم والمتحكم في أرض الاناضول تجاه جواره العراقي من النقيض الجامح إلي السكون والاستكانة!
فلماذا إذن كان الزعيق طوال السنوات القليلة الماضية, والذي تصاعد بشكل خاص مع بدء المخاض السوري, متزامنا مع صراخ وصل إلي حد التهديد بالقطيعة التي ما بعدها عودة, قابله رد صاعق من الحكومة المركزية ببغداد برفض منح أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية وزعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف دولت بهتشلي الاذن لهما لقيامهما كل علي حدة بجولة في كركوك ومناطق التركمان ؟
هذا هو ملخص مشهد من العاصمة العراقية بغداد قبل عشرة أيام, كان بطله داود أوغلو صاحب ما سمي لأول مرة ولعلها الأخيرة, دلوماسية صفر مشاكل, والتي لم تأت سوي بالأزمات, وعراق نوري المالكي كان إحداها.
ولاشك أن سوريا هي السبب الرئيسي في هذا التحول المباغت, فمثلما كانت أزمتها التي بدأت إرهاصاتها في مارس عام2011, وراء التدهور في العلاقات بين العاصمتين الكبيرتين كما عبر قيادي بارز في ائتلاف دولة القانون والذي يتزعمه المالكي الذي كان يوصف من قبل ساسة أتراك حتي وقت قريب بالديكتاتور الطائفي,, ها هي نفسها تدفع الأداء الأردوغاني نسبة إلي رجب طيب اردوغان, إلي تغيير سياساته الخاطئة الآن وليس غدا.
يأتي ذلك بعد جملة إخفاقات إقليمية في مقدمتها نبدد أحلام الباشباكلنك( مقر مجلس الوزراء), وأيضا الكشك( القصر الرئاسي) في أنقرة, برحيل سريع لبشار الأسد, وزوال نظامه إلي غير رجعة, وهو ما لم يحدث, ليس ذلك فحسب بل أن القابع في ثكنته بقلب دمشق, بات يكتسب أرضية تتسع شيئا فشيئا, ممهدا وضامنا لنفسه, خروج ــ حال حدوثه ــ بطريقة لم يكن يرغبها ويتمناها رئيس الحكومة اردوغان, وهو ما يعني مزيدا من الخزي للأخير ولحزبه لتهورهما وسقوطهما في المستنقع السوري, زاد علي ذلك, أن رجل الشام الآن, يبدو أنه في أوج سعادته شامتا في غريمه الذي يشاركه في800 كيلو متر حدودا, وهو يري انقلاب الاصوليات المتشددة وفي القلب منها جبهة النصرة أحد ذيول تنظيم القاعدة والتي باتت توجه سهامها إلي بلديات أناضولية موازية لتخوم بلاده كــس ز س ز القامشلي والذي شجعهم, ما كان صديقا له ولبلاده حتي سنتين مضتا, واغدق عليهم عتادا عسكريا ومالا قطريا, وها هم ينقلبون عليه مهددين وحدة أراضيه.
فقد أشارت صحيفة حريت التركية في نسختها الإنجليزية إلي الكابوس المريع, الذي انتاب ــ ومازال ــ أهل الحكم من إحتمال إقامة إدارة مؤقتة للأكراد السوريين, كخطوة أولي نحو تكوين كيان في الأجزاء الشمالية التي مزقتها ويلات الحرب, والمتاخمة للجنوب الشرقي التركي ومدنه الكبيرة التي تعج بالاثنية الكردية.
صحيح أن الحليف واشنطن أبدي انزعاجه الشديد لما يتم ترجمته علي ارض الواقع من نزعات انفصالية, وهو ما عبرت عنه المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية, جين بساكي, حينما قالت ز حكم ذاتي من قبل الأكراد في سوريا, مؤكدة استمرار واشنطن في الالتزام بوعدها بدعم سوريا وتحقيق وحدتها, غير أن هذا الكلام لم يخفف من امتعاض الحكام الاتراك, بل علي العكس تعاظمت شكوكهم ومخاوفهم, فماذا ستفعل ادارة البيت الابيض اذ حدث إنفصال أو تجزئة الاراضي السورية ؟ في الأغلب لا شئ, اللهم إدانة وشجبا وتهديدا بفرض عقوبات, وبعدها تعود الاوضاع إلي واقع معترف به من الكافة.
والدليل علي ذلك ما قاله صالح مسلم الرئيس المشارك في حزب الاتحاد الديمقراطي الذي دشن علي أطلال البعث في تلك البقاع وهي عمليا, إنسلخت تماما من سيطرة الأسد, وبعد أن كانوا حلفاء, صار التباين مع الجيش الحر شاسعا إن تكوين إدارة مؤقتة يصب في مصلحة الأكراد السوريين لتلبية احتياجاتهم, وأردف قائلا: أن استعدادات تنفيذية تتخذ في الوقت الحاضر وتتسم بالجدية لتكوين هياكل تلك الإدارة, وحال تحقق ذلك من الممكن أن تجري انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.
وكان طبيعيا, أمام هذا التطور الصعب الذي جاهدت تركيا من أجل الا يحدث أن يثور صانع القرار التركي معتبرا تلك الاقاويل محض هراء واتهم داود أوغلو, الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر الجناح السوري لمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة, بنقض وعوده. وكان مسلم سبق صرح لحريت يوم الثامن من الشهر الحالي بأنه يرغب في علاقات ودية مع تركيا مشددا علي أنهم( أكراد سوريا) لا يريدون استقلالا أو هيكلا اتحاديا, فما الذي طرأ ؟ ألم تقم أنقرة بواجبها بالتوقف عن دعم الاسلاميين المتشددين الجهاديين وهو ما عزز من نجاحات حققوها في ميادين المعارك فلماذا تلك التصريحات التي تنم عن نزعة انفصالية لا مراء فيها ؟
وليس هناك أي مصادفة في تزامن هذا التطور مع تعثر عملية السلام التي يخوضها اردوغان لوضع نهاية للمعضلة الكردية قبل فوات الاوان, بيد أن بوادر فشلها أصبحت جلية وهو ما نوه إليه قبل ثلاثة أسابيع, جميل بايك القيادي البارز بحزب العمال الكردستاني, عندما قال من مقره بجبال قنديل بشمال العراق إن العملية التي تزامنت مع احتفالات النيروز في نهاية مارس الفائت في طريقها للإنهيار ما لم تقم حكومة العدالة بتنفيذ ما تعهدت به معتبرا أن حزمة الاصلاحات التي اعلنت لا تفي بالحد الادني لمطالب الشعب الكردي, ومضي مشككا في حدوث حلحلة للأزمة المستحكمة منذ اربعة عقود.
با بيك لم يكتف بذلك بل ذهب إلي ما هو أبعد متهما ساسة أنقرة بالتواطؤ مع طهران لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة لا وجود للكرد فيها مدللا علي كلامه, بوجود مخطط إيراني تركي في هذا الشأن, فحملات الإعدام التي بدأت تتصاعد في الجمهورية الإسلامية وطالت عناصر من حزب بيجاك الوجه الثاني لمنظمة حزب العمال الكردستاني بعد الاتحاد الديمقراطي السوري, جاءت بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانيلاسطنبول وتطبيع علاقات الدولتين, فإيران تتطلع إلي عودة القتال مجددا بين الجيش التركي والمنظمة ثم مختتما حديثه الذي نقلته معظم الادبيات التركية السيارة قائلا: لا معني مطلقا لاستمرار سلام دون الاستجابة للطموحات المشروعة للأكراد,, وفي ظل استمرار الإنكار التركي لوجود الشعب الكردي, فالحلول الترقيعية لا فائدة من ورائها, وهو ما يحمل تهديدا مبطنا بالاحتكام من جديد للغة السلاح.
وهكذا وعلي الفور تنبهت الدولة التركية إلي المأزق الذي وضعت نفسها فيه, بالطبع هي صادقة في مسعاها الرامي إلي حل سياسي لمشكلتها المزمنة مع أكرادها, غير أن هذا علي ما يبدو يفوق قدرة اردوغان وحكومته, فثمة سقف من الصعب تخطيه وها هي رياح الداخل مازالت تقاوم خطوات يراها قطاع عريض من أبنائه بمثابة تنازلات من شأنها العصف بوحدة جمهوريتهم الطورانية. وحتي الرهان علي كردستان العراق لم يعد هو الآخر ناجعا رغم التقارب والتعاون في مجالات الأمن والطاقة.
وفي محاولة لاختراق هذا الضباب الكثيف, تفتق ذهن أهل الحل والعقد بالاناضول إلي ضرورة إعادة ترتيب علاقات بلادهم مع الأقرب لها, ألا وهو العراق فقد تبين لهم انهم غير قادرين علي الاستمرار في مقاطعته ولهذا ذهب داود أوغلو علي أمل أن يطوي صفحة الماضي والأهم إعادة الروح في مساراته الإقليمية والتي أصيبت جميعها بالإخفاق والموت الاكلينكي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق