برغم اختلافات التقديرات حول افتتاح المتحف الكبير، فى الملاحظات عن مسائل فنية تفصيلية فى العرض، وكانت كلها متوقعة كعادة انتشرت بمصر فى تسرع الكثيرين بالحسم وفق الانطباعات الأولى، فإن هناك اتفاقات مهمة تتعلق بمضمون الحدث، لعل من أهمها هذا الاستخلاص بأن الإحساس الوطنى العام بالفرح والبهجة الذى لم تخطئه الأعين كان تجسيداً للوحدة الوطنية، مثلما كانت الأحداث الكبرى فى تاريخ مصر. توقف كثيرون أمام هذه المشاعر العامة المشتركة بين عموم المصريين قبيل وأثناء استقبالهم للحدث، ففى حين سهر البعض يحتفلون أمام المتحف قبل ليلة الافتتاح، فقد ظهرت تجمعات أخرى فى ميادين كثيرة لمن يحتفلون بالرقص والطبل والمزامير، وكان من المستحيل تحديد هوية أخرى بأى منهم سوى أنه مصرى مثله مثل كل من يشاركونه الاحتفال، وقد اختفت تحت ملامحهم الجامِعة كل الفوارق الأخرى التى كانت تُشَوِّه هذا الملمح الجميل فى حالات عارضة. هذه اللقطة الرائعة ينبغى أن تنال اهتمام السياسيين والباحثين بما يتواكب مع معانيها الكثيرة الإيجابية، التى يذكر بعض المسنين أنهم عاشوها وسعدوا بها أثناء حرب أكتوبر 1973، عندما تَجَلَّت، مرة واحدة مع البيان الأول، مشاعرُ وطنية جارفة جامِعة وَحَّدَت جميعَ المصريين، فكان المقاتلون المتكاتفون معاً على الجبهة تحت راية مصرية توحدهم، مدعومين باصطفاف وطنى تاريخى خلفهم، ولعلها كانت أهم لحظة تَجَسَّدَت فيها الوحدة الوطنية فى تاريخ مصر الحديث، أَكَّدَت أنه لا خوف عليها، وأن أى مؤشرات أخرى هى خارجة عن السياق الطبيعى.
منذ اقتراب موعد افتتاح المتحف، ومع انتشار المعلومات الأولى عن مقتنياته وطريقة عرضها، وعن استعدادات الاحتفال، وعن المكانة المُنتَظَرَة للمتحف داخل مصر وخارجها، ظهرت على مواقع السوشيال ميديا مؤشراتُ اهتمام جماهيرى استثنائية، كشفت فضولاً تلقائياً شديداً لمعرفة التاريخ القديم للوطن، مع استنكار لإهمال وسائل الإعلام لهذا الجانب، ودارت مناظرات تستحق التوقف أمامها بين من هاجموا، دون معرفة بالحقائق، المصريين القدماء واتهموهم بأنهم كانوا عبدة أوثان، فتصدى لهم آخرون بأن الأجداد هم الذين اخترعوا الأخلاق العليا والآلهة حينما كان البشر الآخرون فى أطوار الديانات البدائية أو ما قبلها!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: