ربما هى المرة الأولى التى تتحدث فيها أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية عن الارتباط الوثيق بين العالمين العربى والإسلامى إلا أن ذلك قد ظهر جليًا فى الفترة الأخيرة من حرب الإبادة الإجرامية على غزة، واتضح أن الصياغة لاتحمل معنى دينيًا بقدر ما تحمل من هوية تاريخية تقفز فوق الديانات والقوميات لتؤكد معنى آخر هو التواصل بين دول الشرق من الحدود التركية غربًا إلى حدود الصين شرقًا، فالأمر المؤكد أن هناك رابطة موثقة للعلاقات بين الدول العربية والإسلامية فى قارات العالم القديم آسيا وإفريقيا وأوروبا، وذلك مع الاعتراف بامتداداتها فى صورة جاليات مؤثرة فى باقى أصقاع الأرض، ورغم أننى أخشى كثيرًا من أن تعطى كلمة الدول الإسلامية مفهومًا آخر يقودنا إلى دعم محاولات إسرائيل وبعض الدول الغربية تديين الصراع العربى الإسرائيلى ومنحه صبغة دينية خصوصًا إذا جرى حسبان إيران على ذلك الجانب من الدول الإسلامية، ولاشك فى أن فى ذلك التزاوج العربى الإسلامى دعمًا ملحوظًا من الناحية السياسية، فانضمام دول مثل تركيا وباكستان وإندونيسيا إلى قمة شرم الشيخ الأخيرة قد أكد ذلك البعد المزدوج بين الجانبين الإسلامى والسياسى، وقد اعتمد رئيس وزراء إسرائيل نيتانياهو فى خطابه أمام الكنيست فى حضور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على عبارات من التلمود وتفسيرات توراتية لأحلام إسرائيل وأوهامها والتزييف المعروف من جانبها للديانة اليهودية الحقيقية، إذ لايمكن أن يكون العدوان وسفك الدماء وقتل المدنيين الأبرياء والعبث بأرواح الأطفال والنساء، لايمكن أن يكون ذلك كله جزءًا من تعاليم دينية أو رسائل روحية، بل هى عملية اصطناع واضحة لكل ما تشير إليه أطماع إسرائيل فى أرض الغير والسطو على حقوق الآخرين ومقدراتهم، إذ إنه لايوجد دين سماوى أو أرضى يمكن أن يفسر تصرفات اسرائيل العدوانية الإجرامية، ورغم اعترافنا بأن طوفان الأقصى لم يكن أمرًا محسوبًا بل هو رد فعل لاستمرار الاحتلال وممارساته، ولكن جرى استغلاله على نطاق واسع لتبرير سياسات جيش الاحتلال الإسرائيلى وتصرفاته العدوانية، فى رد فعل أرعن يتوازى مع رد الفعل الأمريكى بعد 11 سبتمبر 2001، ولابد أن نسجل هنا الملاحظات الأربع الآتية:
أولاً: إن الدول الإسلامية المنضوية تحت عباءة قمة شرم الشيخ فى حضور الرئيس الأمريكى إنما هى دول ذات مشارب مختلفة، فتركيا عضو فى الأطلنطى وباكستان دولة نووية، وإندونيسيا هى أكبر تجمع للمسلمين فى دولة واحدة على امتداد خريطة عالمنا المعاصر.
ثانيًا: إن الذى نؤكده هنا هو أن الموقف من إسرائيل لدى الرافضين له والمحتجين عليه وهم يمثلون الأغلب الأعم من سكان الكوكب، أقول إن ذلك الموقف يعلو فوق كل الانتماءات الدينية والتحالفات السياسية والارتباطات القومية، إذ إن رفض سياسات إسرائيل العدوانية والإعلان عن جرائمها إنما هو رد فعل تلقائى إنسانى للجرائم التى شاهدها البشر على شاشات التلفاز فوق مسرح الأحداث فى كل مكان.
ثالثًا: إن التطورات الخطيرة التى يشهدها العالم المعاصر تؤكد أن البعد الإنسانى يتوارى، وأن منطق القوة هو الذى يسود، وذلك ما عبر عنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بكلمة «سلام القوة» وهو يفاخر ببلده ويبالغ فى تقدير قوتها العسكرية والاقتصادية تأكيدًا لشخصيته التى تؤمن بالثراء الفاحش والقوة الغاشمة والتفرد بالسيطرة كلما أتاحت الظروف لها سبيلا، إننى أرى أن عالم اليوم يدخل مرحلة التغيير الكبرى اجتماعيًا وثقافيًا ويعتمد إلى حدٍ كبير على منطق القوة دون غيرها، فالقانون نظرى بحت، والشرعية مفهوم خفى، والتطاحن فى عالمنا بلغ أقضى حدوده.
رابعًا: يجب أن نشير هنا إلى إن التقدم التكنولوجى قد أعطى الأمر بعدًا جديدًا جعل المواطن العادى ورجل الشارع فى أى دولة معاصرة ينال قسطًا من المعارف وقدرًا من المعلومات حول الأحداث الجارية وتداعياتها على نحوٍ غير مسبوق فيما مضى من عصور الحضارات حتى بالنسبة للكيانات السياسية العريقة والضاربة فى جذور التاريخ.
إننى لا أرى غضاضة أبدًا فى انضمام البشر من كل الديانات والثقافات ومختلف الحضارات عندما يجمعون على موقف سياسى له أبعاد إنسانية لايمكن ولا يجب تجاوزها، وفى ظنى أن القضية الفلسطينية قد تحولت الآن إلى إرثٍ إنسانى لايمكن تجاهله، ولذلك فإن هناك معنى جديدًا شفافًا ونقيًا لمفهوم الدول العربية والإسلامية قد بدأ يظهر على السطح، إذ أن مسيحيى الشرق هم نسيج مهم من منظومة الشعوب الساعية إلى السلام الراغبة فى العدل المؤمنة دومًا بأن الحق فوق القوة.
لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى رابط دائم: