رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مصر والاتحاد الأوروبى.. شراكة تصنع المستقبل

قبل أن تنتصف ليلة الثانى والعشرين من أكتوبر الحالى، فى بروكسل، بدأت مرحلة جديدة واعدة فى العلاقات المصرية - الأوروبية تحددت ملامحها فى المؤتمر الصحفى المشترك للرئيس عبدالفتاح السيسى وأنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبى وأورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، فى ختام القمة الأولى من نوعها بين مصر والاتحاد الأوروبي؛ تعزيزا للشراكة الاستراتيجية الشاملة التى جرى إطلاقها فى مارس 2024.

وأستطيع القول إن يوم 22 أكتوبر كان يوما مصريا حافلا فى العاصمة البلجيكية بروكسل؛ فما بين حدث اقتصادى رفيع المستوى استضافته المفوضية الأوروبية وفعاليات قمة مصر والاتحاد الأوروبى التى عقدت فى مقر المجلس الأوروبى كان الحضور المصرى قويا وفاعلا ومؤثرا، وبدا واضحا لجميع المتابعين التقدير الأوروبى الكبير لمصر ورئيسها.

ومما لا شك فيه أن مخرجات القمة المصرية ــ الأوروبية التاريخية تشكل منعطفا مهما فى مسار الشراكة، وإذا كان البيان الختامى للقمة يعكس التفاهم والتوافق المصرى الأوروبي بشأن العديد من القضايا الجيوسياسية إقليميا ودوليا، فإنه أيضا يرسم ملامح مستقبل هذه الشراكة بفرص جديدة وآفاق واسعة تضيف لتاريخ العلاقات المصرية - الأوروبية.

ولعل اللافت فى ملامح مستقبل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى هو التوقيع على اتفاقية انضمام مصر كدولة شريكة فى برنامج «أفق أوروبا» الذى يُمكن الباحثين والمنظمات المصرية من المشاركة فى جميع جوانب البرنامج، ويتيح كذلك للكيانات المصرية تنسيق المشروعات ودعم إصلاحات البحث الوطنى، بالإضافة إلى بناء القدرات المؤسسية، كما يتيح توسيع نطاق المشاركة فى مبادرة «الشراكة من أجل البحث والابتكار فى منطقة البحر المتوسط»؛ لتعزيز إدارة المياه ونظم الزراعة وسلاسل القيمة الغذائية والذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى والتحول الرقمى.


فى ضوء الاتفاقية التى تم توقيعها على هامش القمة، وأيضا ما تضمنه البيان الختامى، أصبحت مصر دولة مشاركة بالكامل؛ أى تُعامل مثل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي؛ من حيث الحق فى التقديم والتمويل والتنسيق، ويحق للباحثين والمؤسسات المصرية المشاركة فى جميع مشروعات البرنامج، وقيادة مشروعات علمية مشتركة، والحصول على تمويل مباشر من المفوضية الأوروبية؛ وكل ذلك سيدعم منظومة البحث العلمى والتعليم العالى المصرية، ويرفع كفاءة الجامعات ومراكز الأبحاث.

وتأكيدا على أهمية هذا المحور فى صياغة مستقبل التعاون المصري- الأوروبى جاءت الإشارة إلى الاتفاقية فى كلمة الرئيس السيسى، خلال المؤتمر الصفحى المشترك مع رئيس المجلس الأوروبى ورئيسة المفوضية الأوروبية، حيث قال الرئيس :«اسمحوا لى أن أعرب أيضا عن تقدير مصر الكبير للتوقيع، اليوم، على الاتفاقية الخاصة بانضمام مصر إلى برنامج «أفق أوروبا».. والذى نتطلع إلى أن يمثل انطلاقة، لتعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى، فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى والابتكار وهو ما يعد استثمارا طويل الأجل، فى مستقبل الأجيال الحالية والمقبلة، وفرصة لمد جسور راسخة، للتبادل بين شعوب شمال وجنوب المتوسط».

من المؤكد أن انضمام مصر إلى «أفق أوروبا» يعد قفزة علمية ودبلوماسية تعزز الشراكة مع الاتحاد الأوروبى، وتفتح الباب أمام التعاون فى التمويل البحثي؛ مما يربط الجامعات والمراكز البحثية المصرية بشبكة البحث الأوروبية الكبرى، فى جميع مجالات العلوم والابتكار والبيئة والطاقة.

وهناك أيضا محور مهم تضمنته مخرجات القمة يتعلق بتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبى ومصر فى مجال التدريب المهنى والفنى وتوفير التعليم والمهارات اللازمة للشباب والكبار فى مصر، من خلال دعم تطوير المناهج الدراسية ومدارس التكنولوجيا التطبيقية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل والقطاع الصناعى الحالية والمستقبلية.

وكان لافتا تأكيد الطرفين المصرى والأوروبى التزامهما بالتعاون فى مجالات التحول الرقمى، وتحفيز الاستثمارات فى البنى التحتية للبيانات والربط الرقمى الموثوقة والآمنة، وتعزيز الأمن السيبرانى والذكاء الاصطناعى واقتصاد البيانات وتنمية المواهب والمهارات الرقمية.

ومما لفت انتباهى أيضا فى البيان الختامى للقمة الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبى يدرك اعتماد مصر الشديد على نهر النيل فى ظل ندرة المياه، ويؤكد دعمه لأمن مصر المائى والامتثال للقانون الدولى، فى إشارة إلى أزمة السد الإثيوبى، كما يشجع التعاون عبر الحدود بين دول حوض النيل، على أساس مبادئ الإخطار المسبق والتعاون و«عدم الضرر»، وهو ما لا يجوز النظر إليه إلا بوصفه تأييدا لموقف القاهرة فى أزمة السد، وللسبل الكفيلة التى تقترحها لتطويق الأزمة؛ قبل أن تصبح تهديدا خطيرا للأمن والسلم الدوليين. وهذا تطور إيجابى بالغ الأهمية فى الموقف الأوروبى تجاه «السد الإثيوبي»، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.

لم تكن القمة التاريخية بين مصر والاتحاد الأوروبي- وهى الأولى من نوعها التى يعقدها الاتحاد الأوروبى مع أحد شركائه من دول جنوب المتوسط أو دول الشرق الأوسط- إلا نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة فى مسار التنسيق والتعاون والعمل المشترك؛ لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى، بمفهومها الواسع كنموذج يحتذى به، بما يجمعهما من روابط تاريخية ومصالح مشتركة وطموح نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للأجيال القادمة؛ استنادا إلى التكامل والاحترام المتبادل، والشراكة المتوازنة التى تحقق مصالح الشعب المصرى والشعوب الأوروبية؛ وتصنع المستقبل.

 

           ◙   ◙   ◙

لعل اللافت فى ملامح مستقبل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى هو التوقيع على اتفاقية انضمام مصر كدولة شريكة فى برنامج «أفق أوروبا».

[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير

رابط دائم: