رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مصر والاتحاد الأوروبى .. طموح مشترك

لا يمكن النظر إلى القمة المصرية- الأوروبية، فى بروكسل، بوصفها مجرد لقاء دبلوماسى عابر، بل فصل جديد فى تاريخ العلاقات عبر البحر المتوسط، ذلك البحر الذى كان دوما جسرا بين حضارات العالم القديم، يحمل فى أمواجه قصص الفتوحات والتجارة، والآن، فى عصر التحديات العالمية، يصبح شاهدا على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأوروبا، كإشراقة أمل وتنمية، فى ظلال الصراعات؛ فالعلاقات بين الشعوب ليست مجرد معاهدات، بل نسيج حى ينبض بالمصالح المشتركة.

كان إطلاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى فى 2024، بداية طريق طويل من العمل المشترك، يحتل فيه الشق الاقتصادى أولوية خاصة، تبدو واضحة فى المحاور التى جرى استعراضها ومناقشتها فى اللقاء رفيع المستوى الذى استضافته المفوضية الأوروبية، بالتزامن مع القمة التاريخية المصرية الأوروبية الأولى فى بروكسل. ويحرص الجانبان على تحقيق نتائج ملموسة، عبر تنفيذ تلك الشراكة.

ومن خلال متابعتى للاجتماعات بمقر المفوضية الأوروبية ببروكسل، أمس، وكلمتى الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فى المنتدى الاقتصادى المصرى ــ الأوروبى أستطيع القول إن العمل على تنفيذ الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى يرتكز إلى 3 محاور دارت حولها المناقشات، وهى تسريع الاستثمار الاستراتيجى، والتحول الصناعى، والابتكار. هذه المحاور التى خضعت لحوارات ومناقشات كبار المسئولين ورجال الأعمال من مصر والاتحاد الأوروبى والمؤسسات المالية وجمعيات الصناعة ورواد الأعمال، تحدد ملامح أجندة الشراكة المستقبلية وسبل تفعيلها والنهوض بها. وهناك أيضا توافق على أهمية العمل على دفع القدرة التنافسية المستدامة والاستثمارات عالية التأثير فى القطاعات الاستراتيجية، مثل سلاسل قيمة التكنولوجيا النظيفة، وتعزيز منظومة ابتكار ديناميكية تربط أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص فى مصر والاتحاد الأوروبى، وعلى سبيل المثال، وفى ظل أزمة المناخ، يمكن أن تكون مصر شريكا فى «الثورة الخضراء الأورو-مصرية»، متى تم الاستثمار فى مشروعات الطاقة الشمسية فى صحراء مصر لتصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا عبر المتوسط.

وفيما يتعلق ببناء «ممر استثمارى استراتيجي» بين مصر وأوروبا، جرى تأكيد- وفق ما علمته من المشاركين من الجانب المصري- أهمية تعميق التعاون الاقتصادى بين مصر والاتحاد الأوروبى، وفتح آفاق الاستثمارات فى القطاعات الرئيسية، بالاستفادة من زخم الإصلاحات فى مصر وبيئتها التنظيمية ومزاياها النسبية، بما فى ذلك إمكاناتها الصناعية ودورها كبوابة للأسواق الإقليمية، كما جرى أيضا استعراض دور الاستثمارات فى البنية التحتية وسلاسل القيمة الصناعية المستدامة، وفى تعزيز القدرة التنافسية والاستدامة على المدى الطويل.

المحور الثانى الذى تناولته مناقشات اللقاء رفيع المستوى تركز على تعزيز القدرة التنافسية الصناعية وسلاسل القيمة المستدامة، من خلال تشجيع تبنى التقنيات النظيفة والموفرة للموارد وفتح الآفاق أمام التعاون الأعمق بين القطاعين العام والخاص المصرى والأوروبى، وتشجيع الابتكار وطموح مصر فى تحديث قاعدتها الصناعية، ومواكبة المعايير العالمية المتطورة والنفاذ إلى أسواق جديدة إلى جانب طرح مبادرات لتحفيز التعاون وجذب الاستثمارات واستهداف قطاعات رئيسية، مثل: تصنيع التقنيات النظيفة والهيدروجين والخدمات اللوجستية والشحن.

وبالتأكيد كان لمحور الابتكار ودوره فى تعزيز المنافسة أهمية خاصة فى المناقشات، حيث جرى تأكيد ضرورة تعزيز منظومة الابتكار فى مصر، من خلال الروابط بين الصناعة والأوساط الأكاديمية وحاضنات الأعمال، بما يضمن ترجمة البحث إلى حلول جاهزة للسوق وتأثير إيجابى على الصناعة، مع منح الابتكار التطبيقى والرقمنة والتحديث الصناعى أولوية وإتاحة المجال أمام التعاون بين القطاعين العام والخاص؛ لتسريع نشر التكنولوجيا ودعم قدرات التصنيع المحلية.

تتحمل مصر عبء الاستقرار فى الشرق الأوسط المتخم بالصراعات، وتقود جهود احتواء الأزمات فى الإقليم وما حوله، من أزمات غزة إلى السودان إلى ليبيا وشرق المتوسط والقرن الإفريقى، ومواجهة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وكلها أزمات تترك تأثيرات خطيرة على الأمن الأوروبى والدولى، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى شديد الوضوح فى ذلك، عندما قال، أمس، إن أوروبا لم تتأثر بتداعيات الهجرة غير الشرعية بفضل جهود القاهرة فى منع خروج أى قوارب للهجرة غير الشرعية، لافتا إلى أن مصر تستضيف 10 ملايين نزحوا من دول تعانى اضطرابات.

ولأن الاتحاد الأوروبى قطب عالمى يلعب دورا مؤثرا فى تطورات الأحداث، يأتى انعقاد القمة المصرية- الأوروبية الأولى فى بروكسل تأكيدا لثقل الدور المصرى فى الملفات الإقليمية والدولية، ومن بينها مساعى وقف النار فى غزة وضمان دخول المساعدات الإنسانية وبدء إعادة إعمار القطاع، ولا شك أن الحضور الأوروبى الكثيف على أرقى مستوى فى «قمة السلام بشرم الشيخ» يعكس الحرص الأوروبى على تقدير أدوار القاهرة، وإنهاء معاناة سكان القطاع، وإغاثتهم، ودعم إعادة الإعمار، والمشاركة، بالإسهام فى مؤتمر القاهرة نوفمبر المقبل، والتمهيد لبناء سلام مستديم. وقد توالت إشادات القادة والمسئولين الأوروبيين بدور مصر الحيوى فى غزة والسودان وليبيا وغيرها من قضايا المنطقة. إن مصر، بتاريخها الغنى كوسيط فى الشرق الأوسط، تقدم لأوروبا شراكة حقيقية استنادا إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.

وأحسب أن القمة المصرية- الأوروبية بداية لعصر جديد؛ يعيد رسم خريطة جانبى المتوسط. مصر وأوروبا، بتاريخهما المشترك من زمن الإسكندر إلى اليوم، يمكنهما بناء جسور لا تهدمها العواصف، تحول التحديات إلى فرص، والنزاعات إلى سلام؛ فلنجعل المتوسط بحرا للصداقة والتنمية والازدهار للجميع!.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسي شديد الوضوح، عندما قال، أمس، إن أوروبا لم تتأثر بتداعيات الهجرة غير الشرعية بفضل جهود القاهرة فى منع خروج أى قوارب للهجرة غير الشرعية.

[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير

رابط دائم: