يسجل التاريخ أن ما بين مصر والسعودية روابط تتجاوز العلاقات بين الدول ولعل ما نشهده من حرص متبادل على التشاور والتواصل الدائم، والتنسيق المستمر فى كل المواقف والقضايا الثنائية والإقليمية يمنح التعاون والشراكة بين البلدين الشقيقين خصوصية بآفاق أرحب.
ومن قبل قالها الملك عبد العزيز آل سعود «لا غنى للعرب عن مصر ولا غنى لمصر عن العرب» من ثم تتميز العلاقات المصرية ــ السعودية بحالة شديدة الخصوصية، ولم لا ومصر هى العمق الإستراتيجى للمملكة، كما أن السعودية عمق إستراتيجى لمصر.
وتؤكد الثوابت المصرية على الدوام أن القاهرة لم تتأخر لحظة واحدة عن الرياض، وكذلك فإن السعودية لم تتوقف يوما عن دعم مصر فى كل الأحداث والتطورات الخطيرة فى إقليم الشرق الأوسط، خاضت مصر حرب أكتوبر 1973، دفاعا عن الحق العربى والكرامة العربية، وعندما عبرت موانع الهزيمة إلى منصات النصر، أعادت إلى أمة العرب عزتها وكرامتها، وفى هذا السياق نتذكر موقف الملك فيصل بن عبد العزيز الذى أشهر سلاح «الحظر البترولي» كسيف سياسى، لدعم الموقف المصرى والسورى فى الحرب، مما أسهم فى تغيير موازين القوى الإقليمية.
لم تتردد أى من الدولتين فى مد يد العون للأخرى، فى كل أزمة تمر بها، ويسجل التاريخ هذه الحقيقة فى وقفة الرياض مع القاهرة بعد ثورة 30 يونيو 2013، كما أن الرئيس السيسى أعلن مرارا أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، إن هذه المواقف وغيرها ليست حوادث عابرة؛ إنما شهادة على عمق الثقة التى تميز علاقات البلدين الشقيقين الضاربة فى أعماق التاريخ.
وأستطيع أن أجزم بأن القاهرة والرياض بلغت أوجها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد الأمير محمد بن سلمان؛ حيث تعددت الزيارات بين الجانبين، وجرى تطوير التعاون والتكامل الاقتصادى والاستثمارات المتبادلة، بالإضافة توقيع إلى توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وتعزيز الشراكة الإستراتيجية؛ لتصبح السعودية أكبر شريك تجارى لمصر فى الشرق الأوسط، بل إننا نلحظ نوعا من التكامل ترسم ملامحه محددات «رؤى 2030» بما توفره من فرص استثمارية تعود بالنفع على شعبى بالبلدين؛ فهناك مشروعات قومية عملاقة فى مصر تمثل بيئة جاذبة للاستثمارات السعودية، إضافة إلى فتح أبواب التعاون فى الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، إن الشراكة التنموية الناشئة بين القطرين الشقيقين، هى شراكة من أجل مستقبل واحد واعد.
وبالإضافة إلى التعاون الاقتصادى يقع على البلدين العبء الأكبر فى تحقيق التضامن العربى وحماية الأمن العربى، ما يجعل تعاونهما الراسخ ضرورة لا بديل عنها؛ ليس فقط بسبب التحديات التى تهدد المنطقة المشتعلة، بل لأنهما «صمام الأمان» للعالم العربى؛ بوصفهما القلب النابض للأمة، ولما يتمتعان به من قدرة غير عادية على حلحلة أزمات الشرق الأوسط التى تتزايد مخاطرها إلى مستويات غير مسبوقة وكادت تقترب من الانفجار بحرب إقليمية، ما يعنى أن هناك زخما واقعيا وملفات مشتركة تجعل البلدين مؤهلين للدفع بالمزيد من ترفيع العلاقات بينهما.
ولأن مصر والسعودية، حجر الأساس للأمن العربى والإقليمى فإن التحركات المشتركة دائما ما تعكس نضجا سياسيا، خاصة فى اللحظات الفارقة والأوقات العصيبة، ولا شك فى أن الظروف الراهنة فى الإقليم وطبيعة العلاقات الأزلية بين القاهرة والرياض فرضت عليهما التنسيق والتشاور والتحرك من منطلق دورهما ورعايتهما مصالح الأمة.
وبإيجاز شديد، مصر والسعودية هما العمود الفقرى للأمة، يدعمان بعضهما فى السراء والضراء، ويبنيان معا جسورا من الأمان والازدهار، والعلاقة بينهما ليست مجرد اتفاقيات ومذكرات؛ إنها نبض مشترك يدق فى قلوب ملايين، يذكرنا بأن وحدة العرب ليست شعارا، بل قوة حية تشكل مصيرنا الجماعى. إنها علاقة تتمتع بسمات فريدة تميزها، بما لهما من ثقل إستراتيجى ومكانة إقليمية ودولية، وبالتالى أرى أن «الدفع بعلاقات الدولتين إلى «أفق جديد»، هو «واجب الوقت»؛ لأن فتح شرايين جديدة بين القاهرة والرياض، فى هذه المرحلة التاريخية من عمر الشرق الأوسط هو حماية لمصالح الشعبين الشقيقين وجميع شعوب الأمة قاطبة، وفى مقدمتها الشعب الفلسطينى المناضل، مثلما تجلى فى التنسيق الحادث حاليا بين مصر والسعودية تجاه القضية الفلسطينية والدفاع عن الحق الفلسطيني؛ حيث يشكل التوافق بين القاهرة والرياض صوتا واحدا فى المنابر الدولية، يحمى المصالح المشتركة ويردع التهديدات، ويصبح هذا التحالف درعاً يحمى الأمة من التجزئة، ويذكرنا بأن وحدة الوسائل والغايات هى السلاح الأقوى.
إن هذا التفاهم الساطع على المستويات كافة يعد تجسيدا للرؤية الثاقبة للقيادة السياسية فى البلدين التى تنتهج فلسفة واضحة، تحت شعار: «مصر والسعودية دائما معا». والعلاقات بين الدولتين ليست قصة نجاح ثنائية؛ إنها حكاية أمة تسعى للنهوض، وهى بمثابة منارة تضيء الطريق نحو مستقبل أفضل للجميع.
أرى أن «الدفع بعلاقات الدولتين إلى «أفق جديد»، هو «واجب الوقت»؛ لأن فتح شرايين جديدة بين القاهرة والرياض، فى هذه المرحلة التاريخية من عمر الشرق الأوسط هو حماية لمصالح الشعبين الشقيقين وجميع شعوب الأمة
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: