رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

يوم فى الجامعة العربية

ربما لم تكن هذه هى المرة الأولى التى اذهب فيها لمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، أو اللقاء الأول مع شخص الأمين العام احمد أبو الغيط، بل على العكس التقيت الرجل مئات المرات وأعرفه جيدا منذ بداية التسعينيات عندما كنت مراسل الأهرام فى وزارة الخارجية والجامعة العربية لعشرين عاما، وتوثقت علاقتنا أكثر عندما أصبح وزيرا للخارجية، ومازال التواصل قائماً بشكل شبه يومى، وتشعب طيلة السنوات العشر الأخيرة عندما أصبح الأمين العام، للاطلاع على مجريات الأمور السياسية وإيضاح النقاط الغامضة على الفهم فى عوالم السياسة والدبلوماسية سواء المصرية أو العربية، ولذا اتفقت مع الأمين العام ان نلتقى فور عودته من اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لفهم ماتم فى نيويورك والقاهرة والدوحة والرياض وغيرها بشأن السيناريوهات الحالية فى الإقليم ومستقبل الأوضاع فى غزة فى ضوء خطة السلام الأمريكية وموافقة حماس عليها، وثانيا للتهنئة بمناسبة افتتاح المبنى الضخم الإضافى المكمل لمقر جامعة الدول العربية، وكان أبو الغيط على الوعد حيث التقينا فى اليوم الثانى لعودته، خاصة انه ربما يراها المرة الأخيرة لزيارة نيويورك رسميا، وهو يستعد لمغادرة منصبه بالجامعة 30 يونيو القادم، والتى يقول عنها إنها كانت الزيارة رقم 55 إلى نيويورك ومقر الأمم المتحدة، حيث يزورها منذ 1974 عندما كان دبلوماسيا شابا وتوالت الزيارات حتى عندما أصبح مندوب مصر فى الأمم المتحدة، ومن بعدها مرات عديدة سنويا يعبر خلاله الأطلسى فى رحلات طويلة. ولأجل كل ذلك انتهزت فرصة اللقاء، الذى استمر لساعات بمكتبه وخلال الجولة بالمبنى الحديث للرؤية والاستكشاف لروعة هذا الصرح، وتحفة الإنشاء، وحجم التجهيزات والقاعات والتقنيات التى تجعل الجامعة تماثل فى الحجم والقاعات والتجهيزات مقر الأمم المتحدة، باستثناء ارتفاع الأدوار الشاهقة لدى الأخيرة، ولذا كانت الإجابات من قبل الأمين العام وافية، بشان الأوضاع السياسية والحراك المكثف لإنهاء أوضاع غزة المأزومة، ورؤيته ان هناك الجديد الذى تتم هندسته حاليا لإنهاء الحرب فى غزة خلال الأيام القادمة، وشكل وجوهر الضمانات بين الدول العربية وإدارة الرئيس الأمريكى ترامب، لإنهاء هذه المأساة الكارثية فى غزة، وتأكيداته نجاح هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة ولأول مرة منذ سنوات والتى كانت فلسطينية بامتياز هذا العام ،حيث أكد نجاح التحركات العربية عبر السعودية وبالتنسيق مع مصر والأردن ودول خليجية بجانب فرنسا، لتوفير شلال الاعتراف الأوروبى والدولى بالدولة الفلسطينية، كما رأينا فى نيويورك، الذى يراه اكبر انتصار للدول العربية والدولة الفلسطينية التى ستكون قائمة خلال نحو ثلاثة أعوام، حيث ينتظر اعتراف بقية دول العالم بها، ناهيك عن ان نيتانياهو لن يبقى فى السنوات القادمة فى منصبه رئيس وزراء لإسرائيل، وكذلك الحال للرئيس ترامب الذى اذا رحل نيتانياهو مبكرا، وحدث تنسيق وحراك عربى ضاغط لدى هذه الإدارة الأمريكية، من الممكن تغيير البوصلة بشأن التعاطى إيجابيا وقبولها بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى ان خطة السلام الأمريكية فى غزة ونجاح تنفيذها وانغماس ترامب فى التطبيق الأمين والكامل، بما فيها من مشاريع إعادة الإعمار مع بقاء الفلسطينيين فى القطاع، بعد إفشال مصر موضوع التهجير نهائياً، كل ذلك سيغير القناعات والالتزامات الأمريكية والأوروبية والدولية بمستقبل التسوية السياسية فى الإقليم، وأرى أن المصريين والعرب جاهزون بمشاريع ورؤية كاملة للأوضاع فى غزة وغيرها، بما فيها الترتيبات الإقليمية سياسيا وأمنيا القادمة ثنائية وشبه جماعية ضد إسرائيل، كما لم يفتنى التعرف على كثير من الكواليس والسيناريوهات القادمة فى الإقليم، سيأتى الحديث عنها فى مقالات قادمة. بعد تلك الجلسة اصطحبنى الأمين العام أبو الغيط، فى جولة مطولة داخل أروقة ومكاتب وقاعات المبنى الحديث، والذى يشكل فى مساحته الجديدة نحو 40%، من حجم المساحة الحالية لمقر الأمانة العامة للجامعة، حيث كان الانبهار شريكا فى خطى الجولة، نظرا لدقة وروعة التصميم واكتمال التجهيزات، والتقسيمات والتوزيعات للمكاتب والإدارات وبناء وإعداد القاعات الجديدة ، لتضيف أربع قاعات كبرى، ليصير عدد القاعات الكبرى الرئيسة بالجامعة ثمانى قاعات شاسعة، مع الأخذ فى الاعتبار أن التصميم الجديد أخذ نفس التصميم القديم الأصلى لإنشاء الجامعة مع الطابع الأندلسى، وعندما استفسرت عن مصدر تدفق تلك الأموال الضخمة التى تم بها إنشاء هذا المبنى، وكل تلك التجهيزات والتقنيات العالية الجودة، جاءت الإجابة ان تلك الأرض التى تم الإنشاء عليها وإلحاقها بمقر الجامعة، تم الحصول عليها من محافظة القاهرة، والحصول على التسجيل والتراخيص استغرق سنوات، ثم بدأ العمل تحديدا من أربع سنوات فى الإنشاء عبر شركة مصرية كبرى بالتعاون مع بيوت خبرة عالمية، حيث بلغت التكلفة الإجمالية نحو 500 مليون جنيه، قدم منها العراق بأسعار الدولار فى ذلك الوقت نحو 15 مليون دولار هدية للجامعة، ودبرت الأمانة العامة خمسة ملايين دولار أخرى من ميزانيتها، حتى انتهينا من هذا التأسيس بالكامل فى سبتمبر الماضى. وكانت المفاجأة الكبرى التى تسر الناظرين وتأسر الزائرين، إنشاء ذلك المتحف العملاق لأول مرة داخل مقر الجامعة على مساحة ضخمة، حيث التناسق وإبداع التصميم والتجهيزات، تخطف الأبصار والعقول، حيث تمكنت احدى الشركات العالمية من الإنشاء والتجهيز خلال شهور معدودة من العمل الشاق، من إخراجه إلى النور والولادة العملاقة، بمناسبة مرور 80 عاما على إنشاء الجامعة العربية، الا ان مقتضيات ووثائق هذا المتحف المثير للجمال، تشكل أعظم إنجاز بما تحتويه من تراث وإرث ومطبوعات وسجلات ووثائق ممهورة بتوقيعات الزعماء والقادة والملوك العرب منذ اجتماعات أنشاص بالشرقية لولادة وإنشاء الجامعة، مرورا بعهود وعقود من الاجتماعات فى الإسكندرية والقاهرة وسائر العواصم العربية، وأرشيف نادر وفريد للاجتماعات والصور والوثائق، ومجلدات عملاقة من إعداد الأهرام لكل ماكتب فى الصحف والإعلام العربى على مدى 80 عاما، بجانب جداريات من الصور العملاقة للقاءات وأنشطة القادة والزعماء، وذكريات الجامعة وجولاتها وأمنائها العامين فى كل تلك العقود، إضافة إلى مقتنيات وإهداءات من الدول العربية للجامعة العربية تمثل عبق التاريخ والعمل العربى المشترك، حيث سيظل هذا المتحف احد أهم بواكير وتسجيلاً أميناً لمسيرة الجامعة وتاريخها العتيد.


لمزيد من مقالات أشرف العشرى

رابط دائم: