أخيرا.. يلوح ضوء فى نهاية النفق المظلم، نفق وجدت المنطقة كلها نفسها مدفوعة إليه دفعا؛ بعد أن استفاقت على الكثير من الأوجاع والأوهام، فى واحدة من أخطر مراحلها التاريخية، والآن أصبحت الفرصة مهيأة لفتح مسارات الأمل؛ فلا دم يسيل دون حساب، ولا حرب تدوم إلى الأبد.
على مدى عامين كاملين، تحولت غزة إلى مسرح للألم، يسيل الدم كأنه أنهار، يرقص الاحتلال فوق جثث الأطفال والنساء والشيوخ، أحلام تذوب كالشمع تحت لهيب القنابل. وسط هذا الليل الحالك تمد «الكنانة» يدها لتمسح دمعة الجريح وتوقف نزيف الزمن. لم تكن «المحروسة» مجرد متفرج أو مراقب من بعيد، بل كانت الجسر الذى يحمل الأمل فوق نهر الألم؛ كانت غزة هى الجرح، ومصر هى الدواء.
ربما حان الوقت ليبتسم الفلسطينيون فى غزة وتنتهى معاناتهم، سيدخل لهم الوقود والغذاء والدواء، بعد طول حرمان سترتاح أرواحهم وأجسادهم من الانفجارات والدمار المروع، ترى أعينهم الحياة، بعد أن رأت الموت فى كل لحظة، يستنشقون رائحة غير رائحة الجثث والدخان والبارود والتراب.
ودون مبالغة، يمكن القول إن القاهرة هى أكبر مدافع ومحرك لصون حقوق الشعب الفلسطينى ووجوده، ورغم العواصف العاتية التى تعصف بالشرق الأوسط؛ تحركت مصر فى مساراتها المرسومة بعناية، للتعامل مع هذه المتغيرات الحادة وتبعاتها وفق ثوابت مستقرة ومرونة مدروسة؛ سعيا للحفاظ على المصالح الوطنية وتأمين مستقبل المنطقة وشعوبها.. لم تتخل مصر عن ثوابتها قط، سيذكر التاريخ والضمير الإنسانى أن مصر كانت القوة الفاعلة التى أبطلت «مخطط التهجير»، وبالتالى حالت دون تصفية القضية، ومدت سلما- مع آخرين- حتى ينزل الجميع من شجرة الحرب؛ ولعلنا جميعا نتذكر موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما أعلنها صراحة باسم مصر، قائلا: «إننا سنقف ضد جميع المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة، وهو أمر لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف، ونكرر: إن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء.. إلى آخر يقوم على السلام والتنمية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية».
فى دورها التاريخى والمحورى فى القضية الفلسطينية لم تغفل مصر لحظة واحدة، ولم تتأخر فى التصدى لمحاولات تفريغ القضية وأصبحت الحارس الأمين على حقوق الفلسطينيين؛ تكثف الجهود دوما للتوصل إلى الحلول؛ حتى لا تضيع «القضية» فى غياهب التاريخ، بل دفعت بها إلى صدارة الاهتمام العالمي. الحقيقة التى تبدت للقاصى والدانى أن الدولة المصرية برهنت باقتدار على قدرتها على قراءة الأحداث جيدا، وتهيئة الأجواء للتهدئة؛ من أجل سلام وأمان المنطقة والعالم أجمع.
وهذا لا ينسينا أن الدور والحضور المصرى تعرض- ومازال وسيظل- لسلسلة طويلة من حملات التشويه والتضييق، لكن مصر الكبيرة بأفعالها لم تنجر إلى فخ «المزايدات الرخيصة»، بل تركت حقيقة أدوار القاهرة وإسهاماتها تتحدث عن نفسها؛ بوصفها أقوى من «الدعاية السوداء وتزييف الحقائق»، فمصر- بتاريخها النضالى وموقفها الثابت- أقوى من فخاخ التحريض والتآمر التى ينصبها تنظيم الإخوان الإرهابى وغيره من المتاجرين بالقضية الفلسطينية؛ لتحقيق أجندات مشبوهة.
من وجهة نظرى، أرى أن مصر هى «مهندس السياسة» من أجل السلام والتنمية، فى مواجهة دعاة الحروب وتجار الموت والدماء، وهى صوت الحكمة والبصيرة عندما تسخن الرءوس وتغادرها حسابات العقل واعتبارات الإنسانية، لذلك رحبت مصر ببيان حركة حماس، ردا على خطة الرئيس الأمريكى «ترامب» لوقف الحرب فى غزة، حرصا على حقن دماء الشعب الفلسطيني. وأعربت مصر عن تقديرها جهود الرئيس الأمريكى ورؤيته لإحلال السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، لاسيما التزامه الكامل بإنهاء الحرب، ورفضه الكامل ضم الضفة الغربية أو تهجير الشعب الفلسطينى، وإطلاق خطة لإعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين بأراضيهم وعودة من يرغب فى العودة لوطنه؛ مما يعكس قيادة حكيمة ورؤية واعية وثاقبة من الرئيس ترامب لتحقيق السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، وحرصا منه على تكريس التعايش السلمى بين الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى؛ فى إطار أفق سياسى يقود إلى حل الدولتين الذى توافق المجتمع الدولى على مرجعيته.
وتلافيا لأى انتكاسات، دعت مصر جميع الأطراف للارتقاء إلى مستوى المسئولية بالالتزام بتنفيذ «خطة ترامب»، وإنهاء الحرب، وإنفاذ المساعدات الإنسانية عبر الآليات الأممية دون قيود، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، بما يؤسس لمرحلة جديدة نحو السلام. وفى هذا السياق كشفت القاهرة عن اعتزامها القيام بأقصى جهد بالتنسيق مع الأشقاء بالدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولى للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وإعادة إعمار غزة.
اليوم، تقود مصر ملحمة جديدة، تناقش على أرضها أسس وخرائط التهدئة، تقف مع الحق والعدل، تؤكد أنه لا سلام دون عدل، ولا حياة دون كرامة. وهى تصرّ على «وحدة فلسطينية» تجمع الفصائل؛ كأنها تجمع أشلاء جسد واحد ممزق؛ لتغلق باب الدم وتفتح نافذة النور. وإذا كانت التحية واجبة للشعب الفلسطينى الصامد على أرضه؛ إيمانا بحقه فى دولته، فمن الواجب أيضا توجيه التحية والتقدير للشعب المصرى ووعيه بالتهديدات والمخاطر التى يواجهها الوطن، تأكيدا لصلابة وتماسك الجبهة الداخلية، بوصفها أهم ركائز الأمن القومى المصرى.
تحيا مصر، بشعبها وجيشها وزعيمها القائد الرئيس السيسى، وستبقى «المحروسة» دائما فى الموعد، مع الأشقاء والأصدقاء، بما تقدمه من رؤى وحلول عملية قائمة على الواقع لا الخيال، كالأم الحانية التى تمد يدها لتمسح دمعة الجريح وتوقف نزيف الزمن، أليست هى «أم الدنيا»؟!
* * *
من وجهة نظرى، أرى أن مصر هى «مهندس السياسة» من أجل السلام والتنمية، فى مواجهة دعاة الحروب وتجار الموت والدماء، وهى صوت الحكمة والبصيرة عندما تسخن الرءوس وتغادرها حسابات العقل واعتبارات الإنسانية
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: