رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مصر.. السلام والردع!

احتوت كل كلمة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي- من فوق منبر الأكاديمية العسكرية- على رسالة تنبض بأهمية اللحظة، وترسم ملامح المستقبل، أطل الرئيس على جوهر التحديات التى تواجه مصر والإقليم، صاغ رؤية تبرز معنى القيادة الحقيقية، تجمع بين البصيرة والإصرار؛ فعندما يتحدث القائد يصقل رجال الوطن إرادتهم ويستعدون لتحمل أعباء المسئولية، ما استدعت الضرورة.

لم تكن كلمات الرئيس خطابا عابرا، إنما رسائل ملهمة تنبع من ثقة عميقة بإرادة الشعب المصري، مثلت محددات الأمن القومى «العمود الفقري» للحديث الرئاسي، وهو ما لا تخفى دلالاته، بالنظر إلى مكان الطرح «مصنع الرجال وعرين الأبطال»؛ حيث يُنحت رجال المستقبل وتشيّد صروح الأمل؛ ذلك أن الأمن القومى ليس مجرد شعار، بل عاملا وجوديا لا يمكن التفريط فيه، فى ظل أعاصير تهب من كل الاتجاهات، ومن ثمّ تنبع أهمية ما تقوم به القاهرة من بناء قدرات عسكرية متقدمة، مع الاستعداد الدائم لمواجهة التهديدات المحدقة؛ مع أنه من حسن الطالع أن الأوضاع الاقتصادية والأمنية مطمئنة؛ قدر مصر- بفضل موضعها وموقعها الاستراتيجى وثبات شعبها- أن تتحمل مسئولية كبيرة فى حفظ الاستقرار بالمنطقة، فى عالم خطير معقد.

وانطلاقا من ثوابت وطنية وموقف أخلاقى وإنساني، تناول الرئيس السيسى الأوضاع الساخنة المأساوية فى غزة، أشاد بالاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، وثمّن جهود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوقف النار، معربا عن أمله فى استمرار الجهود الدولية لتحقيق السلام العادل، وشدد على حرص مصر الدائم على وقف الحرب، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والعمل على إعادة الإعمار، وتطرق إلى ما يمكن أن أسميه «المزايدات الرخيصة» على مصر ودورها التاريخى الحافل فى دعم القضية الفلسطينية؛ فمصر هى الداعم الأول والأكبر للشعب الفلسطيني، بالدم والمال والمعونة، عبر عقود متطاولة، دون من أو أذى، لا يمكن أن يقارن عطاؤها للقضية بعطاء طرف آخر، مهما يكن، أوضح الرئيس أن الدولة المصرية تعمل على إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، دون الانزلاق إلى المواجهة أو استخدام القوة، لما لذلك من آثار وخيمة على القضية والمنطقة برمتها، مع مراعاة عدم تعريض مصر والمصريين لأى خطر؛ مؤكدا أن شعب مصر مسالم، لكنه عصى على أى إيذاء أو تهديد. وتحدث بصراحته المعهودة عن الاعتداءات التى تعرضت لها السفارات المصرية فى الخارج، مبينا أن جزءا منها ينبع من الجهل، وجزءا آخر من مكر أعداء الوطن، مؤكدا أن مصر لن تسمح لأحد بأن يلحق بها أى ضرر.


وفى هذا المضمار ترسى كلمات الرئيس قواعد صلبة، وتتجلى فيها نظرة استراتيجية عميقة لدور مصر فى الإقليم والعالم؛ وهو دور لا يقتصر على حفظ أمنها الداخلى فحسب، بل يمتد إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمى بأسره؛ وبالتالى السلم العالمي. كانت مصر أول دولة فى المنطقة سعت للسلام وحققته، من موقع قوة وانتصار، عقب نصر أكتوبر المجيد الذى تهبّ علينا نسائمه هذه الأيام، والذى أثبت فيه الجيش المصرى براعته وقدرته على استعادة الكرامة الوطنية وكسر شوكة العدو. إن مصر بموقعها الجغرافى ومكانتها التاريخية، ومقدراتها الحضارية الكامنة وإمكانات شعبها العظيم تحرص على لعب الدور الأساسى الذى لا غنى عنه، لتهدئة التوترات، وتقديم الدعم الإنسانى والسياسى الذى يعزز فرص السلام؛ إدراكا للتحديات المعقدة التى تعصف بالمنطقة.

تقف مصر، اليوم، شامخة كأيقونة، تجمع بين عراقة التاريخ وعمق الحاضر، بين صناعة السلام والاستعداد للدفاع بكل ما أوتيت من قوة وعتاد، تُجسّد استراتيجيتها الأمنية والسياسية نهج التوازن بين السعى للسلام والاستعداد للخطر؛ تدرك أن السلام الحقيقى يُبنى على قاعدة من القدرة على الردع، وأن التهاون فى الدفاع يعنى التفريط بالأمن القومي.

تجمع مصر- بقيادتها البصيرة وشعبها الواعي- بين رسالة الحكمة وقوة الإرادة. إنه بلد لا يعرف الاستسلام، يحمل فى جوفه حلم السلام والرقي دون أن يتخلى عن حقه فى الدفاع عن نفسه، بكل عزم. يُعزز إرادته جيش عصرى متطور، مجهز بأحدث الأسلحة والتقنيات، مدرب على أعلى المستويات، يؤمن حدود البلاد من أى تهديد؛ ما يجعل الكنانة عصية، تحمى سيادتها بحزم فى وجه أى عدوان، والخلاصة أنها لاعب لا غنى عنه فى أى معادلة سلام أو نزاع فى الإقليم، لتظل العمود الفقرى للسلام والاستقرار والازدهار بالشرق الأوسط، فى زمن تقاطع المصالح الدولية والإقليمية.

تُظهر «المحروسة» قدرة على قراءة المشهد بدقة، فى خضم تقلبات المنطقة، وترسل رسالة واضحة للعالم: السلام هو الخيار الأمثل والهدف الأسمي، لكن القوة والاستعداد هما الضمانة لتحقيق هذا السلام وحفظه. هذه الرسالة التى تنبع من تاريخ من المعاناة، ومن إرادة شعب لا يقبل إلا بالكرامة والحرية والأمن؛ لذلك لم يفت القائد الإشارة إلى ثقته بوعى الشعب المصري، بوصف هذا «الوعي» صمام الأمان وقت العواصف؛ فقد أثبت هذا الشعب صلابته وفهمه العميق لتداعيات الأحداث، بينما تمرّ المنطقة بمنعطف حاسم يتطلب حكمة فى التقدير وتأنياٍ فى الخطوات، فالخطأ فى التقدير قد يجرّ إلى المجهول.

من ثم وضع الرئيس قضية الانتماء والولاء كقيمة لا غنى عنها؛ الوطن أكبر من الجميع، وحماية الأرض تستدعى حشد الجهود، والتزام الأفراد بالقيم الوطنية التى تربّوا عليها؛ لذا حثّ شباب الأكاديمية العسكرية بأن يكونوا القدوة فى التضحية من أجل الوطن، معربا عن اعتزازه بجديتهم، وأوضح أن زياراته المتكررة تعكس حرصه على الاطمئنان إلى تقدمهم؛ فهم رجال المستقبل والقوة المحركة التى سترتقى بوطننا إلى آفاق جديدة من التقدم والازدهار!.

****

تجمع مصر- بقيادتها البصيرة وشعبها الواعي- بين رسالة الحكمة وقوة الإرادة. إنه بلد لا يعرف الاستسلام، يحمل فى جوفه حلم السلام دون أن يتخلى عن حقه فى الدفاع عن نفسه بكل عزم


[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب

رابط دائم: