هبطت عصر يوم الأحد من الأسبوع الماضى فى مطار الملك خالد الدولى بالرياض بعد رحلة قصيرة بمعايير السفر، وكان ذلك مناسبا للوصول إلى الفندق والاستعداد للمشاركة فى برنامج «ساعة حوار». لم تكن هناك فسحة من الوقت لمتابعة الأخبار التى هى الوقود للعاملين بالمهنة، وكانت المفاجأة أن بريطانيا أعلنت اعترافها بفلسطين كدولة ولحقت بها كندا واستراليا، وقبل أن ينصرف المساء كانت البرتغال قد دخلت ساعة الاعتراف. جميع القنوات السعودية والعربية بات غذاؤها مع بعض من الفرحة والتفاؤل الحديث عن «الاعتراف»، وحتى تغير موضوع المناقشة المحدد من قبل إلى معنى ما حدث وجذوره ومستقبله. ما تبادر للذهن لم يكن مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فقد حدث ذلك منذ عام 1988، وإنما أن بريطانيا التى قدمت «وعد بلفور» فى 1917 كانت هى التى بدأت الموجة الجديدة من المعترفين فى وقت بات فيه عبء التضحيات الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية ثقيلا على الضمائر فى العالم. كان طبيعيا فى اللحظة البحث عن معنى الدولة التى يسعى الفلسطينيون إليها؛ وكان الظن هو أن بداية «الدولة الوطنية» كانت الثورة الفرنسية التى فصلت ما بين الدولة والإمبراطورية التى كانت سائدة حتى انهارت بعد الحرب العالمية الأولى.
المدهش أن التعريف القانونى لمعنى الدولة تأخر كثيرا على قيامها كأساس للعلاقات الدولية، وكان ذلك فى «مونتفيديو» عاصمة أوروجواى حينما انعقد مؤتمر لتقنين صفات الدولة وخصائصها فى 26 ديسمبر 1933 وفى معية منظمة الدول الأمريكية. المؤتمر حدد أربع صفات للدولة: وجود سكان دائمون أو «شعب»، وإقليم محدد، وحكومة، والقدرة على الدخول فى علاقات مع الدول الأخرى. فيما بعد اعتمدت «عصبة الأمم» - التنظيم الدولى الذى أعقب الحرب العالمية الأولى - هذا التعريف الذى لم يرد فيه لا الاستقلال ولا السيادة، ولكن الفقه القانونى اعتمدهما فيما بعد. الاعترافات التى جاءت إذن بالدولة الفلسطينية جاءت فى حقيقتها اعترافا بوجود «أمة فلسطينية» جديرة بصفات الدولة .
لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد رابط دائم: