رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

السباق الأخير

سكينة فؤاد

‎بداية أعترف بأننى لم أكن أعرف أنه سيأتى وعلى وجه التحديد، لا أعرف متى بدأ وكيف تسلل واستولى عليً وأنزل بى من هزائم لم أتصورها أو تخطر على بالي؟ وأنا أحمل جبل المقطم وأراهن على زحزحته من مكانه وأكسب الرهان أو أسابق فى صعود جميع الأهرامات، خاصة الهرم الأكبر، أو أقطع هرولة طريق الكباش بين معبدى الكرنك والأقصر، بعد أن انتهى من زيارة المعبدين أو زيارة جميع معابد الضفة الغربية للنيل، حيث وضع أجدادى المصريون القدماء توابيتهم استعدادا لرحلة الخلود الأبدية، وكل ما سيحتاجون إليه بعد بعثهم، وإثبات أنهم لم يرتكبوا ما يغضب ماعت إلهة العدالة..

كم عشقت حضارة أجدادى وتمنيت لو عشت زمانهم وسعدت بما كشفه تحليل سلالتنا ان 98% من المصريين من سلالة أجدادهم المصريين القدماء، وآمنت دائما أن كل ما امتلكته من صلابة وقوة، كنت أستطيع أن أصنع بهما كل ما وصفته لكم، والذى تتواضع أمامه حياة طويله من الكفاح وظروف الحياة الصعبة، وزواج وإنجاب وتربية أبناء وحدي، دون أن أجد من يعاوننى أو يحنو عليً واضطرارى للعمل بأكثر من عمل حتى وإن لم يتوافق مع طبيعتي، وما أتمنى أن أعمله أكثر، لأوفر الأموال اللازمة لتربيتهم وتعليمهم، حتى تخرجوا ووصلوا الى مراكزهم المرموقة التى أصبحوا فيها، وأجد نفسى أحن وأشتاق إلى رؤية كل ما أجلت رؤيته إلى أن أنتهى من أداء رسالاتى ومهماتى الأساسية فى الحياة.. لماذا كررت كثيراً وآمنت دائما أن غدا لابد ستأتى الأيام التى استطيع أن أرى فيها الدنيا التى حلمت وأجلت رؤيتها، وكل ما سمعت من عجائبها وآثارها وفى مقدمتها كل ما قرأت عنه وعشقته وأنا أعطى دروس التاريخ لأجيال المراحل الأولى وأحاول أن أجعلهم يعشقون ما لم يتحقق لأجيالى من عشق ومعرفة لعظمة تاريخ بلادنا، وكم أخذتهم فى رحلات مدرسية الى معالم من هذه الآثار، وطلبت من وزارة المعارف أن تخصص جوائز تقديرية لمن يكتبون أفضل موضوعات التعبير عن آثار بلدهم.. ذلك التسابق الرائع الذى سرعان ما توقف، وكأن هناك من لا يريدهم أن يعرفوا ويعشقوا بلدهم وتاريخها ويتعرفوا إلى جذورهم وانتماءتهم الأصيلة، لتهزم ما بدأت ألاحظه من زحف موجات التغريب عليهم، مع انتشار مدارس أجنبية ومباهاة بمعرفة لغاتها، وما كاد يطير عقلى من معرفة بلغاتها اكثر من معرفتهم بلغة بلادهم .. كنت قد أدركت سن التقاعد ورفض طلبى فى تواصل عملى ولو اكتفيت بمعاشى المتواضع ولم أدرك متى بدأ يتسلل الوهن لعظامي، وتراجع قدراتى عن خدمة نفسى ...

كان عزيزا على نفسى أن يُرى ضعفى واحتياجى إلى التساند إلى الحوائط أو إلى عصا أهدتها لى فى شقتى العتيقة الصغيرة جاره طيبة .. عزيز على أن يُرى ضعفى خاصة من رأونى فى ذروة قوتى وأخذى سلالم المدرسة أو بيتى صعودا وهبوطا قفزا إذا فرضت الضرورات كيف لم أدرك السباق الذى دخله الزمان معى .. كيف لم أنتبه إلى بدايات زحفه وتراجعى أمامه وكيف أخذنى عناد ما كانت عليه طاقاتى وقدراتى التى آمنت فى أيام عمرى الأولى ولا مبالاتى بثقل ما أحمله من مسئوليات تخيلاتي، التى جعلت من تحريك جبل المقطم عملا يهون أمام ما كان عليً أن أقوم به من أعمال، وكيف كنت أغمض عينى وأرانى أصعد الهرم الأكبر، وأقطع طريق الكباش مهرولة وأصعد أحجار السد العالى وتداعيات ذكريات محاولة الاستعمار منع الرئيس جمال عبد الناصر من بنائه، وكيف أقام بالأموال التى جاءت لبنائه أكبر وأطول زهرة لوتس فى أرض الجزيرة، وكم استخدمت سلماته بدلا من المصعد، لأرى روعة القاهرة والنيل والأهرامات وصحارينا الواسعة الممتدة من قمة برج الجزيرة وما كررته ونفذت الكثير منه بالفعل مع تلميذاتى فى تسابقى المحموم ليحبوا ويعرفوا بلدهن، وكيف كبر عليً عندما أخذ التغريب أبنائى ليعملوا بالخارج أن أدرك أننى قد أحتاج إليهم يوما

.. بدا لى كأنه يضحك معلنا انتصاره عليً فى السباق الذى لم أدرك متى بدأ .. وأنا أتساند إلى جدران البيت لأفتح الباب لمن مازالوا يصلوننى ويغرقوننى بالود والسؤال والخدمات والأطباق من تلميذاتى وجيراني، قلت له: رفعت الراية البيضاء وأعتذر أننى لم أدرك مبكرا أن السباق الأخير لابد قادم .. ربما .. ربما.. استطعت أن أجعلك لا تستطيع أن تفوز عليً بضرباتك القاضية.


سكينة فؤاد

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق