رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الطريق الوعر إلى «الدولة الفلسطينية»!

بالتزامن مع انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حصلت فلسطين على اعتراف 10 دول، بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال، ليصل عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 159 دولة، كثمرة لمسيرة نضال طويل وشاق لشعب عظيم متجذر فى حلمه وأرضه ووطنه، بمساندة ورعاية الشعوب الشقيقة وأحرار العالم أجمع.

كانت مصر- وستظل- أكبر سند للشعب الفلسطينى وأكبر داعم لقضيته العادلة، على الصعيدين الإقليمى والدولي، منذ بداية المحنة، وحتى اليوم، وكانت من أولى الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية؛ انطلاقا من التزامها الثابت بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ولطالما شددت على أهمية الالتزام بحل الدولتين كإطار للسلام الشامل فى الشرق الأوسط.

قطع الفلسطينيون على امتداد عقود طويلة- ومازالوا- طريقا يفيض بالتضحيات والدماء والأشلاء، فى مواجهة محتل باغ باطش، يقترف أبشع الجرائم، من إبادة جماعية وتجويع وتهجير قسري، دون أدنى اعتبار لقانون دولى أو إنسانى أو أعراف أو مواثيق؛ ولذلك فإن الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطينية تطور سياسى مهم، بيد أنها لا تعنى قيام دولة ذات سيادة فعلية (حالا)، إنما سبيل لابد منه للوصول إلى الهدف؛ فمن خلال البناء على تلك الاعترافات تحصل فلسطين فى نهاية المطاف على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، بدل «عضو مراقب».

لهذا ساندت القاهرة ورحبت بحرارة بالاعترافات المتتابعة من العواصم المختلفة بالدولة الفلسطينية؛ باعتبارها خطوة جوهرية تفيض بدلالات سياسية وقانونية؛ اعتراف دولة ما بدولة فلسطين، يعنى اعترافا بالشرعية والسيادة، بمعنى أن الفلسطينيين لهم الحق فى السيادة على أراضيهم (الضفة، وغزة، والقدس الشرقية)، ما يمنح شرعية دولية لحق الفلسطينى فى تقرير مصيره ودولته المستقلة.

ولا يغيب عن بالنا بالطبع أن بعض الدول لجأت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية لمعاقبة إسرائيل أو إكراهها على وقف الإبادة الجماعية التى تمارسها فى الأراضى المحتلة، لاسيما فى غزة، على نحو يندى له الجبين الإنساني، وقد يرى بعضنا أن هذه «الاعترافات» جاءت متأخرة جدا- وهى كذلك بالفعل- لكنها تظل أداة لمساءلة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه الوحشية، وصولا لتطبيق قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال، أيضا إسقاط ما يسمى «خيار الوطن البديل»- فى أى اتجاه- الذى تسعى إليه تل أبيب.


إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذى كانت مصر ودول عربية قوة محركة له، بدأ يجنى ثماره، تقديرا وإجلالا لتضحيات الشعب الفلسطيني، وبرغم أنه يمنح «القضية» دفعة معنوية وسياسية، لكنه قد لا يغير من الواقع شيئا، إلا إذا تم إنهاء الانقسام وتوحيد الصف والمؤسسات الفلسطينية، فى ظل الصراع المستعر مع المحتل، ما ينعكس إيجابيا على حاضر القضية ومستقبلها، وخلخلة الجبهة المساندة للاحتلال، بل وحتى تحفيز الداخل الإسرائيلى على السير فى طريق التسوية.

صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو صرح بأنه «لن تكون هناك دولة فلسطينية»، ودعا وزير المالية اليمينى المتطرف سيموتريتش إلى إسقاط فكرة الدولة الفلسطينية من جدول الأعمال إلى الأبد، مبينا أن الأيام التى كانت فيها بريطانيا ودول أخرى تحدد مستقبل إسرائيل انتهت، والانتداب انتهي، والرد الوحيد هو السيادة على الضفة الغربية. فى المقابل أكد رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق جادى آيزنكوت، أن الاعتراف بدولة فلسطينية هو نتيجة فشل وانهيار سياسى مدو للحكومة ولرئيس الوزراء نيتانياهو، بينما قال يائير جولان، رئيس حزب «الديمقراطيين» الإسرائيلي، إن الاعتراف الجارى بدولة فلسطينية هو فشل دبلوماسى خطير لحكومة نيتانياهو وسيموتريتش وخطوة مدمرة لأمن إسرائيل؛ نتيجة لتفريط نيتانياهو ورفضه إنهاء الحرب وتفضيل الاحتلال والضم.

كل ذلك يعكس ارتدادات واضحة فى الداخل الإسرائيلى لتلك الاعترافات المتوالية من جانب دول مهمة بالدولة الفلسطينية، وعلينا ألا ننسى أن أربعة من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولى باتوا يعترفون بالدولة الفلسطينية، وهذا إنجاز لا يمكن التقليل منه، وإن كان لا يكافئ الدم الفلسطينى السيال!.

وقد يرى بعضهم أن مستقبل الصراع العربي- الإسرائيلى يرتبط بموازين القُوى على الساحة الدولية، وهذا صحيح، وأنه مهما كان عدد الدول المعترفة بفلسطين، فإن أى ضغط على إسرائيل للسير فى طريق التهدئة، لن يمر إلا عبر البوابة الأمريكية، وبالتالي، تظل المكاسب محدودة التأثير، ما لم توافق واشنطن عليها، وهذا أيضا صحيح. ومادامت واشنطن لا ترضى بما يزعج إسرائيل، فلن يتغيّر الوضع على الأرض أو فى أروقة السياسة. الحقيقة أن تلك رؤية سليمة تستوجب السعى لا اليأس، بذل كل الجهود من جانب كل الأطراف التى تساند الأشقاء الفلسطينيين لانتزاع حقوقهم، لقد غيّر «الدم المراق» فى غزة والضفة مواقف الكثيرين فى العالم، حتى وزير الخارجية الأمريكى السابق أنتونى بلينكن (يهودي) كتب مقالا فى «وول ستريت جورنال» قال فيه إن قرار فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا بالاعتراف بدولة فلسطينية، يُعد قرارا صحيحا من الناحية الأخلاقية ويعكس إجماعاً دوليا واسعا».

إجمالا، يمكن القول إن كل ذلك له معنى واحد: ضرورة استمرار العمل على تعظيم الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية الإقليمية والدولية لوقف الحرب ومنع التهجير، وإدخال المساعدات، وبدء إعادة الإعمار فى غزة، ومساندة الفلسطينيين على الصمود فى أرضهم، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، والإعداد لبدء مسيرة التسوية، وعلى الإخوة العرب وأحرار العالم توحيد الصفوف من أجل الحق والسلام، قبل أن يهب الإعصار!.

****

ساندت القاهرة ورحبت بحرارة باعترافات عواصم مختلفة بالدولة الفلسطينية؛ باعتبارها خطوة جوهرية تفيض بدلالات سياسية وقانونية؛ اعتراف دولة ما بدولة فلسطين يعني اعترافا بالشرعية والسيادة، بمعنى أن الفلسطينيين لهم الحق في السيادة على أراضيهم


[email protected]
لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب :

رابط دائم: