لم يكن العدوان الإسرائيلى السافر على قطر، والذى استهدف قيادات من حركة حماس حدثا عابرا؛ إنما نقطة تحول مفصلية؛ اعتداء سافر على سيادة دولة تسعى لإطفاء نيران الصراع فى غزة، وطعنة فى قلب الكرامة العربية، تُنذر بأن لا أحد فى مأمن؛ من أجل ذلك أتت القمة العربية ــ الإسلامية الطارئة فى الدوحة، أمس، محاولة لرص الصفوف وتوحيد العزائم من أجل انتزاع الحق بقوة الحكمة والإرادة؛ من خلال تجاوز الخلافات، لمحاسبة المعتدى بما يتجاوز الشجب أو الإدانة اللفظية، وحماية أمن إقليمى مهدد أكثر من أى وقت مضي.
باتت العربدة والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة حلقة فى سلسلة طويلة من الاعتداءات الوحشية فى غزة والضفة، وتمتد من لبنان إلى سوريا؛ إلى اليمن وإيران، فى تحد صارخ للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية، ولعل المشهد الدامى فى غزة يلخص ما نريد الإشارة إليه؛ يواجه الشعب الفلسطينى حربا ضروسا، تُزهق أرواح الأطفال وتُدمر صور الحياة، إبادة جماعية وتجويع بقصد التهجير القسري؛ لقد أثبتت إسرائيل، مرة تلو أخري، أنها لا تعترف بخطوط حمراء، وأنها ترى فى السلام تهديدا لأطماعها التوسعية. لذلك كان مستحيلا أن تقف الأمة صامدة أمام عدو يكره الحياة، ولا يتوقف عن القتل وسفك الدماء فى لحظة تتكشف فيها، هشاشة الأمن الإقليمي؛ ويتطلب موقفا عربيا موحدا.
وفى ضوء كل ما هو معلوم حول التطورات الخطيرة فى الشرق الأوسط، أرسلت مصر عدة رسائل بالغة الأهمية، قاطعة الدلالة، إلى الإقليم والعالم، وذلك على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى كلمته أمام قمة الدوحة، جدد الرئيس الدعوة للاعتراف الفورى بدولة فلسطين، من جانب جميع الدول التى لم تقدم على هذه الخطوة بعد، باعتبار ذلك السبيل الوحيد، من أجل الحفاظ على حل الدولتين؛ لافتا إلى إننا أمام لحظة فارقة، تستلزم أن تكون «وحدتنا» نقطة ارتكاز أساسية، للتعامل مع التحديات التى تواجه منطقتنا، بما يضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراعات، والحيلولة دون فرض ترتيبات إقليمية، تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة.
وشدد الرئيس على أننا «لن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام .. وسنقف جميعا صفا واحدا، دفاعا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفى مقدمتها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، والعيش بحرية وكرامة وأمن».
وكان أكثر ما شد انتباهى حرص الرئيس السيسى على التأكيد للقادة العرب على ضرورة أن «تغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أى دولة عربية؛ مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام؛ وهذه النظرة كى تتغير، فهى تتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة؛ حتى يرتدع كل باغ، ويتحسب أى مغامر؛ فقد أصبح لزاما علينا فى هذا الظرف التاريخى الدقيق، إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكننا جميعا من مواجهة التحديات الكبري، الأمنية والسياسية والاقتصادية، التى تحيط بنا .. حيث إن إقامة مثل هذه الآلية الآن، يمثل السبيل لتعزيز جبهتنا، وقدرتنا على التصدى للتحديات الراهنة، واتخاذ ما يلزم من خطوات، لحماية أمننا ورعاية مصالحنا المشتركة. ومصر كعهدها دائما؛ تمد يدها لكل جهد صادق، يحقق سلاما عادلا، ويدعم أمن واستقرار العالمين العربى والإسلامي».
إن دعوة الرئيس السيسى لقادة الدول العربية إلى إنشاء آلية عربية إسلامية لمواجهة التحديات الكبري، هى رسالة ذات مغزى وهدف، وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات، واستعادة زمام المبادرة، تحتاج إلى آذان صاغية وعقول واعية؛ خاصة أن الأمة تقف على مفترق طرق، بين إرث من التشرذم وطموح لتوحيد الصفوف، إذ يصعب تصور كبح إسرائيل عن العدوان ومحاسبتها على انتهاكاتها، دون تعزيز التعاون العربي-الإسلامي؛ فالعدوان على قطر أو غيرها، هو عدوان على الأمن القومى العربى بأسره، دون إغفال أن المنطقة العربية بكل ما تزخر به من ثروات وإمكانات هائلة، هى منطقة اهتمام ذات بعد عالمى تحرك أطماع القوى الإقليمية والعالمية؛ للهيمنة والتوسع، ما قد يصل إلى تصادم الإرادات فى المنطقة بين اللاعبين الجيوستراتيجيين، كما يسميهم زبيجنيو بريجنسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق.
إن الأمم لا يمكن حمايتها بالشجب والإدانة، بل بالإرادة والعمل، وبما يتجاوز حدود التضامن اللفظى إلى إجراءات ملموسة، من خلال رسم استراتيجية؛ تتضمن ردا لمواجهة الهيمنة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا؛ فهل يستجيب العرب وأحرار العالم لصوت مصر المدوى فى الدوحة وكل المحافل الدولية، نصرة للحق وضمانة للأمن والسلام والتنمية لجميع شعوب المنطقة، دون استثناء؟!.
إن قمة الدوحة ليست مجرد اجتماع للقادة، بل محطة لاختبار إرادة الأمة؛ فى لحظة تاريخية عاصفة، تتطلب الشجاعة لتجاوز الماضي، والحكمة لرسم المستقبل؛ وفى كل الأحوال ينتظر الشعب الفلسطينى صوت الحق، والتاريخ يراقب الجميع!.
*****
لن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام .. وسنقف جميعا صفا واحدا، دفاعا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفى مقدمتها حق الشعب الفلسطينى
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: