رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كلام ثابت
استعادة هوية الصحافة

فى لحظات التحول الكبري، تغدو الصحافة أكثر من مهنة لنقل الأخبار، بل للبحث عن المعنى ومرآة يرى المجتمع فيها صورته بصدق، واليوم تقف الصحافة المصرية عند مفترق طرق: إما أن تستعيد دورها كضمير عام، أو تبقى حبيسة أنماط تجاوزها الزمن. فوجود الإرادة السياسية هو إعلان عن أفق جديد يجعل الممكن واقعًا إذا بدأنا من حيث انتهى الآخرون. فالعالم سبق بخطوات واسعة، ورسم رؤى طويلة المدى أعادت إنتاج الصحافة فى ظل الثورة الرقمية. ومن هنا، فإن اللحاق بالركب ليس خيارًا ترفيا، بل ضرورة وجودية، لأن الصحافة التى لا تواكب عصرها تفقد حقها فى البقاء.

ومع ذلك، فإن أى مشروع تطوير لا يمكن أن يستقيم إلا على ثوابت أصيلة: حرية هى هواء الكلمة، مهنية تنحاز للحقيقة، وحق فى تداول المعلومات. ويكتمل البناء بضمان أجر كريم يصون الكرامة، وببنية تحتية حديثة تمكن الصحافة من مواكبة زمن سريع التحول. غير أن كل هذا يظل ناقصًا ما لم يتسلح الصحفى نفسه بالرغبة فى التعلم والتطوير، ليبقى ابنًا لعصره لا غريبًا عنه.

حين فتحت الهيئة الوطنية للصحافة باب المناقشات، كان الباب مشرعًا أمام الجميع؛ فمن أراد حضور جلسات الحوار أو إرسال رؤيته وأفكاره وجد الفرصة متاحة. وهكذا تجسدت فكرة المشاركة العامة وسياسة الباب المفتوح، ليصبح مستقبل الصحافة ثمرة حوار لا قرارًا مفروضًا من أعلي. وهنا تبرز مسئولية الجماعة الصحفية: فإما أن تُهدر اللحظة فى خلافات صغيرة، أو أن توحد طاقتها فى موقف مشترك يحول التعدد إلى قوة، إذ لا قيمة للمائدة المفتوحة ما لم تُثمر صوتًا واحدًا متماسكًا قادرًا على مواجهة التحديات.

ما يُطرح اليوم ليس مجرد إصلاح تنظيمي، بل معركة حول هوية الصحافة ذاتها، بعد أن تراجعت أمام صعود مؤثرين بلا مسئولية أو مرجعية، حتى كادت الساحة تُسلب من أصحابها الشرعيين. ومن ثم، فالحوار القائم هو مقاومة لاستلاب الدور واستعادة لمكانة الصحافة كضمير المجتمع ومصدر الحقيقة.

إننا أمام لحظة فاصلة، أشبه بامتحان للوعى الجمعي: هل نستطيع أن نتمسك بالثوابت ونطوع الأدوات الحديثة فى الوقت نفسه؟ هل نملك الشجاعة لأن نتجاوز الخلافات الصغيرة من أجل مشروع أكبر؟ إذا تحقق ذلك، فإن الصحافة المصرية لن تعود لتلحق بركب الآخرين وحسب، بل لتعيد تعريف موقعها ودورها فى عالم مضطرب، ولتستعيد مكانتها الطبيعية: أن تكون فى الصدارة، بوصفها مرآة المجتمع وعينه اليقظة وضميره الحي.


لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت

رابط دائم: