رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كلام ثابت
ملحمة توشكى الجديدة

مشروع توشكى عاد إلى الحياة، ليس مجرد مشروع تنموي، بل مجتمع تنموى متكامل ومبهر. أصابه الذبول بعد بدئه بثلاث سنوات فقط، ثم كاد يطويه النسيان، إذ وجد المستثمرون العرب والأجانب أنه مشروع مكلف، لا يدر عائداً سريعاً، ويحتاج إلى الكثير من الإنفاق والصبر. لذلك أهملته أربع شركات استثمارية عربية وجهات أجنبية، لكن جهاز مشروعات القوات المسلحة المصرية كان له رأى آخر؛ فتوجه إلى أرض الواقع بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى طلب تقريراً مفصلاً عن أسباب انهيار المشروع الذى بدأ فى التسعينيات، ثم انزوى عن الأنظار.

وقد جاءت التقارير برؤية متكاملة، تستعرض الصعوبات والمعوّقات، وتطرح الحلول والتكاليف. وإذا بالقرار يصدر بإعادة إحياء المشروع، لتدب الحياة وسط الصحراء القاحلة؛ الترع المبطّنة تتمدد، وأبراج الكهرباء تنتشر، وحولها آلاف العمال والجنود يتسابقون لتحويل أراضى توشكى إلى مناطق خضراء يانعة بالخير. لا يمكن تصديق حجم الجهد الذى تحقق، ولا حجم الإنجاز والعوائد، سواء كانت قصيرة الأمد أم بعيدة.

كنت أتابع ما يجرى من أعمال فى تلك المنطقة النائية جنوب غرب سد أسوان. أشاهد الصور الجوية وتقارير مراسلينا، وأنا أضع يدى على قلبى خشية أن يتعرض مشروع توشكى لفشل جديد. كنت أعلم أن هناك تلالاً ضخمة من الصخور تفصل بين أكثر الأماكن صلاحية للزراعة ومصادر المياه. لم تكن أرضاً رملية أو جيرية، بل صخور «جرانيت» شديدة الصلابة، لا تقوى على حفرها أو زحزحتها أى نوع من الآلات والمعدات. وهنا تدخلت القوات المسلحة بأطنان من الديناميت، فى عملية أشبه بإنشاء السد العالى وما صاحبها من روح كفاح. فتفتت تسعة كيلومترات من الصخور الجرانيتية، وتمددت الترع على مئات آلاف الأفدنة، وظهرت معدات الريّ بالرش الحديثة، لتنشئ آلاف الدوائر الخضراء اليانعة فى قلب الصحراء.

كان مشروع توشكى القديم يستهدف زراعة 540 ألف فدان، لكنه لم يحقق سوى زراعة 80 ألف فدان، لم تكن عوائدها تساوى شيئاً بالقياس إلى تكلفتها. غير أن جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة نظر إلى المشروع على أنه أمن قومي، يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من أهم احتياجات المواطن المصري: زراعة القمح والذرة، وإنتاج الزيوت، وملايين أشجار التمور. وقد أُنجز استكمال جميع المرافق فى أقل من أربع سنوات، زُرع خلالها 840 ألف فدان، مع استمرار استصلاح وزراعة 300 ألف فدان أخري.

هذا الجهد الخارق، المدفوع بروح وطنية، تحدى كل الصعوبات، واستغل طاقات شباب مصر من زراعيين وخبراء فى الموارد المائية. فتضافرت الجهود، وتحققت إنتاجية عالية، وأُنجزت بحوث فى مجال الزراعة بالمناطق الجافة، وابتُكرت أفضل أساليب الري، مع تعديل مواعيد الزراعة وفقاً للمناخ.


لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت

رابط دائم: