مع حالة التنمر وتزايد التبجح، والإعلان السافر لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى نيتانياهو عن إسرائيل الكبرى، التى بمقتضاها سيعزز الاحتلال الإسرائيلى احتلاله دولا عربية واقتطاع أجزاء منها، تطبيقا لحلم توراتى، بات يحاصرنى كثير من الأسئلة الكاشفة من محطات تليفزيون عربية وأجنبية خلال مشاركاتى عبر برامج وتغطيات مفتوحة، ماذا أنتم فى مصر فاعلون؟ وكيف تستعدون لتلك الخطط؟ خاصة ان نيتانياهو يتغنى كل يوم بالانتصارات والإغارات والاجتياحات لعواصم عربية فى المشرق، والادعاء بامتلاكه مفاتيح تغيير الشرق الأوسط الجديد، وإعلام تل أبيب وجنرالاتها لا يتوقفون عن الطنين بضرورة الحرب القادمة مع مصر، بدورى لا أتأخر بالإجابات والردود المعمقة بقوة ومنطق المواقف المصرية الرصينة، مستعينا بالتصريحات والبيانات الشديدة التى تصدر من القاهرة يوميا، وأحيانا كثيرة اذكر الجميع بمن فيهم القابعون فى تل أبيب لرصد مواقف وسياسات ومتابعة السياسيين ومعلقى محطات الفضائيات الدولية من المصريين، بتصريح الرئيس السيسى منذ سنوات فى احدى الندوات التثقيفية بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر 1973، عندما أعلنها صريحة مدوية، إننا فى تلك الحرب فعلناها وحققنا الانتصار الكاسح على العدو الإسرائيلى، ولدينا الاستعداد والجاهزية لتكرار هذا الانتصار بامتياز مرة ثانية وثالثة لو اقتضت الضرورة ، وربما يكون القادم هو الأسوأ عن حق وجدارة وانتكاسة اكبر لتل أبيب ، قياسا مع الفارق ان قوة الجيش المصرى وتسليحه وحضوره العسكرى على المستوى الإقليمى والدولى، يفوق مئات المرات ما كان عليه فى أكتوبر 1973.
تصريحات نيتانياهو تعبر عن نذر توتر قادم لامحالة فى الشرق الأوسط، لن يبدأه أو يسعى إليه اى طرف عربى، ولكن من يخطط ويستعد لفرض تلك المعادلة الجديدة هم قادة النازيين الجدد، أمثال نيتانياهو وبن غفير وسموتريتش، الذين يسعون لتصدير الصدمة والرعب فى قلوب الفلسطينيين والعرب، وبالتالى بات السؤال يفرض نفسه ماذا نحن فاعلون فى الغد لمواجهة هذا السيناريو الذى يعد له منذ سنوات فى تل أبيب؟.
لاشك فى ان حرب غزة كاشفة وفاضحة للإجرام الإسرائيلى، من حيث الوحشية والإبادة، واستحضار كل صنوف القصف والقتل والتجويع، حتى ان مؤرخى هذا العصر لاشك سيكتبون أن تلك الجرائم هى الأبشع والأكثر جرما ودموية فى تاريخ البشرية بالقرنين الماضى والحاضر، وبالتالى حجم الخسائر فيها ربما يستمر لعقود طويلة، لكن الانكى.. ماذا عن القادم للإقليم بعد تلك الحرب، بكل تأكيد القادم سيكون الأسوأ على الإطلاق، ليس هذا الرصد نابعا عن روية تشاؤمية، ولكن نابع من رصد الأحوال والتطورات والتغييرات الخاصة بصناعة القرار الأمريكى - الإسرائيلى تجاه المنطقة العربية، حيث بات لافتا ان هناك إطارا حاكما لدى القيادتين فى واشنطن ترامب وتل أبيب نيتانياهو، ان هذا الوقت هو الأنسب لتغيير الإقليم، وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، وتوفير استحقاقات التفوق الاستراتيجى، ونسف رؤية الدولة الفلسطينية ودفنها للأبد، ناهيك عن تغيير هيكلية ومساحات دول الجوار العربى لإسرائيل، عبر منطق العدوان والاجتياح، واقتطاع أجزاء ومساحات شاسعة من الدول العربية إيذانا بفرض إسرائيل الكبرى، إضافة إلى ان نيتانياهو يرى ان الآن هو انسب وقت لتحقيق هذا الحلم طالما ترامب فى البيت الأبيض، وان الولايات المتحدة لن تجود بمثل هذا الرجل نصير إسرائيل القاتلة، وبالتالى السنوات الثلاث والنصف سنة المتبقية من ولاية ترامب، لاشك أنها ستكون وبالا على الإقليم.
لامبالغة فى القول ان الموقف العربى ضعيف، وفى بعض الأحيان متراجع بشكل يثير الأسى، باستثناء الموقف المصرى ومعه الأشقاء فى الخليج خاصة السعودية والإمارات، وباستثناء ذلك حدث ولاحرج بقية الدول منكفئة على ذاتها، ان لم يكن معظمها خرج من معادلة الدول القوية فى الإقليم، وبعضها يصارع من اجل الحفاظ على الحد الأدنى من تماسكه وحدوده، وبالتالى يبقى رهان 110 ملايين فى الداخل المصرى ونحو 400 مليون عربى فى الإقليم، على الجيش المصرى لتوفير استحقاقات الحماية، والحاضنة الدفاعية لو حاول نيتانياهو تنفيذ مخطط إسرائيل الكبري.
هذا الطرح ليس دعوة للحرب، بل هو جرس إنذار للجميع فى الإقليم، نحن فى مصر ليس لدينا حالة الخوف والهلع، بل كل الثقة والجدارة، وضمانات الطمأنينة اللامتناهية، واليقظة لدولتنا وجيشنا على مدار الساعة، وان كل الخيارات لدينا مطروحة على الطاولة لدى صانع القرار، وبالتالى الامر يتطلب اليقظة والنظر جليا الى سيناريوهات ومقتضيات ماهو قادم، وبالتالى الانتصار فى معركة ردع نيتانياهو عبر خيارين لا ثالث لهما، الأول تزايد التكتل العربى والمواقف العربية الصلبة وليست العنتريات دون اى انزلاقات لمواجهة غير محسوبة ، والثانى ان أى حرب تفرض علينا يجب ان يُستعد لها من الآن، مع اكتمال الجاهزية والتكتيكات المفاجئة، مع الأخذ فى الاعتبار امتلاك خريطة معلومات دقيقة شاملة عن جميع المواقع الإستراتيجية للعدو ومقر إقامة وجود جميع الوجوه المتطرفة لمحوها فى ساعات وتكرار مفاجآت نصرنا فى حرب أكتوبر، لان أى هزيمة قاسية لإسرائيل، ستطيح بوجوه التطرّف وتنهى حلم نيتانياهو وأنصاره من اليمين المتطرف، علاوة على تقزيم ونهاية غطرسة دولة الاحتلال إلى الأبد، وفرض حلم الدولة الفلسطينية ونسف مشروع العبث وترويج أكاذيب تغيير الشرق الأوسط وأضغاث أحلام إسرائيل الكبرى.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: